عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 26-06-2006, 07:20 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

غياب الاحتراف السياسي وراء الكثير من المآسي :

لولا رحمة الله لعباده بالموت لهم عند عمر محدد ، لتفاقمت صعوبات الحياة حتى قتلتهم بأسوأ الصور وهم أحياء !

لنتصور أن هناك من يعيش ألف عام هذه الأيام ، ويكون هذا العمر ، غير استثنائيا ، بل لأغلب الناس ، فلا يستطيع أحدنا أن يبيع قطعة من عقار ، لأن مالكها الأول قبل ألف عام لا يزال على قيد الحياة ، ولا يستطيع أحدنا يخطب لنفسه أو لولده من أي مكان ، لأن كبير العائلة الذي (الجد الخامس عشر ) لا يزال على قيد الحياة .. وهو سيجد مبررا لرفض خطبة أي فتاة ، لأنه بهذا العمر المديد ، سيعثر على سبب يجعله لا يوافق على تلك الخطبة ، فإن سألته لماذا ؟ سيجيبك أنه عندما كان يقف مع صلاح الدين الأيوبي ، مر جد هذه الفتاة ولم يطرح السلام !

لكن رحمة الله قد وفرت علينا هذا العناء ، إضافة لكونها تخفف المزاحمة في العيش و السكن والتنافس على مصادر المياه الخ .. لكن بقي شيء هام جدا وهو مخزون الذاكرة الذي ينتقل من جيل الى جيل و من جد الى والد الى ابن !

لو تفحص أي محاور منا محاوره ، فسيجد نقطة في سجله تجعله يلاقي مبررا لرفض ما يطرح هذا المحاور ، فقد تجد له موقفا أكد اقترابه من الخط السياسي الفلاني أو الدولة الفلانية ، وهذا يكفي لرفض ما يطرح ، أو يجعل ما يطرحه في باب المشكوك فيه وفي نوايا ذلك الطرح ..

لا تقتصر تلك الظاهرة على المتحاورين من أبناء حي أو مدينة أو مهنة أو قطر أو قارة .. بل تتعداها الى كل بقاع الأرض .. وكلما اتسعت دائرة تصنيف المحاور ، كلما تيسر إيجاد السبب لرفضه ..

هذا يقود لوصف النشاط الذهني أو الأيديولوجي ، الذي يقوم به المثقفون والذين ينسبوا إما للطلائع أو النخب ، فنشاطهم أقرب ل ( الهربدة ) منه للعمل السياسي .. إن الطلائع والنخب ، مصانع متحركة ومتجددة لاختراع الأعداء ، وتنصيب آخرين نناصبهم العداء في كل صباح ومساء ..

ننظر بعين الحسد ، الى أعداءنا ، على الكيفية التي يقنصون فيها عملاءهم أو أصدقائهم من بيننا ، في حين ننظر بعين القرف الى أنفسنا ، على الكيفية التي لا نتوقف بها عن تفريخ أعداءنا من بيننا ، في حين نسقط من حسابنا التوجه الى الخارج لإيجاد أنصار لنا في قضايانا ..

لقد فقدنا الكثير ممن اعتنق الإسلام في إفريقيا ، نتيجة لعدم معاونتهم في التمسك بدينهم ، والوقوف صامدين أمام حملات التنصير .. هذا من زاوية دينية بحتة .. كما فقدنا أنصارنا ممن كانوا يقفون الى جانب قضايانا في معاداة الصهيونية ، فنفس الذين صوتوا الى جانب قرار (اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية ) .. هم أنفسهم من ألغى القرار في الأمم المتحدة ..

إن الحجَار الذي يقف أمام صخرة صلبة ، يقف متمعنا بها قبل ضربها بأدواته البدائية ، فيختار نقاطا للطرق عليها بفأسه أو ( إسفينه ) أو مطرقته ، إنه بفطرته ومهاراته التي تكونت لديه ، عرف أين يجب أن يضرب ، ومن أين عليه أن يبدأ ..

هذه سياسة ، معرفة فن تفتيت الكتل العدوة ، ومعرفة تجميع الكتل الصديقة ، ومن لم يتدرب على القفز عن حبل ارتفاعه قدم ، لن يتسابق في الدورات الأولمبية ليأخذ ميدالية في القفز العالي ..

لا تكفي الجعجعة و الكلام الفضفاض و طروحات إثارة الهمم الطيبة ، بل يحتاج التحرك الى معرفة تحشيد الأصدقاء و الأخوان ، والتعامل مع قضايا التصنيع و الزراعة والبيئة و تناقل السلطة ، والحفاظ على الهوية الوطنية ..

يفشل السياسيون الذين يستلموا الحكم بأي طريقة ، وهم من الضحالة السياسية بمكان ، يفشلوا في إقناع من يحكمون بالالتفاف حولهم ، ويفشلون في تحقيق برامجهم ( المفقودة أصلا ) ..

فمحترف سياسة الحكم ( أي من في الحكم ) .. لا يظهر فجأة ، بل عليه أن يكون محترفا للسياسة وهو خارج الحكم ..
__________________
ابن حوران