عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 18-07-2006, 06:41 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الأزمات المتفاقمة للنخب والطلائع هل لها طابع أزلي ؟

قد يتساءل من يقرأ هذا الكلام ، وإن كان أمر التسليم به كمصنف ثابت لما هو قائم ، يأخذ طابعا نسبيا ، يعتمد على هوية القارئ و حجم الثوابت التي يؤمن بها ، منطلقا من تكوين عقائدي معين ، يجعل إيمانه بتطور الأحداث يختلف عما قرأ ..

وإن حدث أن تهادن القارئ مع ما قرأ ، فإن سؤالا أو مجموعة من الأسئلة ستبرز متتابعة ، أو على دفعة واحدة . وهي هل سيطول هذا الوضع ؟ ومن يضمن أنه لن يطول ؟ وكيف السبيل الى الخلاص مما نحن فيه ؟ وغير ذلك من أسئلة تتحاذى مع هذه المحاور المتعلقة بالنخب و الطلائع .. أي قيادات التغيير في بلادنا ..

لن أدعي ، كما أعتقد أن ليس هناك من يدعي بوجود ( وصفة ) واضحة المعالم متدرجة الخطوات ، تستطيع كسب المؤيدين والأنصار حولها ، وقادرة أن تحول هؤلاء المؤيدين الى قوة تزيل من حولها كل عوامل الإعاقة ، تباعا و تسهل تحقيق برنامجها ( على فرض وضوح البرنامج ) .

لكن الإيمان بالتغيير ، والذي لا ينبع من تراكم الآلام والأماني ، بل يعتمد على استقراء ظواهر طبيعية أو بشرية حدثت منذ زمن وتسلسلت في تكرارها لدعم فرضيات الاستقراء نفسه ، سيرشدنا الى تلمس البحث عن الخطوات الأولى ، وعندها ستظهر معالم الطريق ، ويحدث السير الى الأمام .. وستكون النماذج العالمية و ما تشكل لنا من تهديد محفزا إضافيا للإسراع في السير ، وعدم الإلتهاء عما نجده في طريقنا من سفاسف تعيق من سيرنا ..

في انتشار الأمراض ، كظاهرة طبيعية ، يظهر جيل من الميكروبات ، يفتك بخلايا الجسم ، فتقوم الأجسام المضادة ( خلايا المناعة ) في عملها باستبسال ، وقد تنجح بعملها ، وقد تفقد منها الكثير نتيجة الاقتتال مع الميكروبات .. لكن ما يتبقى منها ، سيكون بمواصفات أقوى من الجيل الأول من خلايا المناعة ..

بالمقابل ، فإن الميكروبات التي تم وقف زحفها بالاستعانة مع بعض المضادات الحيوية ، ستعاود الكرة بالهجوم ، ولكن بجيل يتقدم عما قبله في القوة والتحايل على المضادات الحيوية .. وتستمر العملية حتى تصبح المضادات الحيوية غير مؤثرة في وقف الميكروب ، فيتم اختراع جيل جديد من المضادات الحيوية وهكذا إنها دورة ( دياليكتيكية جدلية ) في الطبيعة .

عند اللصوص و خبراتهم في السرقات ، عندما أصبحت الأبواب المغلقة بأقفال محكمة ، تمنعهم من اقتحام الأمكنة التي يريدون سرقتها ، تم تطوير أجهزة الإنذار ، فتطورت خبرات اللصوص في التحايل عليها .. وهكذا (جدلية ).

في بداية القرن العشرين عندما بدأ استقلال صوري لبعض الأقطار العربية ، وحل في مواقع قياداتها ، نخب ورثت بالتراضي مع المستعمرين ، تلك المواقع ، انتبهت جماعات لتضرر مصالحها ، فتصارعت مع النخب الحاكمة أحيانا و تصالحت معها أحيانا أخرى ، نمت في كل مرحلة قدرات التمسك بالحكم عند النخب الحاكمة ، ونمت بالمقابل قدرات التعامل مع تلك النخب من قبل من يعارضها ، وإن كانت المسافات بين هذين النمطين من النمو متفاوتة .

لم تكن حماس أو حزب الله موجودتان قبل ربع قرن ، لكنهما وجدتا نتيجة تطور من الأعمال السياسية ونتائجها .. وكان قبلها في الجزائر عندما انخرطت أطياف متباينة عقائديا في حرب تحرير الجزائر ، فسكتت عن الخلافات في الرؤى فيما بينها لحين التحرير ( وهو سلوك نبيل ) .. لكن الخلافات التي سكت عنها عادت وظهرت لتفرق من اتحد في حرب التحرير ..

لكن انطلاقا من النظرية العلمية ، فإنه في النهاية سيجد كل الفرقاء في أي مكان أسلوبا للتعايش مع بعض ، إذا آمنوا أن هذا الأسلوب هو البديل عن تصفية و إنهاء الفريق الآخر ..

من هنا نجد أن الوضع الراهن ، مليء بأجواء ( حبلى ) في إنتاج أجيال من الطلائع و النخب ، تكون على شبه قطيعة مع ماضيها الذي فرقها ، وتبحث عن مستقبل يوحدها .. وأظنها ستصل في نهاية المطاف لما تريد مجتمعة .
__________________
ابن حوران