عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 06-03-2001, 03:29 AM
البازي البازي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 66
Post

بسم الله لرحمن الرحيم
وهذه الحلقة الثانيه من دوافع تقديس القبور وبالله نستعين :

حقيقة القبورية:
وهنا نأتي إلى القبوريين: كيف تبدأ علاقتهم بالقبر أو الضريح؟ وكيف تنتهي بهم إلى الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك ـ حسب تعبير ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؟.. تبدأ العلاقة بتقديس (الرمز).. رمز الصلاح والتقوى والمنزلة الرفيعة عند الله، ومن ثم: تستحب زيارة تلك البقاع، ليس لتذكر الموت والآخرة، بل لتذكر (الرمز) والاعتبار به، ولأن هذه الأماكن (مباركة)، ولأن الملائكة و (الأرواح) تنتشر حولها ـ كما يزعمون ـ، فإن دعاء الله يحسن عندها، فهو أرجح منه في البيت والمسجد وأوقات السّحَر، كما أن البركة (تفيض) على كل شيء حول القبر، فمن أراد التزود منها فليلمس، ويقبّل، ويتمسح، فإذا تقرر ذلك هبط إلى دركة تالية: من دعاء الله عنده إلى الدعاء به والإقسام على الله به، أي: اتخاذه (واسطة) و(وسيلة) للاستشفاع به عند الله؛ فصاحب الضريح طاهر مكرم مقرب له جاه عند الله، بينما صاحب الذنب ـ أو الحاجة ـ يتلطخ في أوحال خطيئته، غير مؤهل لدعاء الله، فإذا تقرر ذلك هبط إلى دركة أخرى: فما دام هذا المقبور مكرماً فليس بممتنع أن يعطيه الله القدرة على التصرف في بعض الأمور التي لا يقدر عليها طالب الحاجة، فيُدعى صاحب القبر، يُرجى ويُخشى، يستغاث به، ويطلب المدد منه، ولِمَ لا؟!؛ فهو صاحب (السر) الذي توجل منه النفوس، وترتجف له القلوب ، فإذا تقرر ذلك هبط دركة أخرى: إلى دعاء الناس إلى عبادته، واتخاذه عيداً (8).
هذا هو الواقع: ليست المسألة مظاهر وطقوساً مجردة، بل هي أعمال جوارح، نتجت عن أعمال قلوب، تحركها تصورات واعتقادات رسخت في النفوس (9).
ولعل من دقيق فقه الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في دين الله، وإحاطة فقهه بواقع الناس وحالهم.. ما جاء في معرض تعريفه للألوهية والإله؛ حيث قال: (فاعلم أن هذه الألوهية هي التي تسميها العامة في زماننا: السر، والولاية. والإله معناه: الولي الذي فيه السر، وهو الذي يسمونه: الفقير، والشيخ، وتسميه العامة: السيد، وأشباه هذا، وذلك أنهم يظنون أن الله جعل لخواص الخلق منزلة يرضى أن الإنسان يلجأ إليهم والعياذ بالله، وذكر المؤرخ الحضرمي صلاح البكري: أن بعض المرضى يأكلون من تراب بعض تلك القبور طلباً للشفاء، والمسألة في حقيقتها: اعتقاد في تأثير (الأرواح)؛ فالقبوريون (أمام قبر الولي يركعون ويبكون ويتوسلون إليه، معتقدين أن الولي ينظر إليهم ويراهم، وأن روحه الطاهرة تحوم حولهم).
بل وصل الأمر إلى حد (أن الأكراد عظموا شريفاً صالحاً مر عليهم في سفره، ولحبهم فيه أرادوا قتله ليبنوا عليه قبة يتبركون بها)(12).
والمسألة في حقيقتها: تعلق القلوب بالضريح وصاحبه والتوجه إليه بمشاعر الإجلال والمهابة..
فكلما توغل القبوري في غيّه كلما حرص على إبراز التعلق بالضريح وشدة تعظيمه وغلوه فيه، وفي ذلك قال ابن الرومي في (شرح المختار): (قد قرر الشيطان في عقول الجهال أن الإقسام على الله بالولي والدعاء به أبلغ في تعظيمه، وأنجح لقضاء حوائجه، فأوقعهم بذلك في الشرك)، وعلى ذلك (فقد يقسم الأعرابي بالله دفعات متوالية على أنه يخشى أن يذكر اسم (شعيب) بالكذب مرة واحدة؛ لأنه (مظهر الأسرار وموضح الخفيّات))فلاحولاحول ولاقوة إلا بالله ....
...وهذا الموقف النفسي يرصده شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عندما يتحدث عن تفرق القبوريين حسب تمسك كل منهم بالضريح الذي تتوق نفسه إليه، فيقول: (ولهذا كان المتخذون القبور مساجد لما كان فيهم من الشرك ما فيهم قد فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، فتجد كل قوم يعظمون متبوعهم أو نبيهم، ويقولون: الدعاء عند قبره يستجاب، وقلوبهم معلقة به دون غيره من قبور الأنبياء والصالحين وإن كان أفضل منه، كما أن عباد الكواكب والأصنام كل منهم قد اتخذ إلهه هواه، فهو يعبد ما يألهه وإن كان غيره أفضل منه).

وترقبوا الحلقة الثالثه إن شاء الله