عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 13-10-2003, 10:52 PM
الهادئ الهادئ غير متصل
جهاد النفس الجهاد الأكبر
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2003
الإقامة: بلد الأزهر الشريف
المشاركات: 1,208
إفتراضي

و يتابع الدكتور البوطي

يجب أن أنبه نفسي وأنبهكم إلى هذه الحقيقة، ذلك لأننا مع الأسف لا نملك اليوم إلا سلاحاً واحداً، لم يبقَ في يدنا إلا سلاح واحد ألا وهو البقية الباقية من وحدة الشعور الإسلامي، أما القوى المادية فقد تبددت.

وأنتم تعلمون واقع أكثر الدول العربية والإسلامية، وأنتم تعلمون واقع أكثر من أكثر حكام الدول العربية والإسلامية، من حيث الاستسلام، ومن حيث السير وراء ما يراد لهم، لم يبقَ لنا أمل أيها الإخوة بالاعتماد على القوى المادية، وإنما اعتمادنا لا يزال قائماً على الإسلام ذاته، أي على القوة الجاذبة التي توحد المسلمين في الإسلام، تلك هي آمالنا الباقية المتمثلة في البقية الباقية من الوحدة الإسلامية التي تشعرون - ولله الحمد - بشبكتها الممتدة من أقصى الشرق الإسلامي إلى غربه، ومن أقصى شماله إلى جنوبه، هذه البقية الباقية الجزئية البسيطة هي التي تخوف الغرب اليوم، تخوف الغرب الأمريكي اليوم، ومن ثُمَّ تُجَنَّدُ وسائل الأمس لتمزيق المسلمين اليوم.

بلدتنا هذه ولله الحمد هي أكثر البلاد العربية الإسلامية بعداً عن هذه الفقاقيع التي تهدد الوحدة الإسلامية بالتمزق والتشرذم، ولعل مردّ ذلك إلى شيئين اثنين: وعي إسلامي تتميز به هذه البلدة، وإخلاص يسري في أفئدة المسلمين في هذه البلدة. ولكن مع ذلك ينبغي أن تعلموا أن هذه البلدة مستهدفة لهذا السبب، مستهدفة، ربما بحثتم فوجدتم عششاً تحاول أن تستثير عوامل الشقاق وأسباب الخلاف فيما بين المسلمين، بعضهم مع بعض، من أجل القضاء على هذه المزية التي يمتاز الإسلام بها في بلدتنا هذه، أيها الإخوة، فكونوا على حذر من ذلك..

كيف تكونون على حذر من ذلك؟ أعيدكم إلى وعيكم الإسلامي؟ كلكم يقرأ كتاب الله بتدبر، ألا تلاحظون الآيات الكثيرة التي يهيب بنا بيان الله عز وجل فيها إلى الاتحاد، إلى نبذ الفرقة والشقاق، إلى الابتعاد عن التنازع، إلى الاعتصام بحبل الله، إلى عدم التفرق، كلكم يقرأ، كلكم يقرأ قول الله عز وجل آية مشهورة كثيراً ما نجدها مرسومة على الجدران في البيوت وفي أماكن أخرى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل ‌عمران: 3/103] كلكم يقرأ قول الله عز وجل: {وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 8/46] كلكم يقرأ قول الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} [آل ‌عمران: 3/105]. كلكم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبهنا إلى أن المسلمين إذا كانوا تحت مظلة كلمة سواء؛ وجاء من يريد أن يفرق أمرهم؛ فعليهم أن يضربوا عنقه أياً كان، وكائناً من كان، كل هذا لماذا؟

لينبهنا رسول الإسلام، ولينبهنا قبل ذلك كلام الله عز وجل إلى أن السلاح الأول الذي شرف الله عز وجل به عباده المسلمين إنما هو وحدتهم، إنما هو اعتصامهم بحبل الله.

حسناً، إذا عرفنا هذا، فكيف يمكن لمسلم وعى هذا الكلام أن ينقاد لمن يريد أن يفرق؟ رب قائل يقول: ولكن هؤلاء الذين يفرقون؛ باسم الإسلام يفرقون. أقول: نعم، والقاديانية التي غرستها بريطانيا في الهند، باسم الإسلام يفرقون، والبابية والبهائية التي تنتشر اليوم في أمريكا والتي يصطاد إليها المسلمون في أمريكا، باسم الإسلام يفرقون، والوهابية التي غرستها بريطانيا في الجزيرة العربية، باسم الإسلام يفرقون.

ولكن أحقٌ هذا الذي يستعملونه؟

الإسلام ممَّ يتكون أيها الإخوة؟ يتكون من مبادئ متفق عليها، يتكون بعد ذلك من سلوكات وشرائع متفق عليها، ثم يلي بعد ذلك أمور هي محل اجتهاد وخلاف، يدعونا الإسلام إلى أن نحكِّم سلم الأولويات في هذا القضاء، المبادئ الواحدة المتفق عليها لا تُمَس، الأحكامُ السلوكية المتفق عليها لا تُمَس، اليوم الأسلحة التي تستعمل لتفريق المسلمين بعضهم عن بعض، ما هي؟ أسلحة القضايا الجزئية الاجتهادية: هذه بدعة لا تفعلها، إذن أنت كافر إن فعلتها، والتصوف بدعة ما ينبغي أن تمارسوا هذا التصوف إذن أنت كافر إن جنحت إلى هذا السلوك. هذه هي الوسائل التي يتم بها تفريق المسلمين المسلم المخلص لربه الواعي لإسلامه لا ينقاد إلى هذا الأمر سواء سلك هذا السبيل أو هذا السبيل. الأمور الجزئية الاجتهادية نطويها، هكذا يقول لنا الله، هكذا يهيب بنا الإسلام، ريثما نجتاز هذا المنعطف، الذي يخيل إلى أمريكا فيه أن الوقت قد حان لتوجيه الضربة القاضية إلى الإسلام، الأمور المتفق عليها في عقائدنا معروفة، والأمور المتفق عليها في سلوكاتنا الإسلامية معروفة، وهذه الأمور هي سر جمع الباري عز وجل للمسلمين تحت مظلة كلمة سواء.

كيف يتم تفريق المسلمين اليوم؟ يتم تفريق المسلمين اليوم باستثارة أمور اجتهادية، كانت اجتهادية بالأمس، ولكن المسلمين لم يقاتل بعضهم بعضاً بسببها، بل مدَّت جسور التعاون والتآخي والإعذار فيما بينهم. أما اليوم فهذه الأسباب الاجتهادية ذاتها تُمْتَشَقُ لتصبح سكاكين، ولتصبح أسلحة لتمزيق الوحدة الإسلامية. نعم، نحن نقول: إسلامنا جامع، ولا يكون مفرقاً، وعندما نجد أن الأمة قد تفرقت باسم الإسلام فلنعلم أنه ليس الإسلام الذي ابتعث الله به رسله وأنبياءه وختم به بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

بالأمس وقع في يدي منشور، نُشِرَ وَوِزِّعَ في أنحاء من الخليج، مضمونه كله ثورة لاهبة، ضد من؟ لا ضد العدو المشترك الذي يخطط لتمزيقنا، ضد المسلمين، ضد جماعات إسلامية، إن نسائية أو غير نسائية، يقومون بما أمر الله بداقع من الحرقة على دين الله، بدافع من الإخلاص لله سبحانه وتعالى، كم وكم هدى الله عز وجل على أيديهم ضالين وتائهين، كم وكم جمع الله سبحانه وتعالى عن طريق دعوتهم شاردين وضائعين وملحدين ربما، هؤلاء الذين تتجه إليهم أسلحة العدوان، من الذي يجهل أنهم جنود هذا الطابور الذي حدثتكم عنه أيها الإخوة.

هذا الكلام الذي قلته أريد أن أنتهي منه إلى حصيلة: كونوا رقباء في أحيائكم وفي مدنكم وحيثما وجدتم على دين الله سبحانه وتعالى، لا يتسربنّ واحدٌ من أفراد هذا الطابور إلى وحدتكم الإسلامية ليمزقها، إياكم وإياهم. وأنا أعلم أن هنالك من يحاول، وهنالك من يفعل الوسائل المختلفة إن في الظلام أو في الضياء، إن في السر أو العلانية، لعله يصل إلى ما ابتغي منه، لعله يبيض وجهه أما الذين أمروه وأمام الذين دفعوه.

ولكني أقول بعد هذا كله: المستعان هو الله، والاتكال على الله، وإني لأسأل الله عز وجل أن يجعل من أسرار شامنا هذه التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، أن يجعل من ذلك حصناً يقي هذه الأمة أسباب الفرقة وأسباب الشقاق، وأسأله سبحانه وتعالى أن يهب كلاً منا جذوة من نعمة الإخلاص لذاته العلية، ونعمة الإخلاص سر من أسرار الله يودعه الله في قلب من أحب من عباده. فاللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الذين أحببتهم حتى تهبنا هذه الجذوة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.)

أنتهى كلام الشيخ الدكتور البوطي حفظه الله

الرابط من موقع الشيخ البوطي

http://www.bouti.net/bouti_friday_2003_09_05.htm