عرض مشاركة مفردة
  #23  
قديم 12-09-2005, 08:37 PM
مُقبل مُقبل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
المشاركات: 461
إفتراضي




تذكرتُ بسرعة ما تحتويه تلك الكتب من زيغٍ وضلال .. عرفتُ إذا أن ذهابنا لشيءٍ ما غير سوي !!!
لا أريد الذهاب ! ولكن ستقلب الدنيا إن رفضت !!
واجهتُه قبل خروجه من المنزل ، وقلت له متوسلة :
-أرجوك ... لا أريد الذهاب .. أرجوك .. اذهب أنت وعائلتك ..
سوف أنتظركم هاهنا ! أتركوني فأنا لن أستطيع الذهاب .. اذهبوا أنتم إلى أي مكانٍ ترغبون !
ابتسم ابتسامة ماكرةً تحمل ألوان الدهاء والخبث :
-ألا تريدين الذهاب معنا يا عزيزتي ؟!! حسنا ..
صدقته وقد امتلأ قلبي بالفرح .. أخيرا فهم ؟!!
أحسستُ بأني أطير في السماء من شدة الفرح والحبور ..
ولكن للأسف .. وُئدِتْ تلك الفرحة للتو فلم تعرف النور !!!
كز على أسنانه بقوة .. ونطقت عيناه بالوعيد الذي عهدته لهما ..
واحمر وجهه غضبا .. شعرت بحرارة أنفاسه الساخطة وهو يهمس بصوت يرعد:
- لن أطيل الصبر في السيارة !! بسرعة تقدمي قبل أن أفقد صبري معك!!!!!

آه.. لا مجال أيضاً للمراوغة.. اضطررتُ للذهاب.. كم رجوتهم بأن يتركوني.. لهم دينهم ولي ديني! لا فائدة!! ذهبتُ معهم..
دخلنا في حارة ضيقة مفتوحة الطرفين.. متعرجة.. طويلة.. مُضاءة.. ذات طابع خاص.. أهم ما فيها الهدوء والنظافة.
كنتُ مطرقةً متجهمةً بليدةً في السيارة.. ولكني أدركتُ أنني على وشك أن أفقد كل شيء!!
فاجأني صوت أمه تقول بابتهاج:
- هل أنتِ على ما يُرام؟!!
أومأت برأسي إيجاباً ولم أستطع الرد!
-سوف تبتهجين معنا الليلة ... أليس كذلك؟
أطرقتُ ساهمةً.. ولم أجب!!
فأمرني الزوج بأن أتحدث قائلاً وهو ينظر إليّ من خلال مرآة السيارة الأمامية:
-ألم تسمعي؟ ألست على ما يُرام؟! تكلمي!!
بلى.. بلى..على ما يرام.. على ما يرام...!!

اقترب من والدته وبدأ الهمس الذي عهدته كثيراً في حضرتي بينهما.. فطلبت من الله العون والمساندة ..
كان صوتي كسيراً عندما نطقتُ.. فانزويتُ أحتضن حقيبتي وأغمضتُ عينيّ.. كأنني غريبة مسافرةٌ وحدي..
بيد أني اليوم بدأتُ أفكر في النهاية.. ووجدتُ نفسي أهتف:
-النهاية.. النهاية.. تُرى ماذا ستكون؟!!!!
توقفت السيارة أمام منزل متواضع.. رأيت الناس يتزاحمون في الدخول إليه!
سترك يا الله ! ما الذي سَيفُاجئني هنا أيضاً؟!
خرج الجميع فاستبقاني! ماذا يريد الآن؟!
ألا يكفيه ما يفعله بي؟ ألا يكفيه ما مضى؟!!!
التفت نحوي... كان قلبي يدقّ بعنف..
أنا لستُ مطمئنة لما يجري حولي فقال بتشكك:
-أصلحي نيتك.. ولا تسخري من شيء.. هل ستفعلين؟!!
-نعم.. نعم.. سأفعل!

خرجت بسرعة.. أغلقتُ الباب بهدوء.. لم أنتظر المزيد من الحديث.. لقد سئمت.. تنهدت من الأعماق..
شعر الزوج كأن سهماً بارداً اخترق حناياه حين رآني أهبط من السيارة دون أن أنظر إليه ..
سمعتُه ينادي .. وينادي .. لم ألتفت إليه..
لم أوجه إليه كلمة واحدة .. إنه لا يستحق .. لا يستحق .. لا يستحق!!!
وجدت أمامي سلماً طويلاً .. صعدتُه بتكاسل .. الحماس .. التحدي .. لم يعد لهما مكان لدي!!
دخلتُ إلى دورة المياه ..
غسلت وجهي وكأنما أغسل أحزاني .. خرجتُ وقد نزعتُ عني حجابي ..
سألت إحدى العابرات بصوتٍ ضعيف:
-أين تجلس النسوة؟!
-هنا.. من هذا الباب .. ثم اصعدي بعد ذلك إلى سطح المنزل .. ففيه سيُقام المولد .. أسرعي قبل أن يبدأ!!
أمسكت دمعة كادت أن تفلت من عقالها ..
ثم قلت: شكراً لك .. شكراً .. كان السكون مخيماً جداً في الممر ..
أخيراً وجدت باب السطح .. ارتجفت يداي وارتعشت أناملي ..

أمسكتُ بمقبض الباب .. آه ..
كأني أسمع من الخارج ابتهالات النساء بصوت موحّد!! ترددت قليلاً ثم .. فتحت الباب ببطء ..
توجهت أنظارهنّ إليّ .. شدّ انتباهي ارتداء الجميع لحجاب الرأس ..
ثم الابتهالات التي كنّ يردّدنها خلف فتاةٍ حسناء ذات صوت جميل!! ماذا َيِِقُلنَ؟! دققْتُ النظر في الفتاة .. ثم في النساء .. وجدتُ مكاناً خالياً .. جلسْتُ ..
امتعضت النساء من وجودي!! ما بهنّ؟! أقبلت بعض النسوة مسرعات إليّ ..
أرى في نظراتهنّ استنكاراً لعمل ما عملته!!!
همست إحداهنّ في أذني والجميع يرتقْبنّ ردّة فعلي وكأنني لست من البشر:
-إذا سمحتي! يجب أن ترتدي حجابك على رأسك قبل الدخول؟!
-لماذا؟ هل سيدخل رجالٌ هنا مثلاً؟!
تبادلت النظرات اليائسة مع رفيقتها ثم قالت:
-بل لأنه مجلس ذكر! والملائكة تفرّ من المجلس الذي تكون فيه امرأة غير مرتديه لغطاء الرأس!
اتسعتْ حدقتاي فقلتُ بتعجب:
-وما شأن الذكر وقبوله بالحجاب؟! إن الله يذكر في أي حالٍ ووضعٍ ومكانٍ!
ولا يشترط فيه الحجاب حتى يُقبل!!
أجابت بنفاذ صبر:
-بل لن يستجيب الله دعائنا! ولن ينظر إلينا! والملائكة لن تحضر مجلسنا ولن ترضى عن هذا!!

اعتذرتُ عن وضعه .. فيئستا مني وذهبتا حانقتين .. وعادت النساء تحدّقن بي وتتهامسْن في وجودي ..
ولكني لم أعد أكترث .. لقد يئست من كل شيء .. فرضى الناس غاية لا تُدركَ ..
استمرت النسوة في الابتهالات .. فنظرتُ إليهن .. سمعتّهن يقُلن ألفاظاً غريبة:
-هو، هو، هو، الله، الله، حيّ .، حيّ .!!
ماذا يقصدْن؟ لا أفهم ماذا يفعلن!! لقد ؟أخذ الوجد منهنّ مأخذاً عظيماً، وبلغ التفاعل بينهن مبلغاً أعظم!!
تغير بعد ذلك المجرى .. فتناولت بعضهن الطار والدفّ والمزمار .. وأخذن ينشدْنَ المدائح والقصائد الشعرية!!
ما هذا التغير الُمفاجىء؟ وما هذا التناقض؟ مدائح نبوية ومزامير؟!!! ..
آه.. أحسستُ وكأنّ مطرقةً هوتْ على رأسي!
قلت للمرأة التي تجاورني بلهجة أسفٍ لمْ تخلُ من النقد:
-ما مناسبة هذا الاجتماع؟
قالت باستغراب:
-إنه ذكرى لمولد النبي الشريف!!!

سألتها بفضول:
-وهل هو خاص بوقت معين؟ فمولد النبي كان في شهر ربيع الأول في الثاني عشر منه! وهو لا يصادف اليوم!!!
-آه نعم .. ولكن لا يشترط ذلك! فهو يقام عند وجود أي مناسبة من موت أو حياة أو تجدد حال .. ِلمَ تسألين؟!
ألم تحضري مولداً من قبل؟! قلتُ بدون أن ألتفت إليها .. متجاهلةً سؤالها:
-وما مناسبة اليوم يا ترى ؟!!
-لقد انتقلوا إلى هذا المنزل منذ وقتٍ قريب .. وفرحاً بالمناسبة أقاموا اليوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف !!!
أحسستُ في هذه الوهلة بأني وحيدة .. فليس هناك عزلةٌ أشد من عزلة الرأي ،
ولا انفراد أقوى من انفراد العقيدة والدين .. نظرتُ إلى كفّي المعروقة .. مسحتُها ..
آهٍ لحزنك يا قلباه .. ما أتعسك !!!

أقبلتْ صاحبات المنزل وقدّمْنَ الطعام .. وقد دعَوْن إليه الأصدقاء والأقارب والقليل من الفقراء !!!
فأكلْن و تلذّدْن بالطعام .. أما أنا فقد اكتفيتُ بأكل القليل من الفاكهة ..
ما للوقت يمشي كئيباً .. بطيئاً ؟! زاد يقيني أن الذين حولي لا يشاركوني إحساسي بالاغتراب !!!
رفعتُ رأسي نحو الحائط .. وجدتُ صوراً لطالما رأيتُها في الكثير من المنازل ..
إنها صور أوليائهم !!! يتبركون بها !!!
لقد نصبوها في المنازل كلها وكأنها أوثانٌ تُعبد .. ما الفائدة منها يا تُرى ؟! هل يعتقدون فيها ؟
هل تجلب لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضراً ؟!! إنهم جاهلون !! غارقون في الوهم حتى الثمالة !!!

انتهت النساء من الطعام .. فجلسْنَ للاستماع للأشعار المنشودة والترنّم بالمدائح والشمائل المحمدية
ومعرفة النسب الشريف .. ولكن مهلاً ...
إنّ جُلّ المدائح والقصائد التي أسمعهنّ يتغنّين بها لا تخلو من ألفاظ شركية
إنهم يطرون الرسول الكريم كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ؟!
هل أخبرهم بذلك ؟!
ولكني لن آمن العقاب ! رباه ساعدني !!


وللقصة تتمة بإذن الله
الرد مع إقتباس