عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 06-07-2005, 09:33 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

إن المسلمين حين هاجمهم الغربيون بالتشريع الغربي، وتحدوا بالنظام الرأسمالي نظام الإسلام كانوا مشدوهين بالانقلاب الصناعي الهائل الذي حصل في الغرب، فانساقوا في الرد على هذا التحدي على الصعيد الخاطئ الذي وضعوه لهم وهو أن النظام الغربي يعالج المشاكل بعلاج كذا وليس في الإسلام هذا العلاج ولا مثله، فربطوا في أنفسهم العلاج الرأسمالي للمشاكل بعظمة الاختراعات والصناعات، وصاروا يبحثون في الإسلام عن علاج لهذه المشكلة كما عالجها التشريع الغربي، وهنا حصل الخلل في البحث وحصل الخلل في التفكير، فكان من جرائه حصول الخلل في الثقة في أحكام الإسلام التي يخالف علاجها علاج أحكام الغرب وتشريعه.

إن التشريع الإسلامي منبثق عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، أو بعبارة أخرى منبثق عن الكتاب والسنّة المقطوع بأنهما وحي من الله، فما فُهم منها من أدلة إجمالية، أو قواعد عامة، أو تعاريف شرعية، أو أحكام كلية أو جزئية هو التشريع الإسلامي. فما يَرد من مشاكل يُعرض عليها ويُستنبط حكمه منها. وعلى ذلك فإن المسائل الجديدة والمسائل التي لا تقع إلاّ في المجتمع الرأسمالي حين يهاجَم بها الإسلام بأنه لا توجد فيه معالجات لها، يجب أن يُفهم واقع المشكلة وليس حكمها المعين. فإذا فُهم الواقع طُبق على هذا الواقع ما في الشريعة من نصوص أو قواعد أو تعاريف أو أحكام وأُعطي الرأي الإسلامي بها. أمّا حكمها المعيَّن سواء أكان صواباً أم خطأ فإنه ليس هو المسؤول عنه. فليس جعْل الشريعة الإسلامية تقول بما يقول به النظام الرأسمالي في شركات المساهمة والتأمين والتجارة الخارجية والبنوك وما شاكل ذلك هو المسؤول عنه بل المسؤولية عنه هو رأي الشريعة الإسلامية في هذه الوقائع، فإن أعطت رأيها هي في كل مشكلة متجددة فإنها تكون شريعة كاملة بغض النظر عن كون هذا الرأي وافق ما يقوله النظام الرأسمالي أم خالفه.

لكن المسلمين لم يبينوا فساد التشريع الغربي حتى يحكموا رأساً على فساد أحكام النظام الرأسمالي بل ربطوا في أنفسهم معالجاته مع عظمة الاختراعات والصناعة في الغرب. وكذلك لم يبينوا أن المسؤول عنه هو حكم الإسلام في واقع المشكلة وليس جعل الإسلام يقول بما يقوله التشريع الغربي في هذه المشكلة. فأخذوا يبحثون في الإسلام عن رأي يوافق ما يقوله النظام الرأسمالي أو لا يخالفه، حتى يبرهنوا على صلاحية الإسلام لمجاراة العصر، فكان هذا هو الهزيمة المنكَرة.

فمثلاً حين يُسأل المسلمون عن شركات المساهمة، لا يُسألون هل الإسلام قادر أن يقول بما يقوله النظام الرأسمالي في شركات المساهمة حتى يعتبر صالحاً لمجاراة العصر، وإنّما يُسأل المسلمون ما هو رأي الإسلام في شركات المساهمة؟ فيكون الجواب أن واقع المشكلة في شركات المساهمة هي شركة مكونة من شركاء يجهلهم الجمهور، والمؤسِّس في شركة المساهمة هو كل من وقع العقد الابتدائي للشركة، ويكون الاكتتاب في الشركة بالتزام الشخص بشراء سهم أو أكثر في مشروع الشركة مقابل قيمتها الاسمية. ويحصل عقد شركة المساهمة بإحدى وسيلتين: إحداهما أن يختص المؤسسون بأسهم الشركة ويوزعونها بينهم دون عرضها على الجمهور، وذلك بتحرير الصك المتضمن الشروط التي ستسير عليها الشركة ثم توقيعه من قِبلهم، فكل من يوقع الصك يعتبر مؤسساً للشركة ومساهماً فيها. فهذا الصك هو العقد وليس عقد شركة المساهمة إيجاباً وقبولاً. والوسيلة الثانية أن يقوم بضعة أشخاص بتأسيس شركة مساهمة ويضعون الصك المتضمن شروط الشركة ثم تُطرح الأسهم على الجمهور للاكتتاب العام فيها، وحين ينتهي أجل الاكتتاب في الشركة يجتمع المساهمون ويكوّنون جمعية تأسيسية، وينتخبون مجلس إدارة لإدارة الشركة، وتبدأ الشركة أعمالها.

وهذه الشركة أي شركة المساهمة هي في النظام الرأسمالي أي التشريع الغربي تصرف من جانب واحد أي من شخص واحد لا من شخصين، ويسمونها الإرادة المنفردة، ولذلك يقولون إن شركة المساهمة ضرب من ضروب التصرف بالإرادة المنفردة، إذ عندهم العقد تطابُق إرادتين ويجعلون معاملات معينة تدخل تحته كالبيع والإجارة، وعندهم الإرادة المنفردة وهي كل شخص التزم أمراً من جانبه كشركة المساهمة، والجمعيات التعاونية، والوصية. فالشريك في شركة المساهمة يلتزم من جانبه شراء كذا أسهم يدفع ثمنها كذا ديناراً، بغض النظر عن قبول أحد من المساهمين الآخرين أو رفضه، وبغض النظر عن رضاه أو سخطه، بل مجرد توقيعه للعقد أو شرائه للأسهم صار شريكاً. ولذلك تباع أسهم شركات المساهمة كما تباع السندات وكما تُتداول أوراق النقد، فمجرد دفع المشتري ثمن الأسهم يصبح شريكاً. وقد عرّف الغربيون شركات المساهمة بأنها "عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهما في مشروع مالي بتقديم حصة من مال لاقتسام ما قد ينشأ من هذا المشروع من ربح أو خسارة".

هذا هو واقع شركة المساهمة، وبعرضها على التشريع الإسلامي يتبين أنها شركة باطلة وحرام الاشتراك فيها، لأن كل معاملة باطلة هي حرام شرعاً. أمّا بطلانها فلأن التشريع الإسلامي قد بين واقع الشركة وأحكامها، فتعريف الشركة في الإسلام هو أنها عقد بين اثنين فأكثر يتفقان فيه على القيام بعمل مالي بقصد الربح، فهي شرعاً ضرب من ضروب التصرف الجاري بين شخصين اثنين، وليست من قبيل التصرف الصادر من شخص واحد. فالشركة من حيث هي، أي جنس الشركة في الإسلام عقد، أياً كان نوعها، والعقد شرعاً يقتضي وجود الإيجاب والقبول فيه معاً في مجلس واحد، فلا بد أن يكون هناك طرفان في العقد أحدهما يتولى الإيجاب بأن يبدأ بعرض العقد كأن يقول: زوجتك أو بعتك أو أجّرتك أو شاركتك أو ما شاكل ذلك، والآخر يتولى القبول كأن يقول: قبلت أو رضيت أو ما شاكل ذلك. فإن خلا العقد من وجود طرفين، أو من الإيجاب والقبول، لم ينعقد وكان باطلاً، لا فرق في ذلك شرعاً بين البيع وبين الشركة. وشركة المساهمة هي حكم من أحكام التشريع الغربي، والتشريع الغربي يعتبرها من قبيل الإرادة المنفردة وليس من قبيل عقد البيع، فهي خالية من وجود طرفين، وإنّما الذي فيه طرف واحد متعدد التزم شيئاً ولم يتفق مع أحد على التزام شيء، والتشريع الإسلامي جعل الشركة من قبيل عقد البيع والإجارة والوكالة ونحوها ولم يجعلها من قبيل تصرف الوقف والوصية والجُعالة ونحوها، ولذلك فهي شرعاً باطلة لم تنعقد مطلقاً. ففي هذه المسألة طبّق واقع المسألة على التعريف الشرعي فأُعطي حكمه من التعريف الشرعي وأُعطي الرأي الإسلامي فيه. وبالطبع التعريف الشرعي مأخوذ من النصوص الشرعية. فإن واقع الشركة التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم كان فيها شريكان وكانت تتم بإيجاب وقبول، رُوي أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما (أن ما كان بنقد فأجيزوه وما كان نسيئة فردّوه)، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يَخُن أحدهما صاحبه، فإن خان خرجتُ من بينهما)، وقال عليه السلام: (الربح على ما شَرَط العاقدان والوضيعة على قدر المال)، ورُوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشرك بين عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص. فمن هذه النصوص أُخذ أن الشركة عقد بين اثنين وليست تصرفاً من شخص واحد، وأُخذ تعريف الشركة.