عرض مشاركة مفردة
  #50  
قديم 14-07-2004, 05:28 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile موقف عمر رضي الله عنه من نكاح المتعه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهّ ربّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هُداه إلى يوم الدين.

موقف عمر رضي اللّه عنه من نكاح المتعة

والرد على من أنكر التحريم
من الحقد على الفاروق رضي اللّه عنه، أن شنّعوا عليه القول وشنّوا عليه حرباً لا هوادة فيها لما قال: «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى اللّه عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة الحج ومتعة النساء». والحقيقة أنّ نَهْيَ عمر رضي الله عنه عن متعة الحج لم يكن على وجه التحريم والحتم، وإنما كان ينهي عنها، لتفرد عن الحج بسفر آخر لِيُكثر زيارةَ البيت. وقد كان رضي اللّه عنه مقراً بأن متعة الحج في كتاب اللّه تعالى، وفعلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقد روى ابنُ عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه أنه قال : «واللّه إني لا أنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، وقد فعلها رسول الله صلى اللّه عليه وسلم»، يعني العمرة في الحج. وإن عمر لم يمنعها قطّ، ورواية التحريم عنه افتراء صريح، نعم إنه كان يرى إفرادَ الحجّ والعمرة أولى من جمعهما في إحرام واحد وهو القِران، أو في سفر واحد وهو التمتّع، وعليه الأمام الشافعي وسفيان الثوري، وإسحاق بنِ راهويه وغيرهم لقوله تعالى: { وَأتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرةَ للّه } إلى قوله: { فمَنْ تَمَتّعَ بِالعُمرَةِ إلى الحِجّ } الآية، فأوجب سبحانه الهدي على المتمتع لا على المفرد، جبراً لما فيه من النقصان، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص، ولأنه صلى اللّه عليه وسلم حجّ في حجة الوداع مفرداً، واعتمر في عمرة القضاء، وعمرة جِعْرَانة كذلك لم يحجّ فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلّة.

وقال أبو الفتح المقدسي: إن عمر رضي اللّه عنه لم يُرِدِ المنع من المتعة التي ورد بها القرآن، وهو التمتع بالعمرة إلى الحج، وإنما أراد فسخ الحج، فإنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم أمرهم بأن يفسخوا إحرامَهم بالحج ويُحرموا بالعمرة، وإنما فَعل بهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ذلك، لأنهم كانوا يستعظمون فعل العمرة في أشهر الحج. ويقولون: « إذا عفا الأثر وبرأ الدبر وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر »، فأمرهم أن يفسخوا الحج ويجعلوها عمرة، لتأكيد البيان وإظهار الإِباحة، ولم يكن ذلك إلا في تلك السنة. اهـ .

ويقول شيخ الإِسلام ابن تيميّة رحمه اللّه تعالى: ثم إنّ الناس كانوا في عهد أبي بكر وعمر ( رضي اللّه عنهما ) لما رأوا في ذلك من السهولة، صاروا يقتصرون على العمرة في الحج، ويتركون سائر الأشهر، لا يعتمرون فيها من أمصارهم، فصار البيت يَعْرى عن العُمّار من أهل الأمصار في سائر الحول، فأمرهم عمر بن الخطاب ( رضي اللّه عنه ) بما هو أكمل لهم بأن يعتمروا في غير أشهر الحج. فيصير البيت مقصوداً معموراً في أشهر الحج، وغير أشهر الحج، وهذا الذي اختاره لهم عمر ( رضي الله عنه ) هو الأفضل. اهـ .

وأما ما يخص نكاح المتعة، فإن عمر رضي الله عنه لم يُحَرِمّها من تلقاء نفسه، ولم يكن مبتدعاً في ذلك، بل إنه حرّم ما حرّمه رسولُ الله صلى اللّه عليه وسلم. روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : لمّا وَليَ عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه) خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم اذنَ لنا في المُتعة ثلاثاً ثم حرّمها. والله إنّي لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلاّ رجمته بالحجارة، إلاّ أن يأتيني بأربعة شهداء يشهدون أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم أحلّها بعد إذ حرّمها.
وفي رواية أخرى: ولا أجد رجَلاً من المسلمين مُتمتعاً لم يحصن إلاّ جلدتُه مائة جلدة، إلا أن يأتي بشهود يشهدون أنّ رسول الله صلى اللّه عليه وسلم أحلّها بعد ما حرّمها.
فالفاروق رضوان الله عليه نهى عن هذا النكاح بعد أن تأكد من نهيُ وتحريمُ النبيِّ صلى اللّه عليه وسلم له. وليس هذا بتشريع من عنده، بل هو مُبَلّغ ومُنَفّذ لنهي النبي صلى اللّه عليه وسلم. وفي تهديد عمر (رضي الله عنه) برجم المحصن الذي باشر هذا النكاح بعد علمه بالتحريم، دليلٌ على ثبوت نهي رسول الله صلى اللّه عليه وسلم عنها عنده، وعلمه به. وإلاّ فما كان هو الملقّب بالفاروقِ لِيُقْدِم على التهديد بإقامة حدّ من حدود اللّه، فيه إزهاقُ روحٍ بدون بيّنة من أمره وبدون ضياء من مشكاة النبوة. ولمّا كان الأمر كذلك لم يعارضه أحدٌ لاستناده إلى دليلٍ بخلاف متعة الحج، فإته لما نهى عنها وقصد أولوية الإِفراد عارضه جمعٌ من الصحابة.
ويقول الشيخ محمد الحامد رحمه اللّه تعالى في كتابه « نكاح المتعة حرام في الاسلام » ص 35: والذي أقولُه ويقوله كل مُنصف متّصف بالانصياع إلى الحق، المؤيّد بالبرهان: إنه لا يصحُّ في المعقول مطلقاً أن يستبدّ عمر (رضي اللّه عنه) من تلقاء نفسه بتحريم ما أحلَّه اللّه تعالى، كلاّ ومعاذ اللّه وهو يقرأ قوله تعالى: { يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أحًلّ اللّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوْا إنَّ اللّه لا يُحِبُّ المُعْتَدِين}.
كما أنه لا يغيب عنه رضي اللّه عنه تقريعُ اللّه للكافرين وتوبيخُه إياهم، إذ حرّموا ما أحلِّ، وأحلّوا ما حرّم بقوله الكريم: { قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلَوا أوْلاَدَهُمْ سَفَهَاً بِغَيْر عِلْم وَحًرّمُوا مَا رَزَقَهُم اللّه افْتَراءاً عَلَى اللّه قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }. وبقَوله سبحانه أيضاً آمراً نبيَّه الكريم عليه الصلاةُ والسلام أن يُطالبهم ببيّنة على تحريم ما حرّموا مكذّبين بدلائل الإِباحة التي أنزلها اللّه سبحانه، وناهياً له أن يوافقهم في أهوائهم هذه إن هم اختلقوا دليلاً وافتروا إفكاً: { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الذّينَ يَشْهَدُونَ أن اللّه حَرَّمَ هذَا فَإنْ شَهِدُوا فَلاَ تَشهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أهْوَاءَ الّذِينَ كًذّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهمْ يَعْدِلُون } أي يُسَوّن بينه -سبحانه- وبين غيره في العبادة التي لا يستحقها إلا هو وحده سبحانه وتعالى هذا إلي أن صراحة الصحابة في دينهم طبقاً للتربية النبوية تُهيب بهم إلى مواجهة عمر بالحق، لو أنه حاد عن سواء السبيل. اهـ .
وقد أجاد الفخر الرازي في « تفسيره » 3/287 في الإِجابة على نهي عمر رضي اللّه عنه عن المتعة فقال:
ذكر هذا الكلام في مجمع من الصحابة وما أنكر عليه أحدٌ، فالحال ههنا لا يخلو، إما أن يقال : إنهم عالمون بحرمة المتعة فسكتوا، أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة، أو ما عرفوا إباحتها ولا حرمتها، فسكتوا لسكوتهم متوقفين في ذلك. والأول هو المطلوب. والثاني يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة، لأنَّ من علم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حكم بإباحة المتعة ثم قال: إنها محرّمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر باللهّ، ومن صدّقه مع علمه بكونه مخطئَاً كان كافراً أيضاً، وهذا يقتضي تكفير الأمة وهو على حد قوله:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أمَّه }.
والقسم الثالث وهو أنّهم ما كانوا عالمين بكون المتعة حراماً أو مباحة فلهذا سكتوا، فهذا أيضاً باطل لأنّ المتعة بتقدير كونها مباحةً تكون كالنكاح واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عامّ في حق الكل، أو مثل هذا يمنع أن يكون مخفياً بل يجب أن يشتهر العلم به فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح وأن إباحته غير منسوخة وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك... ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الإِنكار على عمر رضي الله عنه لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الإسلام. اهـ .
وقال أبو الفتح المقدسي في « تحريم نكاح المتعة » ( ص 77 ): وهذا يدل على صحة ما قُلناه من الإِجماع على تحريمها، لأن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في هذه الأخبار، وفيما تقدّمها نهى عنها على المنبر وتوعّد عليها، وغلّظ أمرها، وذكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حرّمها ونهى عنها وذلك بحضرة المهاجرين والأنصار، فلم يعارضه أحدٌ منهم ولا ردّ عليه قولَه في ذلك، مع ما كانوا عليه من الحرص على إظهار الحق وبيان الواجب وردّ الخطأ كما وصفهم اللّه ورسوله في ذلك. ألا ترى أن أبي بن كعب عارضه في متعة الحج، وقد عارضه مُعاذ بن جبل في رجم الحامل... لأنّه لا يجوز لمثلهم المداهنة في الدين ولا السكوت على استماع الخطأ، لا سيما فيما هو راجع إلى الشريعة، وثابت في أحكامها على التأبيد، فلما سكتوا على ذلك ولم ينكره أحدٌ منهم، علم أن ذلك هو الحقّ وأنه ثابتٌ في الشريعة من نسخ المتعة وتحريمها كما ثبت عنده، فصار ذلك كأنّ جميعهم قَرّروا تحريمها وتثّبتوا من نسخها، فكانت حراماً على التأييد، وقد روى ذلك جماعةٌ من الصحابة سوى عمر، فرُوي تحريمها عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعبد اللّه بن مسعود وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس، لأنه رجع عن إباحتها لمّا بان له صوابُ ذلك، ونقل إليه تحريمها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم... وهو مذهب التابعين والفقهاء والأئمة أجمعين، ولو لم يقل بتحريم المتعة إلاّ واحد من الصحابة رضوان. الله عليهم إذ لم يكن له فيهم مخالفٌ لوجب علينا الأخذ بقوله، والمصير إلى علمه لأنه لم يقل ذلك إلا عن علم ثاقب... وقد أجمعوا على ذلك؟ فكان مَنْ خالف ذلك واستحلّ نكاح المتعة مخالفاً للإجماع معانداً للحق، والصواب. اهـ .

يتبـــــــع ..........>
__________________