عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 14-05-2005, 12:46 PM
تيمور111 تيمور111 غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 822
إفتراضي حصاد حكم مبارك.خراب لربع قرن

نقطة البداية التى ينبغى أن نبدأ بها تقييمنا هى معيار النجاح أو الفشل، فكلنا نعلم أنه حينما يفوز فريق مصرى لكرة القدم فى مباراة دولية أو مسابقة رياضية تهلل وسائل الإعلام وأبواق النظام والحكم حول رعاية السيد الرئيس واهتمام السيد الرئيس، وهنا يتحول الرئيس إلى أب لهذا الفوز والنجاح. أما إذا حدث إخفاق، وإذا انهار مرفق، وإذا فشلت سياسة بلد بكاملها، يلوذ هؤلاء بالصمت ويتوارى الرئيس عن الأنظار لفترة من الزمن حتى ينسى الناس الحدث وتتوه المشكلة وسط ركام المشاكل فلا يلتفت أحد إلى إهمال المسئول أو فشل الرئيس فى إدارة الدفة والتحلى بالحكمة والمهارة المطلوبتين من رجل يستحوذ على سلطات وصلاحيات ربما تفوق كل السلطات التى يملكها أى حاكم على مدى التاريخ فى العالم.
فكيف هى الصورة بعد حكم مبارك الذى أستمر ربع قرن أو يزيد؟
أولا: إهدار فرصة التنمية الحقيقية
تقاس فرص التنمية أو إهدارها، من خلال دراسة نتائج السياسات الاقتصادية التى اتبعها نظام للحكم والإدارة، ومقارنتها بالبدائل التى كان من الممكن تحقيقها وهو ما يسمى فى علم الاقتصاد بنفقة الفرصة البديلة opportunity cost ووفقا لهذا نشير الى الحقائق التالية:
1- حصل الاقتصاد المصرى خلال الفترة الممتدة من عام 1974 وحتى عام 2004 على موارد مالية واقتصادية هائلة لم تتحقق فى تاريخه المعاصر كله، حيث بلغت حوالى 500 مليار دولار، وهى حصيلة أربعة مصادر أساسية كبرى هى تحويلات العاملين المصريين بالخارج ورسوم المرور فى قناة السويس ودخل البترول المصرى ثم أخيرا الإيرادات الرسمية للنشاط السياحى، ودون أن نحتسب الأنشطة غير الرسمية لقطاع السياحة وعمليات تهريب جانب كبير من إيراداته من جانب أصحاب الشركات العاملة فى هذا المجال. فعلى سبيل المثال، بلغت تحويلات العاملين المصريين بالخارج منذ أن تولى الرئيس مبارك الحكم عام 1981 وحتى عام 2004 نحو 85 مليار دولار أى أكثر من 250 مليار جنية مصرى بأسعار الصرف السائدة فى تلك الفترة، وإذا أضفنا إليها الفترة السابقة على تولى الرئيس مبارك الحكم أى منذ عام 1974 فإن الرقم يزيد الى نحو 96 مليار دولار.. فأين وجهت هذه الأموال؟ وكيف أدارت السياسة الاقتصادية هذه الموارد الضخمة فى عهد مبارك؟
2- المحلل الاقتصادى المحايد والأمين يمكنه اكتشاف أن هذا الجزء من الأموال _ أى تحويلات العاملين فقط دون بقية المصادر الأخرى التى سنعود إليها بعد قليل _ قد ذهبت الى المجالات التالية:
حوالى 65% منها ذهبت لتلبية احتياجات استهلاكية ونهم عقارى غير ضرورى غذته السياسات الحكومية مثل المضاربة على الأراضى والعقارات والشقق الفاخرة والتمليك ومدن الأشباح التى لا يسكنها أحد، مما بدد جزءا كبيرا من هذه الموارد كان من الممكن توجيهها الى استثمارات صناعية وزراعية وتشجيع الناس وأصحاب المدخرات على توظيفها فى مجالات بناءة، وكذلك توجيه سياسات الإقراض فى البنوك الى هذه المجالات التنموية مما أضاع على مصر فرصة للتنمية ربما لن تتاح مثلها لعقود طويلة قادمة.
وتأكيدا على هذه السياسات الضارة التى انتهجها الرئيس مبارك والجماعات المتحالفة معه فى الحكم رجال المال والأعمال الجدد ورجال الجيش وقيادات البوليس وبعض رجال الصحافة والإعلام نشير الى توجهات البنوك وسياسات الإقراض التى أدت الى خلق طبقة فريدة وهجينة من رجال المال والأعمال الجدد - التى كان رجل البنوك الشهير محمود عبد العزيز يفاخر فى كل أحاديثه ولقاءاته بأنه صانع المليونيرات فى مصر _ فعلى سبيل المثال فى عام 1979 كان كل ما حصل عليه رجال المال والأعمال والقطاع الخاص والعائلى من قروض وتسهيلات ائتمانية من البنوك لا يزيد عن 800 مليون جنيه بما لم يكن يمثل سوى 15% من إجمالى القروض والائتمان الممنوح من البنوك التجارية الأربعة المملوكة للحكومة فى ذلك الوقت، فإذا بنا فى يونيو من عام 2001 يقفز حجم الائتمان الممنوح لرجال المال والأعمال والقطاع العائلى الى 213 مليار جنيه ربعها تقريبا بالعملات الصعبة خرقا لكل الأعراف المصرفية المحترمة وأصبح ما حصل عليه هؤلاء يمثل 75% الى 80% من إجمالى القروض والتسهيلات الائتمانية التى منحتها جميع البنوك العاملة فى مصر.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن سياسات البنوك المدعومة من وزراء الحكومة كانت تقضى بخنق شركات القطاع العام بحجة ضعف هياكله التمويلية فلم يحصل سوى على 29 مليار جنيه فى صورة قروض وتسهيلات ائتمانية، وبالمقابل لم يقل أحد من هؤلاء المسئولين أيا من الشعارات والمقولات الضخمة التى قيلت حينما تكشفت عام 2000 فضيحة هروب كبار رجال المال والأعمال بأكثر من 40 مليار جنيه، فسمعنا شعارات من قبيل تعويم العملاء و مساندة المتعثرين و التصالح مع الهاربين و تخفيض أسعار الفائدة المصرفية وغيرها.
ومقابل هذه الفضيحة فقد تبين فى غمارها أن 333 رجل أعمال فقط حصلوا وحدهم على نحو 80 مليار جنيه فى صورة قروض وتسهيلات ائتمانية أى حوالى 45% من إجمالى القروض والتسهيلات التى قدمتها البنوك لرجال المال والأعمال فى البلاد وقد تم ذلك بدعم ومساندة الرئيس شخصيا، ورئيس وزرائه ورجل الحكم الطويل وطباخ البيع والعمولات د. عاطف عبيد وبقية الوزراء تقريبا، ومقابل كل هذا لم تحصل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى بلغ عددها نحو 1.3 مليون منشأة ويعمل بها أكثر من 5 مليون عامل سوى على 6% فقط من إجمالى القروض والتسهيلات التى قدمتها البنوك خلال حكم الرئيس مبارك وسلفه الرئيس السادات.
وكان د. عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق والوزير الذى أستمر إلى جانب الرئيس أكثر من عشرين عاما، يبرر فى أحاديثه الصحفية ولقاءاته التليفزيونية كل هذا بمقولة مغلوطة مؤداها أنه من الضرورى مساندة رجال الأعمال ودعمهم لأنهم هم القادرون وحدهم على الاستثمار وبالتالى توفير فرص العمل للشباب والخريجين، فإذا تأملنا كيف وظف رجال المال والأعمال هذه القروض التى حصلوا عليها من البنوك فى عهد الرئيس مبارك نجدها توزعت كالتالى:
1- نحو 63% منها ذهبت الى قطاعات التجارة والخدمات وهى قطاعات _ كما هو معروف _ لا تنتج فرص عمل كبيرة.
2- حوالى 30% أخرى ذهبت الى الصناعة، ولكن بعد تحليل مضمون هذه الكلمة لدى البنوك تبين أن معظمها عبارة عن صناعات خفيفة واستهلاكية محدودة الأثر والفاعلية فى بنية أى اقتصاد حقيقى مثل صناعات البسكويت والتعبئة والتغليف والبلاستيك والملابس الجاهزة.. الخ.
3- أما الزراعة وهى مستقبل هذا البلد ومناط ضعفه إزاء الولايات المتحدة والغرب عموما القمح ورغيف الخبز فلم تنل سوى 3% من قروض البنوك طوال ربع القرن من حكم الرئيس مبارك.
3- وقد بنيت سياسات الرئيس مبارك منذ أن تولى الحكم على منح القطاع الخاص دور القيادة والريادة فى الاقتصاد المصرى _ وهى نفس سياسات سلفه السادات _ وبناء على ذلك صممت السياسات الاقتصادية بحيث تركز الدولة نشاطها واستثماراتها فى بناء البنية الأساسية أو التحتية infrastructure مثل الطرق والكبارى ومحطات المياه والصرف الصحى والكهرباء، وإقامة شبكة اتصالات حديثة.. الخ وأنفقت الدولة فى سبيل ذلك أكثر من 280 مليار جنيه منذ عام 1982 وحتى عام 1998معظمها بالاستدانة الخارجية والداخلية، بزعم أن ذلك سيؤدى الى تشجيع الاستثمار الخاص والأجنبى، والحقيقة أن هذه السياسة قد أدت الى نتيجتين متعارضتين، الأولى: أن القطاع الخاص والأجنبى قد ركزا على أنشطة مثل البترول والإسكان العقارى والقرى السياحية التى تدر عائدا سريعا دون أن تخلق فرص عمل كبرى أو تضيف لبنية الإنتاج المادى والسلعى فى البلد.
الثانية: هو تآكل قطاع الإنتاج السلعى للدولة والمجتمع مثل الصناعة والزراعة، بل واتجهت الدولة الى التخلص من شركات القطاع العام فى أكبر حملة صليبية ضد الملكية العامة وفى أكبر عملية نهب أحيطت بالشكوك والفساد الذى لم تشهد مصر مثيلا له ولا فى عهد الخديوى إسماعيل.
4- واستمرارا لسياسات السادات، منحت المزايا الضرائبية والجمركية للمستثمرين والمستوردين، وتعدلت قوانين الضرائب أكثر من خمس مرات من أجل تخفيض العبء الضريبى على أرباحهم، وألغيت ضرائب تمس دخول الأغنياء وأصحاب المواريث مثل ضريبتى التركات ورسم الأيلولة، والحقيقة أن الدارس المتعمق فى هيكل النظام الضريبى المصرى طوال عقد التسعينات يكتشف أن حصيلة الأغنياء وأصحاب المشروعات فى مصر لم تزد فى أفضل الأحوال على 15% من جملة الحصيلة الضريبية سنويا، وتحملت شركات القطاع العام والفقراء والحرفيين النسبة الأعظم من هذا العبء. أما الإعفاءات الجمركية فقد قدرتها بعض الدراسات الجادة منذ عام 1974 وحتى عام 2004 بأكثر من 80 مليار جنيه استفاد بها أصحاب المشروعات ولم تنعكس بدورها إيجابيا على هيكل الأسعار فى الداخل.
5-كل هذا كان من الممكن وصفه بأنه مجرد خطأ فى التقدير السياسى أو خطأ فى الحساب الاجتماعى والاقتصادى، لولا أن هذا الخطأ فى التقدير كان مصحوبا بخلق آليات عمل تساعد على الفساد والنصب والاحتيال المالى، عززتها سياسات الرئيس شخصيا وتوجهاته فى الحكم والإدارة واستفاد بها ومنها أوثق المقربين منه.
وهذه الآليات هى:
الآلية الأولى: عمليات تهريب الأموال التى جرت فى عهده على قدم وساق من خلال ثغرات صممت خصوصا فى القطاع المصرفى والبنوك.
الآلية الثانية: عمليات الخصخصة وبيع الشركات المملوكة للمجتمع
دعونا نتناول كل واحدة بشيء من التفصيل:
أولا: آلية تهريب الأموال والقطاع المصرفي
تبلغ حجم الأموال الموجودة بالخارج ويملكها مصريون وفقا لأكثر التقديرات المصرفية الدولية تحفظا حوالى 160 مليار دولار، بعضها قام أصحابها بإيداعها فى بنوك الخارج أثناء عملهم وتواجدهم هناك، وبعضها الآخر جرى تهريبها من داخل مصر الى الخارج عبر أربعة أساليب هى:
الأسلوب الأول: ما يسمى عمليات تصدير البنكنوت التى كانت تتولاها بعض البنوك العاملة فى البلاد تحت سمع وبصر السلطات النقدية والبنك المركزى مستفيدة من ثغرات موجودة فى قوانين البنك المركزى والتعامل بالنقد الأجنبى، ولعل أشهرها قضيتا عبد الرحمن بركة وبنوك الأهرام وهونج كونج والجمال.. الخ أعوام 1983 و1984.

المصدر [ جريدة العربى الناصرى ]