عرض مشاركة مفردة
  #65  
قديم 23-08-2007, 12:46 PM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي

حاتم الأصم كان من أصحاب الشقيق البلخي رحمة الله تعالى عليهما، فسأله يومًا قال: صاحبتني منذ ثلاثين سنة ما حصلت فيها؟ قال: حصلت ثماني فوائد من العلم، وهي تكفيني منه لأني أرجو خلاصي ونجاتي فيها، فقال شقيق: ما هي؟


قال حاتم الأصم:


الفائدة الأولى:


أني نظرت إلى الخلق فرأيت لكل منهم محبوبًا ومعشوقًا يحبه ويعشقه، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت وبعضه إلى شفير القبر، ثم يرجع كله، ويتركه فريدًا وحيدًا، ولا يدخل معه في قبره منهم أحد، فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل في قبره، ويؤنسه فيه، فما وجدته غير الأعمال الصالحة، فأخذتها محبوبًا لي؛ لتكون سراجًا لي في قبري، وتؤنسني فيه، ولا تتركني فريدًا.


الفائدة الثانية:


أني رأيت الخلق يقتدون أهواءهم، ويبادرون إلى مرادات أنفسهم، فتأملت قوله تعالى: ]وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى([14])[ وتيقنت أن القرآن حق صادق فبادرت إلى خلاف نفسي وتشمرت بمجاهدتها، وما متعتها بهواها، حتى رضيت بطاعة الله سبحانه وتعالى وانقادت.


الفائدة الثالثة:


أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا، ثم يمسكها، قابضًا يده عليه، فتأملت في قوله تعالى: ]ما عندكم ينفذ وما عند الله باق(1)[ فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله تعالى ففرقته بين المساكين ليكون ذخرًا لي عند الله تعالى.


الفائدة الرابعة:


أني رأيت بعض الخلق ظن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر فاغتر بهم، وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد، فافتخروا بها، وحسب بعضهم الشرف والعز في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم، واعتقدت طائفة أنه في إتلاف المال وإسرافه وتبذره، وتأملت في قوله تعالى: ]إن أكرمكم عند الله أتقاكم([15])[ فاخترت التقوى، واعتقدت أن القرآن حق صادق، وظنهم وحسبانهم كلها باطل زائل.


الفائدة الخامسة:


أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضًا، ويغتاب بعضهم بعضًا، فوجدت ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت قوله تعالى: ]نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا([16])[ فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى في الأزل، فما حسدت أحدًا، ورضيت بقسمة الله تعالى.


الفائدة السادسة:


أني رأيت الناس يعادي بعضهم بعضًا لغرض وسبب، فتأملت قوله تعالى: ]إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا([17])[ علمت أنه لا يحوز عداوة أحد غير الشيطان.


الفائدة السابعة:


أني رأيت كل أحد يسعى بجد، ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش، بحيث يقع به في شبهة وحرام، ويذل نفسه وينقص قدره، فتأملت في قوله تعالى: ]وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها([18])[ فعلمت أن رزقي على الله تعالى وقد ضمنه، فاشتغلت بعبادته، وقطعت طمعي عمن سواه.


الفائدة الثامنة:


أني رأيت كل واحد معتمدًا إلى شيء مخلوق، بعضهم إلى الدينار والدرهم، وبعضهم إلى المال والملك، وبعضهم إلى الحرفة والصناعة، وبعضهم إلى مخلوق مثله، فتأملت في قوله تعالى: ]ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا([19])[ فتوكلت على الله تعالى فهو حسبي ونعم الوكيل.



فقال شقيق: وفقك الله تعالى إني قد نظرت التوراة والإنجيل والزابور والفرقان، فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثماني، فمن عمل بها كان عاملاً بهذه الكتب الأربعة.
__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر