عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 15-08-2001, 07:04 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

ثانيا- أما تعريفك انت للعقل أو للتفكير فإنه تعريف غامض مبهم لا يمكن لمتلقيه أن يضع اصبعه على واقعه الذي يدل عليه فوق أنه خطأ . وهذا يتضح بمجرد عرض التعريفات التي وردت في تعقيبك :
( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية .. فبالعقل ندرك أن الكل أعظم من الجزء وبالعقل ندرك أن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون في أكثر من مكان واحد في وقت واحد .. فالعقل إذن هو أداة التفكير الأولى .. وأما الفكر فهو حصيلة ما اكتسبه الإنسان من خلال استخدامه للعقل ومن خلال تعلمه وتجاربه.. ثانيا أنك اعتبرت العقل هو عملية ( نقل الواقع إلى الدماغ ) والعقل كما أوضحنا ليس كذلك بل وليس من مهمته ذلك أيضا وإنما هو أداة تعمل كما يعمل الميزان فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ).

يفهم من هذا النص أنك تفرق بين ثلاثة أمور هي : العقل ، التفكير ، الفكر ، إلا انك لم تضع معنى محددا لكل مصطلح من هذه المصطلحات الثلاث ، فمثلا عرّفتَ العقل مرة بانه الملكة التي بواسطتها ندرك الأمور المنطقية ، ومرة بأنه أداة التفكير الأولى ، ومرة بأنه أداة التوزين أو الميزان، لكنك لم تقل ولا لمرة واحدة ما هي هذه الملكة أو ما هي هذه الأداة أو ما هو هذا الميزان، أي لم تبين مم يتكون العقل أو ما هي ماهيته، وهل هو عضو من أعضاء الانسان أم هو عملية يدخل في تكوينها مجموعة من العناصر ؟ كما لم تبين كيف تقوم هذه الملكة أو هذه الأداة أو هذا الميزان بدوره في عملية الادراك أو التفكير أو التوزين ، فتعريف العقل بأنه ملكة أو أداة أو ميزان هو تعريف غامض لا يمكن المتلقي من وضع اصبعه على مدلوله.

وأما تعريفك للتفكير فيفهم من الجملة الأولى أن التفكير هو عملية ادراك الأمور المنطقية ، ويفهم من الجملة الأخيرة أن التفكير هو عملية توزين ما يتم نقله للدماغ لاصدار الحكم عليه، وهذان التعريفان لا يوجد فيهما أي شيء يجيب على سؤال كيف نفكر ؟ فلا يوجد فيهما أي بيان للكيفية التي تحصل بها عملية التفكير، كما لا يوجد فيها بيان للعناصر التي تشترك في إيجاد التفكير . فكلمة " ادراك " في الجملة الأولى كلمة رديفة للتفكير فهي ليست بيانا لها، أو لنقل هي نفسها تحتاج الى بيان ، وأيضا الأمور المنطقية تحتاج الى شرح وبيان أي توضيح ما هو المنطق. وأما تعريف التفكير بأنه عملية توزين فوصف غامض لا يبين كيف تتم عملية التوزين ولا وجه الفرق بين الميزان العقلي والميزان الذي توزن به كتل الأشياء ، كما لم يبين وحدة القياس ما هي. وأيضا لم تبين من خلال هذا التعريف ما هو هذا الشيء الذي يتم وزنه بعد نقله الى الدماغ لاصدار الحكم عليه، كما لم تبين واسطة النقل ما هي ، فالشيء المنقول لم تأت على ذكره، وواسطة النقل لم تأت على ذكرها ، مع ان الشيء المنقول الى الدماغ وكذلك واسطة نقله جزء لا يتجزء من عملية التفكير " التوزين ". أما عبارة ( فبالعقل ندرك أن الكل أعظم من الجزء وبالعقل ندرك أن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون في أكثر من مكان واحد في وقت واحد ) فهي نص على واحدة من نتائج العقل أي على فكر من الأفكار الناتجة عن العقل وليس هي وصفا لواقع العقل ولا هي بيان لكيفية الادراك أو التفكير ، فمع أنها عبارة توضيحية لمعنى العقل إلا أنها بدل أن تبين ما هو العقل تحدثت عن نتيجة عمله فلم تزل الغموض الذي يكتنف تعريف العقل أو تعريف التفكير ، فهذه العبارة لا تجيب على سؤال ما هو العقل ؟ ولا على سؤال كيف نفكر ؟ أو مم تتكون عملية التفكير ؟
وأما تعريفك للفكر : ( وأما الفكر فهو حصيلة ما اكتسبه الإنسان من خلال استخدامه للعقل ومن خلال تعلمه وتجاربه) فأيضا غامض لا يمكن وضع الاصبع على مدلوله ، لانك استعملت وصفا عاما غير محدد وهو كلمة حصيلة، فالتعريف لا يوضح ما هي هذه الحصيلة التي اكتسبها الانسان من خلال تعلمه وتجاربه .

من هنا يتبين أن التعريفات التي أوردتها غامضة ومبهمة لأنها صيغت بألفاظ عامة غير محددة، فلا تصلح لنقض تعريف العقل بأنه ( نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة تفسره )، فقولك بأن العقل ملكة وأداة وميزان لا ينقض هذا التعريف لأني بكل بساطة أقول لك بأن ما ورد فيه هو تفسير لملكة العقل وهو بيان لحقيقة هذه الأداة، وهو وصف لواقع هذا الميزان ، واقول لك أيضا بان عملية التوزين هي هذه العملية المنصوص عليها في التعريف. هذا من حيث الغموض والابهام الذي يحيط بجميع التعريفات الواردة في النص أعلاه ، ومن حيث عدم صلاحيتها لنقض تعريف العقل.


ثالثا- أما أن تعريفك خطأ فذلك لأنك حصرت العقل أو التفكير بادراك الأمور المنطقية فقط ، مع أن المنطق هو أسلوب من أساليب العقل وليس هو العقل ، فلا يصح أن يعرف العقل بأسلوب من أساليبه، ففي مثال الكتاب المذكور أعلاه في النقطة الأولى أصدرت حكمي على الواقع مباشرة انه كتاب ، أي من دون الاستعانة بالقضايا المنطقية ، ومعلوم أن المنطق أقل قضاياه اثنتان. فالانسان يدرك أن هذا حجر وهذه شجرة وهذا نهر وهذا تراب وهذه طائرة وهذه سيارة من خلال الحس المباشر بواقعها فيفسر الواقع بالمعلومات السابقة التي تفسره، من دون الاستعانة بالقضايا المنطقية. وبنفس الطريقة العقلية يدرك أن واحد زائد واحد تساوي اثنان، وأن الاثنان أكثر من الواحد، وأن وجود الشخص في مكان يمنع من وجوده في مكان آخر في نفس الوقت. فليس التفكير كله منطق، وليست النتائج كلها نصل اليها وصولا منطقيا، بل يمكن الاستغناء عن المنطق مطلقا. لأنه ليس طريقة في التفكير وانما هو اسلوب، والعقل أو طريقة التفكير العقلية هو الطريقة أي الكيفية الدائمة في التفكير . على أن العقل فطري في الانسان وأما المنطق فعلم يحتاج الانسان لتعلم قواعده، وقد تأثر به المسلمون نتيجة لاحتكاكهم بالفلسفة اليونانية وقد تعلموه وتسلحوا به للرد على الفلاسفة. فالعقل هو الأصل أو هو الأساس ، ولأن المنطق أسلوب وليس طريقة في التفكير فإنه يحتاج الى وجود العناصر الأربعة التي يشترط وجودها في العقل، إذ أن المنطق يشترط في قضاياه ان تنتهي كل منها الى الحس. وعليه فالمنطق هو أسلوب من أساليب البحث المبنية على الطريقة العقلية فلا يصح أن تعرف " بتشديد الراء " طريقة التفكير العقلية باسلوب من اساليبها.


رابعا- على الرغم من غموض تعريفاتك وعلى الرغم من الخطأ الذي وقعت فيه إلا أن التعريفات التي أوردتها في تعقيبك تشترط أيضا توفر العناصر الأربعة حتى توجد العملية التفكيرية، فقولك ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) اقرار بشرط وجود الحواس والواقع لأن المنطق يشترط انتهاء كل قضية من قضاياه الى الحس. وأما قولك ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) ففيه اقرار صريح بشرط وجود الدماغ ، وفيه اقرار ضمني بشرط وجود الواقع والحواس وكذلك المعلومات السابقة . أما الواقع فإنه إذا لم يكن هذا الذي يتم نقله إلى الدماغ هو الواقع فماذا يكون ؟ وإذا لم يكن الواقع هو ما نريد التفكير فيه واصدار الحكم عليه فبماذا سنفكر ، وعلى ماذا سنصدر الحكم ؟ وإذا لم تكن الحواس هي واسطة نقل الواقع إلى الدماغ فما هي هذه الواسطة ؟ وأيضا إذا لم تكن وحدة القياس أو وحدة التوزين هي المعلومات السابقة التي تفسر الواقع فماذا تكون ؟ فالواقع هو الذي يتم نقله الى الدماغ بواسطة الحواس ويجري التفكير فيه بربطه بالمعلومات السابقة التي تفسره فيصدر الدماغ حكمه عليه.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله