عرض مشاركة مفردة
  #16  
قديم 25-02-2004, 11:29 AM
اليمامة اليمامة غير متصل
ياسمينة سندباد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
الإقامة: السعودية
المشاركات: 6,889
إفتراضي

أنا معجبة جدا بإعترافك بالهزيمة ..
وأرحب جدا بتبريراتك الحكيمة بعدم العجلة كتأكيد على ميراثك الذي تتغنى به دائما .. ألا أنني أختلف معك فحكمتي تقول ( اقطع عرق وسيح دم ) وهو الأمر الذي يجعلني أتعامل مع وعكة المتوعك بنفس هذا المنظور .. فأرى أن لاعلاج له إلا العزلة .. وأن ينسى انه ولد .. بل يجب أن يتحول لنبتة لامكان لها في أي مزرعة في هذا الكون .. وأن يكون كالسمكة التي تتحرك من حولها شباك الصيادين فتخرج من الماء لتنجو ...
فمشكلته أنه لم يصل حتى الآن الى المرآة المستورة داخل أعماق نفسه لأنها هي التي تحدد مسار الحركة في حياته واتجاهاتها .. والبعد الذي تتناهى اليه والقرب الذي تقف عنده

وفي نفس الوقت أرى أن عزلته النفسية هذه الفترة ستجعله يتحرك الآن مجهدا مبهوراً من مرقده بعد سبات .. وسيكون منبهراً بما يصطدم به من حقائق حاضره .
ولكنني واثقة أنه وهو في حالة مابين الابهار والإنبهار سيحاول بحنكة ذكية أن يربط خيط الصلة بين ماعاشه ماضياً ومايعايشه حاضراً وأن يعيد الأشياء الى أصولها القديمة في تأكيد منه على أن لاجديد تحت الشمس .. وأن ماتحت الشمس كان قديماً عاصره وأعتصره وأبصره

وهو الأمر الذي يحلل ردة فعله المصدومة تجاه الفضائيات التي شرخت وشرحت .. وهي تتباهى بأمجاد حضارات مضى عليها آلاف السنين - مثلك أيها السنونو ياغير مستعجل - بينما الواقع لاولئك المتباهين الذين نراهم يصرخون متخلف .. بل مريع في تخلفه .. يفضحه العجز الذي يحاول أن يشد عجلة المباهاة لما مضى .. لا لما هو واقع ولا لما هو آت .

وقد فسر هذا الأرقون ذلك بأنه يعني احتمالين لاثالث لهما :

الاحتمال الأول : أن يكون ذلك الماضي بأمجاده من صنع الآخرين .. أي من صنع الغير .. فشعر أنه دخيل عليهم أو هم دخلاء عليه .

اما الإحتمال الثاني : فهو أن يكون رصيداً حضارياً لأجيال مضت تآكلت طموحاتها ودوافعها وتضاءلت عواملها بحكم اهتزاز وعقم في الإمتداد التاريخي فاكتشف أن ذلك فضيحة ضخمة له كمتباهي بأمجاد ماقبل آلاف السنين دون أن يكون بمستواها .. ورأى نفسه كمن يتباهى بأن جده القديم صنع طائرة بينما هو عاجز عن قيادتها وربما فتح أبوابها .

لقد كانت مصيبته الكبرى أن وقف في لحظات ماضيه يفاخر يآثار عظماء درسوا وماتوا وكونوا حضارة سابقه بينما هو يقف مشدوها وحائراً وعاجزاً عن الابقاء على حياة تلك الآثار وصيانتها لاعلى اضافات جديدة لتشمل حاضره وتاريخه .

ولو حللت شخصية أرقون ومفرداته لوجدت ذلك فيه .. فهو يقر دوماً أنه يسقط على الدرج .. ولكنه لم يذكر لنا ولو مرة واحدة أنه وقف بعد أي سقطة او أنه حاول على الأقل ..

وأنا أعتقد وبنظرة خزامية أن هذه الانتكاسة النفسية غير المسبوقة لأنه اقتنع أخيرا أن يدع الحضارات الماضية لأنها رصيد لمن مضى وحدة .. أما هو كحي ساقط على الدرج فإن رصيده هذه السقطات لا ما أورثته له الأجيال الماضية التي باتت في حكم التاريخ لا في موازين رصيده ..

هذه هي العلة - وليست حرف العلة – التي جعلته يشعر بالغربة التي هي بمثابة لون من التشرد السخري فدفعته في أحيان كثيرة الى الحنين الباكي وأدت هذه العلة النفسية الى علة جسدية فأفترسه المرض وأندفع الى الشكوى والأنين والى تحمل جرعات الألم والاستسلام لها الى حين البرء والشفاء .
إلا أنه <--- ناوية عليه
أمام مصيبته النفسية والجسدية رأى أنها تهون مصيبةً وهولاً أمام هذه الأجواء المحمومة التي انطلقت من الفضائيات فرأى العالم كله بين يديه ورأى هذه الأجواء المحمومة التي إنفلت منها عقال الأمن وأصبحت الكلمة للقذيفة والصاروخ والطلقة المنطلقة في جنون فأصبح يسير في شوارع المدينة وهو يصيح ويقول :
أعطني الأمن وخذ بعد ذلك ماشئت إذا كان لابد من خيار ..
لقد شعر أن الجرح النازف ألماً وجوعاً واشتياقاً لن يكون بغزارة جراح الخائفين والواقفين المرتجفين بين فكي صراع مجنون مسلح كما هو في العراق الممزق المحترق أو في فلسطين الأسيرة حيث تذوق هو بعض جرعات خوفهم وجرحهم " وفي البعض مايكفي "
وكعلاج له أرى أن يطبق هذا القول :
سأبقى حيث أموت حياً .. بدلاً من أن أموت ميتاً
__________________