عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 05-09-2005, 01:28 PM
muslima04 muslima04 غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
المشاركات: 872
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


شيخ الإسلام ابن تيمية :

وطائفة من أهل العراق اعتقدت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا شهرًا، ثم تركه على وجه النسخ له، فاعتقدوا أن القنوت في المكتوبات منسوخ‏.‏ وطائفة من أهل الحجاز اعتقدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم مـازال يقنـت حتى فـارق الدنيا‏.‏ ثم منهم من اعتقد أنه كان يقنت قبل الركوع، ومنهم من كان يعتقد أنه كان يقنت بعد الركــوع‏.‏ والصـواب هو ‏[‏القول الثالث‏]‏ الذي عليه جمهور أهل الحديث‏.‏ وكثير من أئمة أهل الحجاز، وهو الذي ثبت في الصحيحين وغيرهما؛ أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم ترك هـــذا القنــوت، ثم إنه بعد ذلك بمدة ـ بعد خيبر، وبعد إسلام أبي هريرة ـ قنــت، وكان يقــول في قنوتـه‏:‏ ‏(‏اللهم، أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، والمستضعفــين من المؤمنين‏.‏ اللهم اشدد وطأتــك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف‏)‏‏.‏ فلو كان قد نسخ القنوت، لم يقنت هـذه المــرة الثانية‏.‏ وقد ثبـت عنـه في الصحيح أنه قنت في المغـرب، وفي العشـاء الآخرة‏.‏
وفي السنن أنه كان يقنت في الصلوات الخمس‏.‏وأكثر قنوته كان في الفجر، ولم يكن يداوم على القنوت لا في الفجر ولا غيرها، بل قد ثبت في الصحيحين عن أنس أنه قال‏:‏ لم يقنت بعد الركوع إلا شهرًا، فالحديث الذي رواه الحاكم وغيره من حديث الربيع بن أنس عن أنس أنه قال‏:‏ مازال يقنت حتى فارق الدنيا، إنما قاله في سياقه القنوت قبل الركوع‏.‏ وهذا الحديث لو عارض الحديث الصحيح لم يلتفت إليه، فإن الربيع بن أنس ليس من رجال الصحيح، فكيف وهو لم يعارضه، وإنما معناه أنه كان يطيل القيام في الفجر دائما، قبل الركوع‏.‏
وأما أنه كان يدعو في الفجر دائمًا قبل الركوع أو بعده بدعاء يسمع منه أو لا يسمع، فهذا باطل قطعًا‏.‏ وكل من تأمل الأحاديث الصحيحة، علم هذا بالضرورة، وعلم أن هذا لو كان واقعًا، لنقله الصحابة والتابعون، ولما أهملوا قنوته الراتب المشروع لنا، مع أنهم نقلوا قنوته الذي لا يشرع بعينه، وإنما يشرع نظيره‏.‏ فإن دعاءه لأولئك المعينين، وعلي أولئك المعينين، ليس بمشروع باتفاق المسلمين، بل إنما يشرع نظيره‏.‏ فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين، ويدعو على الكفار في الفجر، وفي غيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصاري بدعائه الذي فيه‏:‏ اللهم العن كفرة أهل الكتاب ‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخره‏.‏
وكذلك على ـ رضي الله عنه ـ لما حارب قوما، قنت يدعو عليهم‏.‏ وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمي من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسنًا‏.‏
وأما قنوت الوتر، فللعلماء فيه ثلاثة أقوال‏:‏ قيل‏:‏ لا يستحب بحال؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر‏.‏ وقيل‏:‏ بل يستحب في جميع السنة، كما ينقل عن ابن مسعود وغيره؛ ولأن في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن على ـ رضي الله عنهما ـ دعاء يدعو به في قنوت الوتر‏.‏ وقيل‏:‏ بل يقنت في النصف الأخير من رمضان‏.‏ كما كان أبي ابن كعب يفعل‏.‏
وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة، من شاء فعله، ومن شاء تركه‏.‏ كما يخير الرجل أن يوتر بثلاث، أو خمس، أو سبع، وكما يخير إذا أوتر بثلاث، إن شاء فصل، وإن شاء وصل‏.‏
وكذلك يخير في دعاء القنوت إن شاء فعله، وإن شاء تركه‏.‏ وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر، فقد أحسن‏.‏ وإن قنت في النصف الأخير، فقد أحسن‏.‏ وإن لم يقنت بحال فقد أحسن‏.