عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 07-06-2002, 06:57 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
إفتراضي

روى البخاري في صحيحه قال :

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.

أخي الحبيب ميثلوني إليك ردي على تعقيبك :

أولا- ملاحظتك على عبارة (وهو وحده صاحب الصلاحية ولا يملكها أحد سواه مطلقا ) صحيحة، ، فلا شك في أن للإمام الحق في توزيع الصلاحيات , بإنابة أو توكيل من يقوم بها نيابة عنه، ولم يقصد بالعبارة غير ذلك، إذ يوجد عبارة أخرى لنفس المؤلف وهي كما يلي : ( ولهذا لا يوجد أحد في الدولة أفرادا أو جماعات يملك شيئا من السلطان أو الحكم من ذاته بأن يكون من صلاحياته أصالة سوى الخليفة ). وأما النقابات فتملك صلاحية رعاية الشؤون أصالة لا نيابة مثلها مثل الحكومة، وهذا هو مدلول مفهوم ( دولة المؤسسات ) . والنقابات لا تدخل في باب قوله عليه السلام ( أنتم أدرى بشؤون دنياكم ) لأن الحديث الشريف يتعلق بالعلوم والفنون والصناعات وما شاكلها لا في معالجات مشاكل الحياة، وأما النقابات فجزء من نظام الحكم في الدولة الرأسمالية، وأنظمة الحياة كالحكم والاقتصاد والاجتماع تعتبر من أمور الدين في الاسلام، فيجب أن تؤخذ حصرا من الكتاب والسنة ومما أرشدا إليه من أدلة، فليست هي داخلة في حديث ( أنتم أدرى بشؤون دنياكم )، وهذا الحديث هو ما روي عن عائشة وأنس معا أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال لو لم تفعلوا يصلح ، قال فخرج شيصا ( أي بسرا رديئا ) فمر بهم فقال ما لنخلكم ؟ قالوا قلت كذا وكذا قال ( أنتم أدرى بأمور دنياكم ). فموضوع الحديث هو تأبير النخل، فموضوعه هو العلوم والصناعات وما شاكلها وليس معالجات مشاكل الحياة .

ثانيا- أما تعقيبك على عبارة ( فلا توجد حريات في الاسلام اللهم إلا الحرية بمعنى تحرير الرقيق من الرق ) فلا خلاف في أن الاسلام يقول بالأمور التي ذكرتها لكن الخلاف هو هل ينطبق عليها أنها حرية أم لا ؟
وحتى نتفق على الجواب لا بد من أن نتفق أولا على مفهوم الحرية ما هو ؟
بحسب فهمي ، الحرية تعني ضد العبودية، والحر هو الذي يمارس إرادته ويسيرها ، وأما العبد فإن غيره هو الذي يمارس ارادته ويسيرها. فالحر يفعل ما يريد، والعبد لا يفعل إلا ما يريده غيره، والحر يتصرف من دون الحاجة لإذن بالتصرف من غيره، وأما العبد فلا يتصرف إلا باذن بالتصرف من غيره.
وبحسب هذا المعنى للحرية فإن الحرية في الاسلام تعني تحرير الانسان من الرق لا تحريره من العبودية مطلقا، لأن الذي يسير إرادة الفرد شرعا ليس الفرد نفسه كما يشاء، بل ارادة الفرد مسيرة بأوامر الله ونواهيه . وكذلك الأمة ليست مسيرة بارادتها تفعل ما تريد، بل هي مسيرة بأوامر الله ونواهيه، قال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }، وقال تعالى :{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )، فالذي يتحكم في الأمة والفرد ، ويسير إرادة الأمة والفرد، إنما هو ما جاء به الاسلام. ولذلك عرف الحكم الشرعي بأنه ( خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع ) فكل فعل من أفعال العباد يوجد له حكم في الشرع، والقاعدة الشرعية تنص على أن : ( الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي) . فالمسلم لا يتصرف كما يشاء بل بحسب الأحكام الشرعية، ويستحق العقاب في الدنيا والآخرة إن هو تمرد عليها. فالمرجعية لكل فعل من أفعال الانسان إنما هو الشرع وليس الانسان . فإذا كانت أفعال الانسان كلها يجب أن تسير بحسب هذه الأحكام الشرعية فكيف يكون الانسان حرا ؟!
وعليه فجميع الأمثلة التي ذكرتها في ملاحظتك لا تخرج عن كونها أحكاما شرعية ، فمحاسبة الحاكم فرض، والتنقل أو السفر مباح، والملكية شرعا تعني حيازة المال بسبب شرعي أذن به الشارع، إذ هي حكم شرعي مقدر بالعين او المنفعة، فالتملك لا يجوز إلا بحسب أسباب التملك التي عينها الشرع. والتقيد بالحكم الشرعي في كل فعل ليس حرية، ولا يمكن أن يوصف بأنه حرية، لأن الارادة تكون في هذه الحالة مسيرة بأحاكم الشرع ، فالسيد هو الشرع لا الفرد .

والأمر الذي قد يشتبه على الناس أنه حرية في الاسلام هو المباح حيث يخير الناس بين الفعل والترك، فالتخيير قد يشتبه بأنه حرية مع أنه ليس كذلك لأن التخيير بين الفعل والترك إنما يكون بناء على إذن من الشارع بالتخيير بين الفعل والترك، لأن المباح هو حكم شرعي كالفرض والمندوب والمكروه والحرام سواء بسواء ، وتعريف المباح هو: ( ما دل الدليل السمعي على خطاب الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك ) فالمسلم لا يكون مخيرا بين الفعل وترك الفعل إلا بوجود نص شرعي يدل على التخيير، فالقيام بالمباح هو تقيد أو التزام بحكم شرعي مستنبط من الأدلة الشرعية، فالمرجعية فيه للشرع لا للانسان ، فليس هو حرية ولا يصح أن يوصف كذلك.

أما عدم اكراه الكفار على الدخول في الاسلام المستنبط من قوله تعالى : { لا إكراه في الدين } فإلى جانب أن هذا حكم شرعي مرجعيته الشرع لا الانسان، فإنه لا يعني تحرير الكفار من العبودية لله تعالى، ولا هو هو اعفاء لهم من تبعاتها. لأن المكلف شرعا بالأحكام هم جميع الناس، وليس هم المسلمين فقط، ولذلك قيل في الحكم الشرعي أنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد. فلا فرق في التكليف بأحكام الشرع بين المسلم والكافر فكلهم مخاطب بخطاب الشارع وكلهم مكلف بحكم الشرع، قال تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا }، وقال تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } وقال عليه الصلاة والسلام : ( بعثت إلى الأحمر والأسود ) أي إلى جميع الناس . وأيضا خوطب الكفار بالأحكام الفروعية ، قال تعالى : { وويل للمشكرين الذين لا يؤتون الزكاة } ، وقال تعالى : { كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتسائلون* عن المجرمين* ما سلككم في سقر * قالوا لم نكن من المصلين* ولم نك نطعم المسكين* وكنا نخوض مع الخائضين* وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين } . فالكفار مخاطبون بالشريعة كلها أصولا وفروعا وان الله سيعذبهم على عدم الايمان وعلى عدم القيام بالأحكام. والخليفة مأمور بتطبيق جميع أحكام الشرع عليهم، ويستثنى من تطبيق الأحكام ، لا من الخطاب، الأحكام التي جاء نص في القرآن أو الحديث بعدم تطبيقها عليهم، والأحكام التي جاء نص بأنها خاصة بالمسلمين، وما عدا ذلك فتطبق على الكفار جميع أحكام الاسلام كالمسلمين سواء بسواء. ففي المعاملات ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عاملهم حسب أحكام الاسلام، وفي العقوبات ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عاقبهم على المعاصي.

أما مقولة سيدنا عمر رضي الله عنه ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) فإن الفاروق يقول ( متى استعبدتم الناس ) والمخاطب " بفتح الطاء " هو ابن الأكرمين، فالأمر الذي استنكره سيدنا عمر هو استعباد الانسان للانسان لا مطلق العبودية، فقوله : ( وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) أي من العبودية لكم يا من تستعبدون الناس. وهذا المعنى للحرية هو المعنى الذي جاء به الاسلام ، فالاسلام جاء ليحرر العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. فالانسان عبد لله تعالى، وقد أثنى الله تعالى على رسوله أعظم ثناء بالعبودية له فقال : { سبحان الذي أسرى بعبده }، فأضاف العبودية له، وكلمة ( لا إله إلا الله ) تعني لا معبود إلا الله ، ففي الاسلام لا حرية لأحد بل الكل عبيد لله تعالى ، ولهم كل الشرف في أن يكونوا كذلك.

ثالثا- لا تعارض بين كون الدولة الاسلامية ليست دولة مؤسسات وبين جواز تعدد الأحزاب السياسية في ظل هذه الدولة، إلا أن شرط هذه الأحزاب هو أن يكون أساسها العقيدة الاسلامية ، وان تكون الأحكام التي تتبناها أحكاما شرعية، وهذا يستنبط من قوله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }، واما دلالة الآية على ذلك فيحتاج إلى حديث آخر بإذن الله تعالى.