عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 03-02-2006, 02:40 AM
كرامـ CaRaMiLlA ـيلا كرامـ CaRaMiLlA ـيلا غير متصل
أنثــــــــــى..
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2004
الإقامة: مكـــة الخيــــر
المشاركات: 1,382
إفتراضي رحلـــــــــــة ولكن من نوع خــاص!!

رحلة و لكن من نوع خاص

قبل عدة أعوام قرأت في إحدى المجلات تقرير صحفي عن زيارة لمستشفى الأمراض النفسية و العقلية و احتوى ذلك التقرير انطباع الصحافيين الذين أقروا بخوفهم من إقدامهم على مثل هذه الخطوة خشية من مرضى المستشفى ، كما احتوى روايتهم عن الحالات التي رأوها هناك . و كان لذلك المقال الأثر الكبير في نفسي فلقد أثار فضولي و زاد من رغبتي في التعرف على شئ أكاد أجهله و يجهله كثيرون غيري .وكم تمنيت طوال تلك المدة أن أقوم بزيارة ذلك المكان. و كلما صرحت برغبتي هذه لأحدهم جاوبني (تمني شيئا آخر). و بعد مضي سنوات حدث ما لم يكن في حسباني.

بينما كنت أحادث صديقتي و هي طالبة في كلية الطب و الجراحة أخبرتني بأنهن يقمن بزيارة لمستشفى الأمراض النفسية و العقلية. و أقيظ ذلك رغبتي التي كانت منذ سنين. و بينما أخذت صديقتي تحدثني بتفاصيل الزيارة و ما شاهدته هناك ، بادرت بسؤالها عما إذا كان بإمكاني مرافقتها فسألتني مستغربة : (هل ترغبين حقا بذلك ؟) فأجبتها و كلي حماسه : بالطبع . و بالفعل بعد الإذن حدث ذلك يوم الأربعاء 2/1/1427 هـ . بقيت طوال الليل أفكر في الغد و فيما سيحمله معه .

وأذن الفجر فاستيقظت أنا و أختي وقمنا بإتمام تجهيزاتنا بعد أداء صلاة الفجر، و انطلقنا مع صديقتي .لم أتوقف لحظة عن التفكير في الآتي طوال طريق الذهاب .انتابني شعور بين الحماسة و الخوف . فأخيرا سيتضح لي ما كان غامضا . و تملكني الخوف الذي كان سببه ما يتردد عن قصص المجانين و ما يحدث داخل مستشفى المجانين .

وصلنا إلى المستشفى و بعدما أخذت صديقتي في إعطائنا التعليمات بكيفية التصرف، صعدنا إلى العنابر التي كانت مقسمة إلى أرقام بحيث يحوي كل عنبر فئة معينة من المريضات التي يتقاربن في الحالة المرضية. و عندما دخلنا إلى العنبر الأول كان وقت الفطور التي تولت إحدى الممرضات توزيعه على المريضات. و كم أحزنني ما رأيت!! نساء في العقد الرابع و الخامس و السادس من عمرهن فقدن ما ميز الله به الإنسان عن سائر خلقه. و اكتفين بتمتمة بعض الكلمات الغير مفهومة و القيام ببعض الحركات الغريبة كهز إحداهن لجسمها إلى الأمام و الخلف بلا توقف وإصدار أصوات غريبة.

و بينما نحن هناك إذ مرت إحدى المريضات و ببسمة هادئة ونظرة خجلة، ألقت علينا السلام. فرددنا عليها السلام و أخذت صديقتي بالاستفسار عن صحتها اليوم و حالتها النفسية، فأجابتها بأنها بحالة جيدة. ثم قدمت لها صديقتي وإحدى الفتيات المرافقات لنا كتبا و طلبتا منها قرأتها لتقلل من شعورها بالملل. وبعدما ابتعدنا عن المريضة سألت صديقتي عن حالتها فأجابتني بأنها مريضة بالاكتئاب الشديد و لكنها ليست ممن فقدن عقلهن و أنها حاولت الانتحار مرات عديدة لأنها ملت من الحياة و ما عادت تشعر بأهمية الحياة بالنسبة لها.

ثم انتقلنا إلى عنبر أخر حيث وجدنا إحدى المريضات مستلقية في سريرها وعندما قرأنا ملفها وجدنا أنها سجينة و عندما شخصت صديقتي و رفيقتها حالتها وجدتا أنها مصابة بداء الهلوسة (قالت لنا بأنها دخلت المستشفى منذ ثلاث أو أربع شهور تقريبا وأدخلت المستشفى بعدما خرجت من بيت أهلها وحدها بقصد زيارة أقاربها فأمسكتها الشرطة كما أخبرتنا بأنها تتخيل بأنها تضرب أحدهم في خيالها و بأنها تسمع صوتا يخبرها بأن تفعل ذلك ثم ترى ذلك واقعا و عندما طلبنا منها أن تحدثنا عن ذلك الصوت أخبرتنا بأنه صوت يخبرها بأن هناك من سيلحق بها الأذى و سألناها عما إذا كانت تخشاه فأجابت بالنفي و أنها تريد أن يستمر معها و أنها لا تريد أن تأخذ الدواء لأنه يمنعها من سماع الصوت ( الدواء يعالجها من الهلوسة طبعا) الذي تشعر بأنه يدافع عنها.) و لذلك حولت إلى المستشفى.

انتقلنا إلى عنبر آخر و تحدثنا إلى مريضة أخرى لديها تخلف عقلي (عندما جلست معنا غطت وجهها فسألناها لماذا تحجبت؟ فأجابت بأن هناك رجل . فسألناها أين هو فأشارت إلى النافذة بأنه في الخارج و سيراها فبقيت على حالها طوال حديثنا معها) وسألناها عما أدخلها المستشفى و منذ متى؟ فأجابت بأنها هناك منذ عشر سنين وأنها تعاني أوجاع في ظهرها و رجلها (التي كسرت عندما حاولت الانتحار برمي نفسها من الدور الخامس) و سألناها عن الذي دفعها لفعل ذلك؟ فأجابت بأنه الشيطان الذي أخبرها ذلك. و عندما سألناها عن الحياة هل تعجبها أم لا؟ أجابت أن الحياة ليست جميلة لوجود الشيطان الذي لو كان بالقرب من منزلها مسجد لحماها الله منه و من وساوسه لها بالانتحار.

ثم تحدثنا إلى مريضة ثالثة التي حدث لنا معها موقف طريف. و بعد أن دخلت و جلست سألناها عن اسمها و عمرها وعن سبب دخولها المستشفى فأخبرتنا باسمها و بأنها دخلت المستشفى بعدما كسرت باب غرفة والدها و زوجته و سرقت مجوهراتها و أنها كانت على خلاف شديد مع زوجة أبيها و تكن لها مشاعر الكره و أما عن عمرها فقالت (23 عاما .. لا لا 28 عاما) والظاهر لنا أنها في الاربعينات. و عندما سألناها عن أمها أجابت بأنها تكرهها ولا تريدها و إنما تريد البقاء عند والدها.و أثناء الحوار رن الهاتف المحمول لإحدى الأخوات و كانت تضع نغمة النمر الوردي (بينك بانثر-pink panther ) فأخذت المريضة بترديدها ثم قالت (لو انكم صحيح عاقلين كان ما حطيتو نغمة بينك بانثر) فتفاجأنا جميعا و لفت نظرنا ذلك فهي استطاعت أن تميز النغمة و ذكرت اسمها أيضا !! ثم بعد ذلك سألناها عن الحياة ونظرتها لها فأجابت بالايجاب لكنها حاولت أن تنتحر أكثر من مرة و عندما سألناها عن السبب أجابت بأنها تريد الحرية و هذا ما لم يعطها إياه اخوانها الشباب فهي أكبرهم و كانت تعتني بهم صغارا و عندما كبروا أصبحوا يتحكمون بها و يمنعونها عن القيام بما تريد فسألناها ما هي الحرية في نظرها فأجابت أن أفعل ما أريد دون أن يمنعها اخوانها.

و سألناها عما اذا كانت سمعت أصواتا في المرات التي حاولت فيها الانتحار تحثها على ذلك . وهنا أيضا قالت لنا كلام تعجبنا له (صحيح انكم سذج هل تظنون أن كل من يحاول الانتحار يسمع أصواتا) حقيقة اندهشت فطوال وقت المحادثة كانت تحاول أن تبرهن لنا كونها طبيعية وذكية وكانت لا تكف عن قول (أنا ذكية) وأن الطبيب الذي عاين حالتها اعجب بدرجة ذكائها و أنها كانت من العشر الأوائل في مدرستها الثانوية (و هذا المرض في طب النفسي الذي لا يكف صاحبه عن المدح و الفخر في نفسه باسم مرض جنون العظمة) و كانت تذكر لنا أشياء من ماضيها كما طلبت منا التعاون معها بقولها (ضعوا ايديكم في يدي و اخرجوني من هذا المكان).

كانت هذه المريضة أكثر شيء أذهلني لدرجة أني شككت في كونها مريضة. بعد ذلك مررنا بالعنابر الأخرى و رأينا حالات أخرى فهناك من كان مرضها سبب في قتلها طفلها وقتلها طفل أخاها وهناك من لم تستطع حتى أن تخبرنا اسمها و هناك من تكفي النظرة إلى وجوههن لتخبرك المعاناة التي عشنها و مازلن يعشنها . بعدما نزلنا من العنابر قابلنا المشرفة الاجتماعية التي شرحت لنا الوضع و حالات المريضات و معاملة أهاليهن لهن سواء من اهتمام أو تجاهل و الرغبة في أخذ المعونة التي تقدمها الحكومة لأهالي المرضى الذين يقيمون مع أهلهم .و غير ذلك من قصص تقشعر لها الأبدان. ذهبنا بعد ذلك إلى العيادات الخارجية حيث قابلنا أستاذة علم النفس التي شرحت لنا طريقة اختبارات الذكاء التي تقام لتحدد مستوى الذكاء لدى الأطفال و الكبار و حدثتنا عن قصص غريبة يقوم بها الاباء لأطفالهم بغرض أخذ المعونة أيضا .

أذن الظهر فصلينا و ركبنا الباص و غادرنا عائدين إلى مدينتنا بعد نهار حمل الكثير في طياته. غادرت أحمل من الذكرى ما لا يمكن لسنين العمر أن تمحوه ما دام رب العالمين حفظ لي العقل و القلب نابضا . غادرت أحمل من العبرة ما لم يوجد في مكان آخر .

حقيقة منذ سنين و منذ قرأت المقال كنت أدرك أن خلف ذلك الجدار الاسمنتي ستضح لي كثيرا من الأمور أهمها أن أنظر دائما إلى من هو دوني لا إلى من هو أعلى مني و صدق خير الخلق في قوله عليه أفضل الصلاة و التسليم. تيقنت أن نعمة العقل وحدها لها الأثر الكبير في المخلوقات فكيف اذا اجتمعت بباقي النعم .تعلمت أن من يحيا لديه الصحة التامة و كمال العقل و رزق يومه و بين أهله و أحبابه فقد ملك ما فقده الكثيرون. وأدركت أن هؤلاء الناس هم بشر أجبرتهم ظروف الحياة على ما هم فيه الآن فما عاد المرضى النفسيين يخيفونني أو قصصهم كذلك. و أن البيئة التي ينشأ فيها الشخص من أهم أسباب نجاحه في الدنيا و الآخرة. و أن على الانسان أن لايفرط في إحدى أسمى و اجل العبادات ألا و هي عبادة الشكر. فالحمدلله رب العالمين على نعمة حسن الخلق و الدين .


تحيتي
__________________
لا تبـع هيبـة السكــوت بالرخيــص من الكـــلام



ابـداع انامل/ الوافـــــي