الموضوع: نزار قباني
عرض مشاركة مفردة
  #64  
قديم 18-08-2006, 04:06 PM
Orkida Orkida غير متصل
رنـا
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 4,254
إفتراضي أحبك نزار

الممثلون


(1)
حين يصير الفكر في مدينة
مسطحا كحدوة الحصان
مدورا كحدوة الحصان
وتستطيع أي بندقية يرفعها جبان
أن تسحق الانسان
حين تصير بلدة بأسرها
مصيدة...والناس كالفئران
وتصبح الجرائد الموجهه
أوراق نعي تملأ الحيطان
يموت كل شيئ
يموت كل شيئ
الماء، والنبات، والأصوات، والألوان
تهاجر الأشجار من جذورها
يهرب من مكانه المكان
وينتهي الانسان

(2)
حين يصير الحرف في مدينة
حشيشة يمنعها القانون
ويصبح التفكير
كالبَغاء..
واللواط..
والأفيون
جريمة يطالها القانون..
حين يصير الناس في مدينة
ضفادعا مفقوءة العيون
فلا يثورون ولايشكون
ولايغنون ولايبكون
ولايموتون ولايحيون
تحترق الغابات، والأطفال، والأزهار
تحترق الثمار
ويسبح الانسان في موطنه
أذل من صرصار...

(3)
حين يصير العدل في مدينة
سفينة يركبها قرصان
ويصبح الانسان في سريره
محاصرا، بالخوف والأحزان
حين يصير الدمع في مدينة
أكبر من ساحة الأجفان
يسقط كل شيئ
الشمس..
والنجوم..
والجبال..
والوديان..
والليل، والنهار، والبحار، والشطآن...
والله..
والانسان..

(4)
حين تصير خُوذة
كالرب في السماء
تصنع بالعباد ماتشاء
تمعسهم..
تهرسهم..
تميتهم..
تبعثهم..
تصنع بالعباد ماتشاء
حين يصير الحكم في مدينة
نوعا من البغاء
ويصبح التاريخ في مدينة
ممسحة..
والفكر كالحذاء
حين تصير نسمة الهواء
تأتي بمرسوم من السلطان
وحبة القمح التي نأكلها
تأتي بمرسوم من السلطان
وقطرة الماء التي نشربها
تأتي بمرسوم من السلطان
حين تصير أمة بأسرها
ماشية تعلف في زريبة السلطان
يختنق الأطفال في أرحامهم
وتجهض النساء..
وتسقط الشمس على ساحاتنا
مشنقة سوداء..

(5)
متى سترحلون؟
المسرح انهار على رؤوسكم
متى سترحلون؟
والناس في القاعة يشتمون..يبصقون..
كانت فلسطين لكم
دجاجة، من بيضها الثمين تأكلون..
كانت فلسطين لكم
قميص عثمان الذي به تتاجرون
طوبى لكم..
على أيديكم أصبحت حدودنا
من ورق..
فألف تشكرون..
على يديكم أصبحت بلادنا
إمرأة مباحة..
فألف تشكرون..

(6)
حرب حزيران انتهت..
فكل حرب بعدها، ونحن طيبون..
أخبارنا جيدة
وحالنا -والحمدلله- على أحسن مايكون...
جمر الناجيل..على أحسن مايكون
وطاولات الزهر - مازالت -
على أحسن مايكون
والقمر المزروع في سمائنا
مدور الوجه، على أحسن مايكون..
وصوت فيروز
من الفردوس يأتي،
"نحن راجعون"
تغلغل اليهود في ثيابنا
و "نحن راجعون"
ناموا على فراشنا..
و "نحن راجعون"
وكل مانملك أن نقوله
"إنا لله لراجعون"

(8)
حرب حزيران انتهت..
وحالنا -والحمدلله- على أحسن مايكون
كتابنا على رصيف الفكر عاطلون
من مطبخ السلطان يأكلون
بسيفه الطويل يصربون
كتابنا، مارسوا التفكير من قرون
لم يقتلوا..
لم يصلبوا..
لم يقفوا على حدود الموت والجنون
كتابنا يحيون في اجازة
وخارج التاريخ يسكنون..
حرب حزيران انتهت..
جرائد الصباح، ماتغيرت
الأحرف الكبيرة الحمراء..ماتغيرت
الصور العارية النكراء..ماتغيرت
والناس يلهثون..
تحت سياط الجنس يلهثون
تحت سياط الاحرف الكبيرة الحمراء..
يسقطون
الناس كالثيران في بلادنا..
بالأحمر الفاقع يؤخذون..

(8)
حرب حزيران انتهت..
وضاع كل شيئ
الشرف الرفيع،
والقلاع، والحصون
والمال، والبنون..
لكننا.. باقون في محطة الاذاعة
"فاطمة تُهدي الى والدها سلامها..."
"وخالد يسأل عن أعمامه في غزة..
وأين يقطنون؟."
"نفيسة قد وضعت مولودها.."
"وسامر حاز على شهادة الكفاءة.."
"فطمئنونا عنكم.."
"عنواننا المخيم التسعون.."

(9)
حرب حزيران انتهت..
كأن شيئا لم يكن..
لم تختلف أمامنا الوجوه والعيون
محاكم التفتيش عادت..والمفتشون..
والدونكشوتين..مازالوا يشخصون
والناس من صعوبة البكاء..
يضحكون..
ونحن قانعون..
بالحرب قانعون.. والسلم قانعون..
بالحر قانعون.. والبرد قانعون..
بالعقم قانعون.. والنسل قانعون..
بكل ما في لوحنا المحفوظ في السماء..
قانعون..
وكل مانملك أن نقوله:
"إنا إلى الله لراجعون"...
احترق المسرح من أركانه
ولم يمت - بعد - الممثلون


نزار
1968
__________________

لا تُجادل الأحمـق..فقد يُخطـئ الناس في التفريـق بينكمـا
الرد مع إقتباس