عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 06-03-2001, 03:59 PM
البازي البازي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 66
Post

الحلقة الثلثة والأخيره من دوافع تقديس القبور

وتبقى التساؤلات:
- ما الذي يدفعهم للاعتقاد في الأضرحة أنها قوة قاهرة وسلطة نافذة ـ وإن اعتبروها (واسطة) و(وسيلة)؟
- لماذا تحولت العلاقة بالرمز من ذكرى واحترام إلى تقديس واعتقاد إلى تعلق وانجذاب؟
إن الذي حملهم على كل ذلك وحمل غيرهم على نظيره هو إشباع (التأله) لدى قلوبهم المحرومة من التأله للإله الحق سبحانه؛ وهذا ما يقرره الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حين يقول: (ومن لم يكن محبّاً مخلصاً لله، عبداً له، قد صار قلبه معبّداً لربه وحده لا شريك له، بحيث يكون الله أحب إليه من كل ما سواه، ويكون ذليلاً له خاضعاً، وإلا استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشياطين... وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه؛ فالقلب إن لم يكن حنيفاً مقبلاً على الله معرضاً عما سواه، كان مشركاً).
ويؤيد القول بأن دافع إشباع التأله هو الذي يحرك القبوريين عدة أمور، منها:
أولاً: إن بعض طقوس القبوريين تعتبر امتداداً لعادات وثنية كانت سائدة في أجدادهم قبل الإسلام، (وأول هذه العادات: تقديس الأولياء، تلك العادة التي لقيت رواجاً سريعاً وعميقاً في نفوس المصريين لارتباطها بطبيعتهم منذ فجر التاريخ، ففكرة تشييد المساجد الجميلة فوق أجساد الموتى وتقديسهم تتصل بجذور الفكر الديني المصري منذ العصر الفرعوني، ولا سند لها في القرآن والسنة ..).
وعلى ذلك نرى أن الطقوس التي كانت تقام داخل معبد الأقصر للإله (آمون) في عصر الفراعنة هي الطقوس ذاتها التي تتبع في مولد (أبي الحجاج الأقصري) والذي يقع ضريحه داخل معبد الأقصر نفسه، وأهم ظاهرة في هذا المولد: تلك المراكب التي يجرها جموع المريدين وسط صيحات التكبير والتهليل، مما يلقي بظلاله على ما كان يحدث في المهرجانات الدينية في عصور الفراعنة؛ حيث كان لمعظم الآلهة عدد من القوارب التي تلعب دوراً رئيساً في طقوس الاحتفالات الدينية، ولعل منشأ كل ذلك عائد إلى التقديس الخاطئ للرموز الإسلامية إضافة إلى القياس الفاسد على من كانوا يعظمونهم في جاهليتهم، فقد يبدأ الأمر بالرغبة في تعظيم الرمز الإسلامي والزعم بأن الأولياء ليسوا بأقل من الذين كانوا يعظمونهم في جاهليتهم، فيعظمونهم بمثل ما كانوا يمارسونه مع معبوداتهم الوثنية.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا معقباً على ما ادعاه أحد مشايخ القبورية في تسويغ اتخاذ القبور والأضرحة واسطة للشفاعة: (هذا عين ما كان يحتج به المشركون الأولون وحكاه الله ـ تعالى ـ عنهم... وهو ما يفعله بعض النصارى عند قبور القديسين)، ثالثاً: إن الاهتمام بالقبور والتوجه إليها تجاوز حواجز الملل والمذهبيات والفرق ليشكل طقساً مشتركاً من طقوس التدين (الباطل) يجتمع عليه القبوريون مع إخوانهم في التأله للمقبورين؛ ففي كثير من الأحيان يمارس القبوريون هذه الطقوس بالاشتراك مع غيرهم ممن أشرنا إليهم.
من أوضح الأمور التي تدل على أن الدافع لدى القبوريين هو إشباع التأله في قلوبهم: تعلقهم بمشخصات لا علاقة لها بالأولياء مطلقاً، بل هي أنصاب وأوثان صريحة، يصرفون إليها مشاعر المحبة والخوف والرهبة والرجاء.. وهذا ما أوقع القبوريين في وثنية صريحة لا خفاء فيها ولا مواربة.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
(1) انظر فتح الباري 3
(5) د.أكرم ضياء العمري، السيرة النبوية الصحيحة، جـ1، ص84.
(6) انظر: السابق، ص83، 84.
(7) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة.
(8) الفوائد، ص44، 45.
(9) د. محمد محمد أبو شهبة، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، جـ1، ص71.
(10) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص 334، وانظر: حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد، لمحمد بن سلطان المعصومي.
(11) ابن القيم، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، جـ1، ص217.
(12) ابن القيم، الفوائد، ص236.

..... والله تعالى أعلم .....