عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 14-08-2001, 02:07 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

رد الأخ أسعد الأسعد

وأما ما يخص التعقيب الذي كتبته فإننا نستطيع من خلاله أن ننتهي إلى أننا متفقون تمام الاتفاق على ضرورة تعيين إمام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ولكننا مختلفين في الاستدلال على هذه الضرورة . فأنت ترى أن الدليل على هذه الضرورة محصور في الأدلة الشرعية بينما أنا أرى أن الأدلة على هذه الضرورة هي أدلة عقلية وشرعية.
وأما تعليقي على ما ورد في تعقيبك السابق فهو كالآتي :

أولا : لقد حكمت بخطأ الاستدلال بالعقل أو المنطق على ضرورة ( الإمامة ) وعلى ضرورة بيانها من قبل الشارع المقدس وذكرت لذلك عدة أسباب فقلت في السبب الأول أن ( العقل أو الفكر هو نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع ) وملاحظتي على كلامك هذا هي أنك أولا جعلت العقل والفكر شيئا واحدا وهما بالطبع ليسا كذلك فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية .. فبالعقل ندرك أن الكل أعظم من الجزء وبالعقل ندرك أن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون في أكثر من مكان واحد في وقت واحد .. فالعقل إذن هو أداة التفكير الأولى .. وأما الفكر فهو حصيلة ما اكتسبه الإنسان من خلال استخدامه للعقل ومن خلال تعلمه وتجاربه.. ثانيا أنك اعتبرت العقل هو عملية ( نقل الواقع إلى الدماغ ) والعقل كما أوضحنا ليس كذلك بل وليس من مهمته ذلك أيضا وإنما هو أداة تعمل كما يعمل الميزان فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير. كما وأنك قلت أن ( التفكير في غير الواقع المحسوس ليس فكرا ولا تفكيرا وإنما هو تخيل وأوهام ) والواقع أن حصرك التفكير في الأمور الحسية في غير محله لأننا نرى العقل يدرك أمورا غير حسية كثيرة فمثلاً نرى العقل يدرك المعاني والمعاني ليست من المحسوسات ولا يقتصر إدراكه للمعاني على معاني الأمور المحسوسة بل يدرك معاني الأمور غير المحسوسة أيضا فيدرك مثلا معنى العدم ولا خلاف بأن العدم من الأمور غير المحسوسة كما أن العقل يدرك أن الأعداد لا نهاية لها ويدرك عدم وجود أكثر من إله ( دون الحاجة إلى أي دليل نقلي ) ويدرك ضرورة أن يكون هناك خالق لكل مخلوق وعلة لكل معلول ويدرك أن هناك أمورا مستحيلة كاجتماع المتناقضين وكل ذلك ليست من الأمور الحسية. لذلك فإن محاولتك إثبات أن مجال العقل هو فقط العالم المحسوس نرى أنها محاولة غير ناجحة. وبما أنك اعتمدت في إثبات عدم قدرة العقل على إدراك ( ضرورة الإمامة ) على هذه المحاولة فإن إثباتك غير قائم.

والغريب أنك تتبنى هذا الرأي فحسب معلوماتي أن الماديين هم الذين يقولون بأن العقل مجاله المحسوسات فقط وقد تم التصدي لقولهم وإثبات فساده حتى خلت الساحات العلمية من هذا القول.

وأما الآيات الكريمة { لا تدركه الأبصار } { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { ليس كمثله شيء } فإنها تـنـزه الله عن إن إمكانية وصفه أو رؤيته عز وجل ولا تنفي وجود ضروريات يحكم بها العقل حتى لو كانت هذه الضروريات متعلقة بالله سبحانه وتعالى وقد يعتبر البعض لأول وهلة أن في هذه العبارة جرأة على الله سبحانه وتعالى ولكن بقليل من التأمل فإن تلك العبارة هي من كمال التوحيد وللتوضيح أذكر هذه الأمثلة :

1ـ العقل يدرك أن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود وأنه قديم وليس محدث.

2ـ العقل يدرك ويقرر أن الله سبحانه وتعالى ليس له جسم لأن لو كان له جسم لكان محدودا ومفتقرا للمكان الذي يوجد فيه والله تعالى غني مطلق غير مفتقر لأي شيء ثم أننا لو قبلنا بقول أن الله مجسم وأنه محدود وأنه محتاج للمكان فإن ذلك يلزمنا بالقول بأن المكان قديم وليس مخلوق والحال أن المكان من المخلوقات ولم يقل أحد خلاف ذلك.

3ـ العقل يقرر أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يصدر منه القبيح كالكذب أو الظلم.
وغير ذلك مما يقرره العقل.

بل لولا هذه الضروريات التي يقررها العقل لما ثبت شيء مما جاء به رسولنا محمد صلى الله عليه وآله لأننا إذا قلنا أن العقل لا يقرر هذه الضروريات ومنها ( نفي الكذب عن الله سبحانه وتعالى ) فإن إمكانية الكذب تبقى قائمة مهما نفاها الله عن نفسه لأنه كلما نفى ذلك عن نفسه يبقى احتمال كونه كاذبا في كل نفي يأتي به .. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وبذلك نقول أن العقل يقرر ويدرك أن الصدق واجب على الله تعالى. والجدير بالملاحظة أننا عندما نقول أن شيئا ما واجب على الله فإننا لا نقولها من باب إصدار الأوامر على الله بل من باب الإقرار بالواقع فعندما نقول يجب على الله الصدق فنحن لا نصدر الأمر على الله بأن يكون صادقا بل هو إقرار بشيء لا يمكن إلا أن يكون.

ذكرت حفظك الله في ( ثالثا ) أن : الاستخلاف بعد موت الرسول صلى الله عليه وآله قياسا على استخلافه لبعض أصحابه على المدينة أثناء غيابه عنها لبينما يرجع من غزواته ليس قياسا شرعيا وإنما هو قياس عقلي وإدراك منطقي ، والقياس العقلي خطأ ولا يجوز.
فأقول تعقيبا على ذلك أن القياس المنطقي ليس خطأ في جميع الأحوال فهناك نوع من القياس المنطقي صحيح ولا غبار عليه وذلك عندما يكون تحت قاعدة الأولى ( بفتح الهمزة ) ومثال ذلك : الآية الكريمة ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ) فإن الآية منعت من قول أف للوالدين وهذا يدل على منع ما هو أعظم من ذلك بمعنى أننا نستطيع القول : بما أن قول أف للوالدين محرم فمن باب أولى أن يكون الصراخ عليهم محرم وكذلك ضربهم وهذا قياس منطقي ولا يعترض عليه أحد. والقياس في الاستخلاف من هذا الباب أيضا.

على أن ضرورة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واضحة عقلا بشكل لا يحتمل أي تشكيك .. فهل يجيز العقل أن تظل الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله دون خليفة ؟ لا أظن أن أحدا لديه أدنى درجات العقل يقول بذلك.

وأما قولك في ( ثانيا ) : تتفاوت العقول في فهم المعالجات ، فكما يمكن أن يتصور العقل معالجة مسألة خلافة الرسول في الحكم بتعيينه من قبل الشارع يمكن أن يتصورها بجعل الأمر للمسلمين يختارون من بينهم من يرضونه خليفة، أو بتشكيل مجلس دائم لاختيار الخليفة، أو بغير ذلك من الحلول والمعالجات ممكنة التطبيق عقلا وفعلا. فلا يستطيع العقل أن يوجب معالجة بعينها على الله تعالى . فالايجاب العقلي للتعيين خطأ من هذه الناحية أيضا.
فإنك بذلك قد أثرت نقطة من نقاط الخلاف الأساسية بين الشيعة والسنة وهي تتعلق بالقول بضرورة العصمة للإمام الذي يخلف الرسول وبيان ذلك هو الآتي :

من المعلوم أن من الضروري أن يكون هناك إمام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ومن المعلوم أيضا أن الله قد فرض علينا طاعته فإذا لم يكن هذا الإمام معصوما فمن الممكن أن يأمرنا بما يخالف شرع الله فإذا حصل منه ذلك وقد أمرنا الله بطاعته فمعنى ذلك أن الله أمرنا بتنفيذ تلك الأوامر المخالفة للشرع.. وقد تقول أننا نستطيع أن لا نطيعه إلا إذا أمر بالحق أما إذا خالف الحق فليس له علينا طاعة.. فأقول ردا على هذا القول أن الإمام العادل عندما يأمرنا بشيء فلابد أنه قد رأى ذلك حقا وصوابا . ولكن في حالة أن أصبح ما يراه الإمام حقا يراه بعض الرعية باطلا كيف بنا أن نميز من هو صاحب الرأي الصحيح ؟ ثم رأي من يكون نافذا ؟ فإن قلت أمر الإمام هو الذي يجب أن يكون نافذا فسوف نقع في نفس الإشكال الذي أوضحناه قبل قليل وهو أنه في حالة كون الإمام مخطئا فسوف تكون النتيجة أن الله قد أمرنا بتنفيذ ما يخالف الشرع ؟ كما وسينتج عندنا إشكال آخر وهو كيف يستطيع أولئك الذين رأوا الإمام مخطئا أن يطيعوه ؟ ألا يعتبر ذلك طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟
أما إذا قلت أمر من خالفه هو الذي يكون نافذا فنكون قد خالفنا رأي الإمام دون أن نجزم بخطئه فنحن لم نجزم بصحة رأي من خالفه .. ثم ماذا لو تعددت الآراء التي خالفت رأي الإمام ولم يتيسر الاتفاق ؟ هل يعمل كل صاحب رأي برأيه ؟ وباختصار فإن الإمام إذا لم يكن معصوما فلن تستقيم الأمور ولن نستطيع أن نطيع الله الطاعة الحقيقية ولن نعرف هل نحن نطيع الله أم نعصيه ..
ومن خلال ما سبق يتضح أن الإيجاب العقلي للتعيين صواب لأن من خلال ما سبق يثبت أن العقل لا يقبل معالجة الخلافة بغير العصمة وحيث أن العصمة محصورة في جهة معينة اختارها الله سبحانه وتعالى فإن الخلافة محصورة في نفس تلك الجهة.
وأما قولك : ( أن الاستعانة بالمنطق لأجل إثبات صحة رأي معين يعتبر دليلا أو مؤشرا إما على افتقار ذلك الرأي إلى الدليل الشرعي أو على ضعف دلالة الدليل الشرعي عليه وإلا فيجب أن يُصار الى الدليل الشرعي نفسه مباشرة دون الحاجة إلى المقدمات المنطقية . فإذا كان الشارع قد عيّن الخليفة من بعد الرسول فيجب أن يؤتى بنص التعيين، فلا حاجة لوضع مقدمات منطقية لأجل اثبات ضرورة وجود نص في التعيين . فالاتيان بنص التعيين يكون هو الدليل على وجوده، وتكون دلالة النص على تعيين الشخص المعين كخليفة من بعد الرسول هي الدليل على تعيينه ).

فتعليقا على ذلك أقول أننا قد أوضحنا أن الاستعانة بالمنطق على دلالة رأي معين من الأمور المقبولة . بل من الثابت أن إثبات وجود الله سبحانه وتعالى ينحصر في الإثباتات العقلية والمنطقية ومعنى ذلك أن الإثباتات العقلية لا تدل على الضعف بل العكس هو الصحيح على أننا لا نحصر أدلة تعـيـيـن الخليفة على العقل والمنطق فقط بل لدينا من الأدلة النقلية ما يكفي لذلك سواء من القرآن أو السنة وقد ذكرت لك في مشاركتي السابقة بعض تلك الأدلة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك أيها الأخ العزيز ولجميع المؤمنين والمؤمنات وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله