عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 06-11-2006, 11:33 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

نشأة الديمقراطية الحديثة :

في العصور الوسطى، حيث كان ي الحكم في ممالك صغيرة في أغلبها، ملوك يحيط بهم رجال وفرسان يستفيدون من حالة الحكم ويتمتعون بامتيازات استثنائية، كان الأمراء أو الفرسان الأوروبيون عندما تعجبهم امرأة فإنهم يأخذونها من زوجها، أو أهلها إن لم تكن متزوجة، وإن أعجبهم بستان أو منزل فإنهم يستولون عليه، وبقي الحال هكذا حتى بدأ عصر النهضة الصناعية، وتوسعت المستعمرات، وتداخلت الطبقات الاجتماعية.

يرجع الفضل الأول في تأسيس الديمقراطيات التي تمر بها المجتمعات الغربية، الى (شارل مونتسكيو1689ـ 1755) ، وقد حاول هذا الفرنسي الذي كان والده قاضيا في (بوردو) ثم تولى هو رئاسة محكمة (بوردو) فيما بعد، وقد كان ظريفا محبا للأدب يكتب باسم مستعار، حتى يخلص من حرج انتماءه للطبقة الأرستقراطية، وينتقد النظام الأوروبي بشكل عام في عدة مقالات، من بينها الرسائل الفارسية ..

لقد كان (مونتسكيو) متواضعا في طلباته التي تضمنتها الرسائل والأعمال الكتابية فيما بعد، فلم يطمح أن يكون هناك عدل مطلق، بل كان يدعو الى التقليل من عدم المساواة في قدر الإمكان.. ثم تطورت كتاباته مع تصاعد حالات السحق الإنساني التي كان السكان يتعرضون لها من خلال انتقالهم من الصناعة والإنتاج البيتي (المنزلي والفردي) الى المصانع تحت إدارة أرباب عمل ظالمين ..

ويمكن تلخيص أهدافه التي تضمنتها كتاباته، والتي اعتمدت الكثير منها الأمم المتحدة في مواثيق حقوق الإنسان بما يلي :

1ـ مبدأ فصل السلطات: وهو المبدأ الذي نص عليه البند16من إعلان حقوق الإنسان ( إن كل مجتمع لا تكون فيه حقوق الإنسان مضمونة أو فصل السلطات فيه غير محدد هو مجتمع بلا دستور) .. لقد أراد (مونتسكيو) أن لا تتجمع الإرادة السلطوية بالمجتمع بيد فرد واحد، كما لم يطالب بفصلها نهائيا عن بعض بل أراد أن يصنع انسجاما فيما بينها .. وواضح أن الرجل لم يتخلص من ماضيه الأرستقراطي بل حاول مزاوجة أفكاره الرافضة مع ارتباطاته الوجدانية بماضيه.

2ـ الأجسام الوسيطة: كان مونتسكيو يعتقد بالفائدة الاجتماعية والأخلاقية للأجسام أو الهيئات الوسيطة، وكونه أصبح فيما بعد رئيسا لبرلمان بوردو، فقد حاول التركيز على الجانب الأخلاقي في إعطاء الملك صلاحيات أوسع للنواب، كما أنه وهو يطالب بذلك لم يكف عن تفاخره بانتمائه لطبقة النبلاء..فكان يردد إن الملك والنبلاء بعلاقة متلازمة فلا وجود لأحدهما دون الآخر ..

3ـ اللامركزية : تشكل توازنا ضد الاستبداد ..

4ـ الأخلاق: كان يكرر قول ( يجب أن لا نفعل بواسطة القوانين ما يمكن فعله بواسطة الأخلاق) .. فكانت دعوته تنصب على تغذية المثل والأخلاق وإثارة الهمم الطيبة لطرفي المجتمع ( الحاكم والمحكوم ) .. وكان ضد إصدار الكثير من القوانين .. وهو الذي قال ( لا يجوز قتل مواطن أو الاستيلاء على ممتلكاته دون قانون، ولا يجوز وضع قانون دون إشراك ممثلي الشعب في وضع القانون وهي تلخيص لفكرة الديمقراطية الحديثة .

5ـ لم تتضمن أفكار مونتسكيو كما أسلفنا شيئا ثوريا، بل عاش في عصر البرجوازية الصاعدة وتبنى أفكارها، فقد ميز بين الشعب والرعاع، وأكد أن المساواة المطلقة لا وجود لها بتاتا .. لذا فكان حق التصويت في الانتخابات مقتصرا على الملاك والنبلاء والقادرين على فهم فلسفة الحياة، وطالب بإبعاد حق التصويت عن ما دون ذلك كونهم لا يستحقون هذا الشرف..

نلاحظ في هذا الكلام أنه جاء نتيجة تفاعل متناغم مع الحركة الحضارية، ففي عصر (الأنوار) ازدهرت فلسفات وكتابات القومية والاقتصاد والسياسة، وظهر منها مدارس كثيرة، كل مدرسة تتبنى رؤى الوسط الذي كانت تعيش فيه، فظهر مفكرون بالاقتصاد والاجتماع مثل (آدم سميث) و(جون ستيوارت مل) و(روبرت أوين) و(فولتير) و (جان جاك روسو) و (فيخته) و( نيتشة) و (نجلز) و (كارل ماركس) فيما بعد ..

وكل ذلك كان يصب في تصريف شكل الحياة التي كانت تتخلق بوجود التغيير الصناعي والاستعماري، تماما كمن يصنع سيارة ويعدل على أخطاءها بعد مراقبة مسيرها في كل مرحلة .. ونقول هذا الكلام لنؤكد على أن وصول الغرب لما وصلوا إليه ـ بغض النظر عن رؤيتنا له ـ كان يتم على هامش مسألة معروفة اقتصاديا باسم ( علاقات الإنتاج) ..

وهذا ما سنتناوله في المرة القادمة ..
__________________
ابن حوران