عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 25-11-2006, 04:54 AM
osman hassan osman hassan غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2006
المشاركات: 27
Exclamation


والحالة الثالثة في التعطيل
معطل معذور لا يستطيع تحكيمه في الناس لعدم القدرة او المفسدة الراجحة ، او الجاهل بحكم ذلك، قال شيخ الإسلام في المجلد 19 من الفتاوى : فدلت هذه النصوص على انه لا يكلف نفسا ما تعجز عنه.
ومنه قوله ص 216 : وهذا فصل الخطاب في هذا الباب فالمجتهد المستدل من امام وحاكم وناظر وغير ذلك : فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله اياه وهو مطيع لله مستحق للثواب اذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله البتة خلافا للجهمية المجبرة وهو مصيب بمعنى انه مطيع لله ) الى قوله : وكذلك الكافر : من بلغته دعوة النبي r في دار الكفر وعلم انه رسول فأمن به وامن بما انزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره ، ولم تمكنه الهجرة الى دار الإسلام ولا التزم شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من اظهار دينه ، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام فهذا مؤمن من اهل الجنة كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت امرأة فرعون ، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع اهل مصر فانهم كانوا كفار ولم يمكنه ان يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام فانه دعاهم الى التوحيد والايمان فلم يجيبوه، قال تعالى عن مؤمن آل فرعون : ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ) وكذلك النجاشي هو وان كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في دخول الإسلام بل انما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه فصلى عليه النبي r بالمدينة خرج بالمسلمين الى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه واخبر بموته يوم مات وقال : ان اخا لكم صالحا من اهل الحبشة مات وكثير من شرائع الإسلام او اكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روي انه لم يصلي الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية لان ذلك كان يظهر عند قومه فينكرون عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا انه لم يكن يمكنه ان يحكم بينهم بحكم القرآن والله قد فرض على نبيه انه اذا جاءه اهل الكتاب لم يحكم بينهم الا بما انزل الله اليه وحذره ان يفتنوه عن بعض ما انزل الله اليه وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع والنفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك .
والنجاشي ما كان يمكنه ان يحكم بحكم القرآن فان قومه لا يقرونه على ذلك . وكثيرا ما يولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل واماما . وفي نفسه امور من العدل يريد ان يعمل بها فلا يمكنه ذلك . بل هناك من يمنعه ذلك . ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما اقام من العدل بانه سم على ذلك . فالنجاشي وامثاله سعداء في الجنة وان كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالاحكام التي يمكنهم الحكم بها - الى قوله عن الذين تخلفوا في مكة عن الهجرة قال : فأولئك كانوا عاجزين عن اقامة دينهم فقد سقط عنهم ما عجزوا عنه. انتهى
كما قال شيخ الإسلام ص 227 : وهذا يطابق الاصل الذي عليه السلف والجمهور : ان الله لا يكلف نفسا الا وسعها : فالوجوب مشروط بالقدرة والعقوبة لا تكون الا على ترك مأمور او فعل محظور بعد قيام الحجة. انتهى.
فالحاكم العاجز عن تحكيم الشرع او بعضه فانه لم يكن اصلا مكلف بما لا يطيق ، اذ ان التكليف معلوم انه يكون بعد الاستطاعة بل والسعة في ذلك ، لقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) فمن لم يكن مستطيع لفعل امر ما لم يقم الوجوب في حقه الا عند الاستطاعة ، بل لا يقال عنه مغفور ذنبه لانه لم يكن ذنب ، وانما يقال سقط عنه الوجوب والتكليف ، اذ ان الوجوب مقرون بالاستطاعة، ومن عجز عن شئ لم يجب عليه الفعل .
اما عدم القدرة شئ نسبي يختلف من شخص لاخر فلا يمكن الجزم بان ذلك حاكم قادر على الفعل ولم يفعل ، ربما هناك امور لا يدريها العامة خاصة المسائل السياسية والامنية والعسكرية ، فيها أسرار لا يمكن شرحها فربما فيها عجز يجعل الحاكم يترك امرا شرعيا وهو كاره لذلك ، كما ترك على رضي الله عنه المطالبة بدم عثمان رضي الله عنه لامور يهدف منها استقرار الوضع العام وهو محل ثقة ولا يتهم في دينه وهو من المبشرين بالجنة.
وقد عطل عمر رضي الله عنه حد السرقة في عام الرمادة ، للظروف التي طرأت على المجتمع حيث يجد الناس القطع اقل من شر الموت للاطفال بالجوع.
ومن ذلك ان عثمان رضي الله عنه اتم الصلاة في الحج وهو يعلم القصر لكن الوقت كان بعد حروب الردة والناس الجدد والبعيدين من العوام في شكوك فخشي ان يقال عثمان غير في الصلاة فلم يقصر. اما ما يعجز عنه حكام المسلمين اليوم فهو كثير ومعلوم بانه لا يمكنهم فعل الكثير ونحن في اخر الزمان ، كما جاء في ذلك احاديث تفيد النجاة لكثير ممن عجزوا عن اقامة دينهم، ففي الحديث مخاطبا اصحابه r قال : انكم في زمان من ترك فيه عشر ما امر به هلك ، ثم ياتي على الناس زمان من عمل فيه بعشر ما امر به نجا. رواه الترمذي رقم 2218.
وايضا حديث : وا شوقاه لاخواني قالوا : اولسنا اخوانك يارسول الله ، قال : بل انتم اصحابي ولكن اخواني الذين لم يأتوا بعد ، للعامل منهم اجر خمسين، قالوا منا ام منهم ، قال بل منكم قالوا لم او بم يارسول الله ، قال : فإنكم تجدون على الخير اعوانا ولا يجدون على الخير اعوانا. ذكرها الشاطبي في الاعتصام ، وورد في جامع الاصول بعدة روايات.
و كلام شيخ الإسلام السابق يبين خلاصة فهم مشايخ اهل السنة في عذرهم للحاكم العاجز عن اقامة احكام الشريعة سواء بعضها او غالبها ، والله حسيبه في ذلك، كما ان الموضع الهام بيانه بانهم يحكمون بما يمكنهم من الاحكام في حالة العجز عن امور شرعية.
وايضا في بيانه لحكم العامل مع التتار من القضاة وغيرهم فيه رد على من يحرمون العمل مع حكام المسلمين الذين لم يقيموا الحدود ، وان غالب حكام المسلمين اليوم فيهم من الخير ما يفضلهم على التتار بل وبعضهم من اهل الاحسان ومفاتيح للخير ، ومن اهل التوحيد والسنة ومع هذا فان ادعياء الدين يدعون الى الخروج عليهم سرا او علنا مما يفيد بانهم جهلاء بانزال الاحكام على الافعال، وانهم من الخوارج.
وقال شيخ الإسلام في موضع اخر يبين فيه عذر الحاكم في ارتكاب بعض المحرمات التي لا يمكن السلامة منها فقال ص 55 ج 20 : (اذا كان المتولي للسلطان العام او بعض فروعه كالامارة والولاية والقضاء ونحو ذلك ، اذا كان لا يمكنه اداء واجباته وترك محرماته ، ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصدا وقدرة : جازت له الولاية ، وربما وجبت - الى قوله : بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم ، ومن تولاها اقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها ودفع اكثره باحتمال ايسره كان ذلك حسنا مع هذه النية ، وكان فعله مما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو اشد منها جيدا. ومن هذا الباب تولى يوسف الصديق على خزائن الارض لملك مصر . بل ومسالته ان يجعله على خزائن الارض وكان هو وقومه كفارا كما قال تعالى : (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فمازلتم في شك مما جاءكم به ، الاية ، وقال تعالى عنه : ( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار ؟ ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ) الاية ومعلوم انه مع كفرهم لا بد ان يكون لهم عادة وسنة في قبض الاموال وصرفها على حاشية الملك واهل بيته وجنده ورعيته ، ولا تكون تلك جارية على سنة الانبياء وعدلهم ، ولم يكن يوسف يمكنه ان يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فان القوم لم يستجيبوا له ، لكن فعل الممكن من العدل والاحسان ، ونال بالسلطان من اكرام المؤمنين من اهل بيته ما لم يكن ان يناله بدون ذلك . وهذا كله داخل في قوله ( واتقوا الله ما استطعتم)
الى قوله في بيان قواعد التعارض حيث قال : وكذلك اذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما الا بفعل ادناهما ، لم يكن فعله الادنى في هذه الحالة محرما في الحقيقة وان سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الاطلاق لم يضر، ويقال في هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة ، او دفع الضرر او لدفع ما هو احرم . . الى قوله : وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الازمنة والامكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة . فان هذه المسائل تكثر فيها ، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ، ووجود ذلك من اسباب الفتنة بين الامة فانه اذا اختلطت الحسنات والسيئات وقع الاشتباه والتلازم . فأقوام قد ينظرون الى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وان تضمن سيئات عظيمة ، واقوام قد نظروا الى السيئات فيرجحون الجانب الاخر وان ترك حسنات عظيمة ، والمتوسطون الذين ينظرون الى الامرين ، قد لا يتبين لهم او لاكثرهم مقدار المنفعة والمضرة او يتبين لهم فلا يجدون من يعنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات لكون الاهواء قارنت الآراء ، ولهذا جاء في الحديث : ان الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات. فينبغي للعالم ان يتدبر انواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضها ـ كما بينته فيما تقدم العفو عند الامر والنهي في بعض الاشياء. لا التحليل والاسقاط. مثل ان يكون في امره بطاعة فعلا لمعصية اكبر منها ، فيترك الامر بها دفعا لوقوع تلك المعصية.) انتهى.

ومن معتقدات الخوارج : التكفير بالكبيرة ولكن ليس كل فرقهم على ذلك ، ومن لم يفعل ذلك منهم لا يعني سلامته من الانتساب للخوارج ، لان مشاركته لهم في الضلال الاخر من التكفير والقتال والخروج على الحكام وغيره تكفي لدخوله في حكم الخوارج.