عرض مشاركة مفردة
  #36  
قديم 12-07-2003, 08:56 AM
صلاح الدين القاسمي صلاح الدين القاسمي غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: افريقية - TUNISIA
المشاركات: 2,158
Post مسألة جليلة في التوسل ( 1 )

بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك و رسولك النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم .
_____________

نظرا لأن الجماعة المنكرة للتوسل ...قد هربوا من مناقشة هذا الموضوع بعدما أوردنا لهم موثقا كلام شيخهم القدوة ابن تيمية الذي يرى بجواز التوسل ...

...سأنقل هنا للإخوة الذين يرجون الفائدة الشرعية الصحيحة في مسألة التوسل ، مقالة تعبر عن راي أهل السنة و الجماعة الحقيقيين في ذلك .

_________________

َمسْأَلة جَليلة في التَّوسُّل والوَسيلة
قَالَ اللهُ تَعَالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ" فَالخِِطابُ هُنَا للمُؤمنينَ الذِّين صَدَّقُوا اللهَ ورَسُولَهُ فيمَا أتَاهُم بِهِ رَسُولُ الله صلَّى اللهُ عَليه وسَلَمَ ِمن ِعندِ الله عزَّ وجَلَّ، وقَوْلُهُ " اتَّقوا اللهَ" يَقُولُ أجيبُوا الله فيمَا أمَرَكُم ونَهَاكُم، وحقِّقوا إيمَانَكُم وتَصديقَكم بِالصَّالِح ِمن أعمَالِكُم، "ابْتَغُوا إليه الوَسيلةَ" يقُول اطلُبُوا القُربَة إليهِ بالعمَل بِمَا يُرضيه، وأمَّا لفظُ الوَسيلَة يُرَادُ بِهِ ثَلاَثُ أمُورٍ، وهي كالأصُول يَتَفرَعُ عَنْهَا جَميعُ أنواع التَّوسُّل المَشْروعة.
الأمرُ الأوَّل:
يُرَادُ بِهَا القُربة، فَعنْ العلاّمة ابن جَرير الطَّبريّ رَحِمَه الله في كِتَابِه "جَامعُ البَيَان في تَفسير القرآن"، عندَ شَرحِهِ لهَذِهِ الآية قَالَ" الوسيلةُ هي القُربِة"، وبِنحو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَال أهْلُ التَأويل؛ فَعنْ مُجَاهد "وابتَغوا إليهِ الوَسيلة" قَالَ " هي القُربة". وعَن السَّدي "وابتَغُوا إليهَ الوَسيلة" قَال " هي المسألة والقُربَة"، وعَن قتَادة "وابتَغُوا إليهِ الوَسيلَةَ" أي تَقَرَّبُوا إليهِ بِطَاعتِهِ والعَمَلُ بما يُرضيه، وعن الحَسَن في قَولِهِ "وابتَغُوا إليه الوَسيلة" قَال"القُربة"؛ هذا مَا جَاء في التَفسير المُطَوَّل للطَّبري.

الأمْرُ الثَاني:
الوسيلة هي أعلى مَنِْزلة في الجنَّة، وهي مَنِزلةُ سيِّدنَا مُحَمَّد صلّى اللهُ عَليه وسَلَّمَ والدَّليل على ذَلك قولهُ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ" ...... سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعتي". [1]

الأمرُ الثَالث:
الوسيلةُ هي مَا يُتوصَّلُ بِهِ إلى تَحصيل المَقصُود؛ قَال ابنُ كثير في تَفسيره لهذه الآية: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ" هي التي يُتَوصَّلُ بِهَا إلى تَحصيل المَقصود، أي كل مَا هُوَ مَحبوب ِعندَ اللهِ ومَشْروع بِكتَابِهِ وسُنَّةِ نَبيِّهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ يَجُوزُ التَّوسُّلُ بِهِ ولا حَرَج. فقولُنَا كُلُّ مَا هُو مَحبُوبُ ِعند الله ومَشروع بِكتَابِهِ وسُنَّةِ رَسُولهِ يَجُوزُ التَّوسُلُ بِهِ، نعني بِذلك جَوازُ التَّوسُّل بِهِ؛ نَعني بِذَلكَ جَوَازُ التَّوسُّلُ بِالخَلقِ ولكِنْ على شَرطِ أنْ يَكُونَ ذَلك التَّوسُّلُ في حُدُودِ الشَّرع الكريم، والخلقُ صَنْفَان جَوْهرِّيٌ وعَرَضي، فَالجَوهري ِمثلُ الأنْبياء والمُرسَلين عليهم صلوَاتُ اللهِ وسَلاَمُهُ أجمَعين، وكذا الأوليَاءُ والصَّالحين رضوَانُ اللهِ عليهم، والعَرضي ِمثلُ أعمَال بَني آدم فإنَّها مَخْلوقةٌ بنصِّ القرآن الكريم لقَولِهِ تَعالى:" واللهُ خَلَقَكُم ومَا تَعمَلُون". وبهذا النَّصِّ القرآني تَكُونُ الأعمَالُ مَخْلوقة كسَائر المخلُوقَات، وبِالصَالح ِمنْها يَجُوزُ التَّوسُّل كَمَا يَجُوزُ بالصَّالح منَ العِبَاد.
َ
ومن الأدِّلَّة على جَواز التَّوسُّل بِمَا قُلنَاهُ؛ مَا جَاء عَنْ عُمرَ بن الخطَابِ - رَضي اللهُ عَنْهُ - قَال:" قَالَ رسُولُ الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ لَمَّا أذنَبَ آدمُ الذَنْبَ الَّذي أذْنَبَهُ رَفَع رَأسَهُ إلى العَرش فقَال أسألُكَ بحقِّ محمَّد صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ إلاَّ غَفرتَ لي فَأوحى إليهِ ومَن محمَّد صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ فقَال تَبَاركَ اْسمُك لَمَّا خَلقتَني رَفعتُ رَأسي إلى عَرشِك فإذَا فيه مَكتُوبٌ لا إلهَ إلاَّ الله مُحمَّد رَسُولُ الله فَعَلمتُ أنَّهُ ليسَ أحدٌ أعظَمُ قَدرًا ِممَّنْ جَعلتَ اسمَهُ مَعَ اسمك، فَأوحى اللهُ إليهِ يَا آدَمُ إنَّهُ آخِرُ النبيين ِمنْ ذُرِّيَّتِكَ وإنَّ أُمَّتَهُ آخِرُ الأُمَم ِمن ذُرِّيَّتِكَ ولَولاهُ يَا آدَمُ مَا خَلقتُكَ". [2]
قال حَاكم صحيح الإسناد، ورَواهُ البيهقي في كِتَابِه ِ"دلائل النُبُوَّة" وقَال صحيحُ الإسنَاد.

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلاً أعمَى أتَى إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكشِفَ لي عَنْ بَصري قَال أوَ تَصبِر، وفي ِروَاية أوَ أدَعُكَ، قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنَّهُ شَقَّ عَليَّ ذَهَابُ بَصَري قَالَ فَانطَّلِقْ فَتَوَضَّأ ثُمَّ صَلِّ رَكعَتَين ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أسأَلُكَ وأتَوَجَّهُ إليكَ بِنَبِّيكَ مُحَمَّد نَبِّي الرَحمَة يَا مُحَمَّد إنِّي أتَوَجَّهُ بِكَ إلى رَبِّي في حَاجَتي لِتُقْضَى. الَّلهُمَّ شَفِّعهُ في . فَرجَع وقَد كَشَفَ اللهُ عَنْ بَصره". [3]

ولَقَدْ ثَبتَ العَمَلُ بِهَذَا الحَديث بَعد وَفَاةِ النَّبي صلَّى اللهُ عَليه وسَلَّمَ وذَلِكَ أنَّ رَجُلاً كَانَ يَخْتَلِفُ إلى عُثْمَان بنِ عَفَّان - رَضي اللهُ عَنْهُ - في حَاجِةٍ لَهُ وكَانَ عُثْمَان لا يَلتَفِتُ إليهِ ولا يَنظُرُ في حَاجَتِهِ، فَلقي عُثمَانَ بنِ حَنيف فَشَكا ذَلكَ إليهِ فَقَالَ لَهُ عُثمَانُ بنِ حَنيف: إئتِ المَيضأةَ فَتَوضَّأ، ثُمَّ إئتِِِ المَسجِدَ فَصلِّ فيهِ رَكعَتين ثُمَّ قُلْ: الَّلهُمَّ إنِّي أسألُكَ وأتَوَجَّهُ إليكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ نَبِّي الرَّحمَة يَا مُحَمَّد إنِّي أتَوَجَهُ بِكَ إلى ربِّي فَيَقضي حَاجَتي وتَذَكر حَاجَتَك ورُحْ إليَّ حتىَّ أروحَ مَعَكَ، فَانطَلقَ فصَنعَ مَا قَال لَهُ ثُمَّ أتَى بَابَ عُثمَان بنِ عَفَّانَ فَجَاء البَوَابُ حتَّى أخَذَ بِيَدهِ فأدخَلَهُ على عُثمَان بنِ عُفَّان فَأجلَسَهُ مَعَهُ على الطُّنْفَسَةِ، وقَالَ مَا حَاجَتُك؛ فذَكَرَ حَاجَتَهُ فَقَضاهَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ مَا ذَكرتُ حَاجَتكَ حتَّى كانت هذه السَّاعة، وقَال مَا كَانتْ لكَ ِمنْ حَاجَةٍ فَأتِنَا، ثمَّ إنَّ الرَّجلَ خَرجَ منْ عِنَدِهِ فَلقيَ عُثمَانَ بن حَنيف فَقَالَ لهُ "جَزاكَ اللهُ خَيرًا مَا كَانَ يَنظُرُ في حَاجتي ولا يَلتَفتُ إليَّ حتَّى كَلَّمتَهُ فيَّ، فقَال عُثمَانُ بن حَنيف واللهِ مَا كَلَّمتهُ، ولكِنْ شَهدتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهِ عَليه وسَلمَ وقَدْ أتَاهُ رَجُل ضَريرٌ فشَكا إليهِ ذَهَابَ بَصَره فَقَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهِ عَليهِ وسَلَّمَ أوَ تَصبر فقَالَ يَا رَسوُل اللهِ إنَّهُ لَيس لي قَائد وقَد شَقَّ عليَّ، فقَال لهُ صلَّى الله عَليهِ وسَلَّمَ إئتِ المَيضأةَ فَتَوضأ ثُمَّ صَلِّ رَكعتين ثُمَّ ادْعُ بهذِهِ الدَّعوات، فَقَال عُثمَانُ بن حنيف:" فَواللهِ مَا تَفَرَّقنَا، وطَال بِنَا الحَديثُ حتَّى دَخَلَ عَلينَا الرجُلُ كَأنَّهُ لمْ يَكُنْ بِهِ ضرٌّ قَط؛ قَال الطَبَراني، بعد ذِكِْر طُرقِهِ، والحديث صَحيح.

وعَن بِلال - رَضي اللهُ عَنْهُ - مُؤذِّنُ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ قَالَ كَان رَسُولُ الله صَّلى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ إذا خَرَجَ إلى الصَّلاَة قَالَ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وبِحَقِّ مَخرَجِي هذَا فإنِّي لَمْ أخرُج بَطرًا وَلا أشِرًا ولا ِريَاءً ولا سُمْعةً خَرجتُ أبتَغي مَرْضَاتِك واتِّقَاء سَخَطِكَ أسألُك أنْ تُعيذَني ِمنَ النَّار وأنْ تُدخِلني الجنَّة وكانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يُعَلِّمُ هَذا الدُّعَاء أصْحَابَهُ ويَأمُرَهُم بِالإتيَان بِهِ؛ فَقد رَوى ابنُ مَاجة بِإسنَاد صَحيح عَنْ أبي سَعيد الخُدري - رَضي اللهُ عَنْهُ - قَال:" قَال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ مَنْ خَرَجَ ِمنْ بَيتِهِ إلى الصَّلاَة فَقَال: الَّلهُمَّ إنِّي أسألُكَ بِحَقِّ السَّائلينَ عَليكَ وأسألكَ بِحَقِّ مَمْشَايَِ هَذا إليكَ فَإنِّي لَم أخْرُج أشَرًا ولا ِريَاءً ولاسُمعَةً، خَرَجتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ وابتِغَاءَ مَرضَاتكَ فأسأَلُكَ أنْ تُعيذَني ِمنَ النَّار وأنْ تَغفِرَ لي ذُنُوبي فإنَّهُ لا يَغفِرُ الذُنُوبَ إلاَّ أنْتَ، أقْبَلَ اللهُ عَليهِ بِوَجْهِهِ واستغفَرَ لَهُ سَبعُونَ ألفَ مَلِك".

ورَوى البَيهَقي وابنُ أبي شَيبَة بإسنَاد صَحيح " أنَّ النَّاسَ أصَابَهُم قَحَط في خِلافةِ عُمَرَ - رَضي اللهُ عَنْهُ - فَجَاء بِلالُ بنِ الحَارث - رَضي اللهُ عَنْهُ - إلى قَبر رَسُول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ وقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ استَسقِ لأمَّتِكَ فَإنَّهُمْ هَلَكوا، فَأتَاهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ في المَنَام فَأخْبَرَهُ أنَّهُم يُسقَون". فَإتيَانُ هذا الصَحَابي الجليل لقبِر النَّبي صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَمَ ونِدَاؤُهُ لَهُ وطَلَبهُ أنْ يستَسقي لأمَّتِهِ دَليل على أنَّ ذَلكَ جائز، وهُوَ مَوضعُ الاستدلال بِعَمل هذا الصَّحابي على صِّحةِ التَّوسُّل بِهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ سَواء في حَيَاتِهِ أو بعد وفَاتِهِ، وقَد تَوَسَّلَ بِهِ أبُوهُ آدم قَبْلَ وجُودِه صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ حينَ أكَل ِمنَ الشَّجَرَة الَّتي نَهَى اللهُ عَنْهَا، كَما تَقدَّمَ في الحديث. وقَد ثبتَ أيضًا التَّوسُّلُ بِهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ في قِصَّةِ الرَّجُل الَّذي كَانَ يَختَلفُ إلى عُثمَان بنِ عَفَّان - رَضي اللهُ عَنْهُ - في حَاجَةٍ لَهُ، وأنَّهَا لَمْ تُقض إلاَّ بَعد التَّوسُّل بِهِ صلَّى الله ُعَليه وسَلَّمَ وكذا قِصَّةُ بِلال بن الحَارث - رَضي اللهُ عَنْهُ - أنَّهُ لَمَّا أصَابَ النَّاسَ قَحطٌ في خِلافةِ عُمَرَ - رَضي اللهُ عَنْهُ - أتى إلى قَبِر النَّبيِّ صلَّى الله ُعَليهِ وسَلَّمَ وتَوَسَّلَ بِهِ قَائلاً:" يَا رَسُولَ الله استَسق لأُمَّتِكَ فَإنَّهُم هَلَكُوا فَأتَاهُ رَسُولُ اللهِ في المَنَام وأخْبرَهُ أنَّهُم يُسقَونَ".

________

يتبع بإذن الله تعالى .