عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 09-04-2006, 05:12 AM
المصابر المصابر غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 3,304
إرسال رسالة عبر ICQ إلى المصابر إرسال رسالة عبر MSN إلى المصابر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى المصابر
إفتراضي


وهذه أساليب قديمة قدم التاريخ يستخدمها الأذكياء للتدليس على الناس ولتمرير معتقداتهم وقناعاتهم في الخير أو الشر ، ولنضرب مثالاً من السيرة :

فلما قاطعت قريشٌ بني هاشمَ وكتبت تلك الصحيفة الجائرة الظالمة وعلقتها على الكعبة ، ومر عامان أو ثلاثة أعوام عليها ، حتى كان المحرم من سنة عشر من النبوة ، فنقضت الصحيفة وفك الحصار ، وكان القائم بذلك هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤى ـ وكان يصل بني هاشم في الشعب مستخفيًا بالليل بالطعام :

وكان من أمره انه ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومى - وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب - وقال‏:‏ يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وأخوالك بحيث تعلم‏؟‏
فقال‏:‏ ويحك، فما أصنع وأنا رجل واحد‏؟‏ أما والله لو كان معى رجل آخر لقمت في نقضها،
قال‏:‏ قد وجدت رجلًا‏.‏
قال‏:‏ فمن هو‏؟‏ قال‏:‏ أنا‏.‏
قال له زهير‏:‏ ابغنا رجلًا ثالثًا‏.‏
فذهب إلى المطعم بن عدى، فذكره أرحام بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف، ولامه على موافقته لقريش على هذا الظلم، فقال المطعم‏:‏ ويحك، ماذا أصنع‏؟‏ إنما أنا رجل واحد،
قال‏:‏ قد وجدت ثانيًا،
قال‏:‏ من هو‏؟‏ قال‏:‏ أنا‏.‏
قال‏:‏ ابغنا ثالثًا‏.‏
قال‏:‏ قد فعلت‏.‏ قال‏:‏ من هو‏؟‏
قال‏:‏ زهير بن أبي أمية،
قال‏:‏ ابغنا رابعًا‏.‏
فذهب إلى أبي البخترى بن هشام، فقال له نحوًا مما قال للمطعم، فقال‏:‏ وهل من أحد يعين على هذا‏؟‏
قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ من هو‏؟‏
قال زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدى، وأنا معك،
قال‏:‏ ابغنا خامسًا‏.‏
فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم، فقال له‏:‏ وهل على هذا الأمر الذي تدعونى إليه من أحد‏؟‏
قال‏:‏ نعم، ثم سمى له القوم، فاجتمعوا عند الحَجُون، وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة، وقال زهير‏:‏ أنا أبدأكم فأكون أول من يتكلم‏.‏
فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير عليه حلة، فطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس، فقال‏:‏ يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم‏؟‏ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة‏.‏
قال أبو جهل ، وكان في ناحية المسجد‏:‏ كذبت، والله لا تشق‏.‏
فقال زمعة بن الأسود‏:‏ أنت والله أكذب، مارضينا كتابتها حيث كتبت‏.‏
قال أبو البخترى‏:‏ صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقر به‏.‏
قال المطعم بن عدى‏:‏ صدقتما، وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها‏.‏
وقال هشام بن عمرو نحوًا من ذلك‏.‏
فقال أبو جهل‏:‏ هذا أمر قضى بليل، وتُشُووِر فيه بغير هذا المكان‏.‏

فانظروا إلى أبا جهل – على كفره – كيف فطن إلى هذا الأمر ، وانظروا ذكاء ناقضي الصحيفة : كيف استطاعوا أن يغيروا وجهة النظر العامة لما بدأوا بالكلام واتفقوا في الرأي متتابعين معلنين بقوة ما يعتقدون ، فما وسع الناس إلا اتباعهم .. وفي هذه القصة دروس وعبر كثيرة تنم عن علم القوم بأساليب الدعاية والإقناع وكسب الرأي العام وإضعاف الرأي المعارض ..

إن في القرآن وفي سيرة الأنبياء والصالحين الكثير من هذا ، وإن كانت هذه الفطنة عند كفار قريش : فما بالكم بالمسلمين الذين يقرأون كلام الله ويتدبرونه وينهلون من معين النبوة !!

هذه الطرق الخبيثة التي تنتهجها أجهزة المخابرات المحلية والعالمية يراد بها : شق الصفوف ، وزرع الفتنة بين المسلمين ، والتشكيك في المخلصين من المجاهدين ومن يعاونهم من الأفراد والمؤسسات ، ويكفي مجرد التشكيك لإضعاف وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم أو مجرد تقليل حماسهم لها ..

أما كيفية التصدي لهذه السلبيات ، فأقول :

أولاً : ينبغي التسلح بالعلم الشرعي والإكثار من مطالعة كتب السلف (خاصة مواضيع الساعة : كالولاء والبراء وفقه الجهاد وأحكام المرتدين) ، فكثير من العواطف تخبوا والثوابت تنصهر في نيران الشك ، فينبغي إطفائها بماء العلم .. وفي الشبكة الكثير من المكتبات الإسلامية والكتب العلمية والبحوث التي يستطيع الإنسان الإنتفاع بها .. وأود أن أنبه هنا بأن نقل الكتب إلى الشبكة وتيسير وصول المسلمين إليها هو من باب نشر العلم الذي نسأل الله أن ينفع به الإنسان بعد موته ، فعلى من ينقل هذه الكتب الإعتناء بها وبجوهرها ومظهرها حتى تحصل الفائدة المرجوة منها ، فلو أن إنساناً قضى أياما بل أشهر في تصفيف كتاب وترتيبه لكان في ذلك خير كثير وأجر جزيل إن شاء الله ..

ثانياً : ينبغي الإلتزام بآداب الإسلام لمن أراد حقاً نُصرة الإسلام والمسلمين ، فالكلام في هذه المرحلة – بحد ذاته – يعد من الجهاد ، والجهاد لا يكون إلا بالإخلاص والإتباع ، ولا يُعقل أن يدعي أحد حب المجاهدين ونُصرتهم ثم يكون : طعاناً لعّاناً فاحشاً بذيئا !!

ثالثاً : ينبغي الثبات على المبادئ والثوابت الإسلامية والدفاع عنها بكل قوة واعتزاز ، فلا يكون المنكَر والكذب والزور مستساغاً في المنتديات ، ولا يكون هذا الثبات بدافع العاطفة فقط ، بل لا بد من العلم الصحيح والطرح السليم البعيد عن كل ما يشوب هذه الأمانة العظيمة ، ولا يخاف المرء من كثرة المخالفين ، فإنه إن أعلن الحق وجد له أعواناً .. يجب أن لا تكون بيوتنا زجاج تكسرها الحصى ولا عريشاً يطير مع الرياح ، بل نريد جبالاً صلبة لا تؤثر فيها الأحداث ولا تغير قناعاتها الصخور أو العواصف الهوجاء ، فالحق حق ، والباطل باطل : الجهاد فرض ، وتولي الكفار الأمريكان واليهود في حربهم على الإسلام ومساعدتهم - ولو بكلمة – في هذه الحرب كفر أكبر .. وسن قوانين تخالف شرع الله أو الرضى بها كفر أكبر .. قادة الأمة هم أهل العلم والجهاد العاملين لهذا الدين الراوين تراب الأرض بالدماء والعروق البانين أسواره بالأجساد والأشلاء .. وكل بشر خطاء يؤخذ من قوله ويُرد إلا المعصوم (نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) .. الرجال يموتون ودين الله باقٍ ، والله ناصر دينه وهو حي لا يموت .. مثل هذه الحقائق ينبغي أن تكون محفورة في الصدور لا يمسها طيف شك ولا ظله ..

رابعاً : ينبغي التنبه لمن أراد زرع الفتنة بين الناس وحذف عضويته من المنتديات لتُصبح بدورها نافذة الشباب إلى مناقشة القضايا المصيرية للأمة بعيداً عن المنغصات ، وأقترح على القائمين على المنتديات أن ينتدبوا من يرون من الشباب من أهل الفراسة والعلم والنظر (من المنتدى) لمراقبة المشاركين ومتابعة كتاباتهم ، ولا بد من الفراسة والعلم في أمثال هؤلاء : فإن المخربين من المباحث والمخابرات وأهل الشر إنما يُعرفون بلحن القول الذي يغيب كنهه عمن لا فراسة له ، قال تعالى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (محمد : 29-30) ..

خامساً : ينبغي الحذر من اتهام كل الناس والشك في كل مجهول الهوية ، فالبعض يكون مشوَّش الفكر باحثاً عن الحق يدخل هذه المنتديات ليعرف حقيقة الأمر ، فينبغي دعوة هؤلاء وعدم تنفيرهم باتهامهم ابتداءً أو النيل منهم ، وكما قلت : نحتاج إلى أهل الفراسة والخبرة والمعرفة (اقرأ مقدمة كتاب "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" لابن القيم) ، كما أن هناك صفات وعوامل ينبغي أن تتوفر في القائمين على المنتديات والمشرفين عليها : كالإنضباط ، وحسن الإدارة ، والحلم ، والأناة ، والعلم ، والفهم ، وغيرها من الأمور التي يطول التفصيل فيها ..

ولو أن منتدى من المنتديات جمع الجادين من الشباب في سائر المنتديات وعلَّق العضوية عليهم فقط وجعل حق الإطلاع على المشاركات متاحاً للجميع ، لرجوت أن يكون في ذلك خير كثير ، وليس العبرة بالكثرة ، إنما العبرة بالحق ولو كان عند واحد فقط ، وليت بعض الإخوة يخصص منتدى تأصيلي للجهاد يجمع فيه ما ينفع المسلمين من كلمات حول الشبهات الكثيرة في الساحة فتطرح في المنتدى ويُرد عليها بأسلوب علمي رزين ، وتُجعل في متناول الجميع ، فيكون هذا المنتدى : منتدى الصفوة ..

وأنا لا أدعوا إلى تكميم الأفواه ، أو عدم الكتابة والمشاركة من قبل جميع الإخوة ، فهذا ليس المقصود ، فأنا أدعوا جميع من في قلوبهم حب للإسلام والمسلمين أن يقولوا قولتهم وأن ينشروا الحق في كل مكان ، وفي كل محفل حتى يظهر الحق وتقام الحجة على الناس ..

إن ما ادعوا إليه هو الإتزان في الطرح ، ومراعاة الآداب الشرعية ، ومعرفة الفرق بين الغث السمين ، ونشر الخير ، وكف الشر وأهله ، فكل كلمة يعدها الناس واجهة لمن خلفها ومن كُتبت من أجله ، فلا يؤتيَنّ الإسلام من قبل احدنا من حيث لا يشعر ، والقائمين على هذه المنتديات مسؤوليتهم عظيمة ، فينبغي أن يكونوا على درجة عالية من اليقضة والحذر ، وأن لا يغفلوا عما يُكاد للإسلام وأهله ، وأن يستعينوا بالثقات من الشباب لتكون منتدياتهم شموعاً تُضيء طريق الناس ..

وأترككم مع رجل فاضل كانت لكلماته التالية أثر كبير في إقدامي على الكتابة - بعد تردد طويل - فجزاه الله عني وعن الأمة خير الجزاء :

"إنكم أمة العلم والمعرفة، أمة "اقرأ"، يجب أن تجعلوا العالم كله يقرأ لكم ويسمع، أنتم أصحاب العدل والحرية والكرامة، لا يحاصركم المهزومون ويخيفوكم من الكلام، ومن التعبير عن أنفسكم، إن الآذان الآن مصغية والأعين مفتوحة في كل مكان، سارعوا للكتابة في الجرائد، وفي الإنترنت، وللتلفزيونات والإذاعات وجرائد المدن الصغيرة، ونشرات وجرائد الجامعات، ومحطات الراديو، بينوا موقفكم، واغتنموا فرصة السماع لا تعطوها الذين يستثمرونها أشنع استثمار للترهيب منكم وحلب الشرق والغرب مالا ووعيا وإرهابا واستغلالا.
دعوا العجز والتماوت والخمول والكسل، والمبالغة في شروط العلم، والوحشة من الكتابة، والرهبة من الحديث، فليس خمسة ملايين أقدر من مليار وثلاثمائة مليون، ولكن مليارا صامتا لا يساوي شيئا أمام عشرات عندهم وسائل إعلامية. ويكتبون في جريدة أو يتحدثون في إذاعة!
دعوا البطالة وحركوا العالم لقضاياكم، فإن لم يسمع الملايين سمع العشرات، وتذكروا نصيحة رسولكم صلى الله عليه وسلم "لا تحقرن من المعروف شيئا".
إن منكم من يحقرون المعروف ويشتغلون بالباطل، لكم يحزنني هذا الجهد المبذول في المناقرات والمنافرات على الباطل وشبهه، والإدبار عن قضايا الأمة الكبيرة، التولي عن العمل السياسي، وعن العلم وعن التوعية يوم الزحف، التولي عن الفهم، التولي عن الفكر، التولي عن الدعوة والإغراق في التفاهة!
إنكم تحقرون حقوقكم وتحقرون علمكم وأنفسكم، وتتواضعون تواضعا مميتا، يلد خذلانا، وذلة وعبودية، لا يليق بمسلم أن يلوذ بالصمت ويطويه الخوف، ويربكه الرعب، ويضعف أمته ودينه بتخاذله وتواضعه وزهده البارد!
لستم بحاجة أن تجعلكم عصابة أفاقة في صندوق الإرهاب ثم ترمي بكم للمؤخرة وتستذلكم بكل طريقة، ارفعوا رؤوسكم وحركوا ألسنتكم بما في قلوبكم، وَضّحوا الحق الذي به تؤمنون، وتعلموا كيف تتحدثون، اكتبوا لتتعلموا ولتكوّنوا للحق أنصارا خيرا منكم، ابدءوا فستجدون من يسمع ويقنع ويكون أبلغ منكم، وستنجبون خيرا منكم، أو تكونوا أروع مما ترون في أنفسكم. فإن الله لا يضيع عمل عامل." ..


اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..



كتبه
حسين بن محمود
28 ذي الحجة 1425هـ