عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 19-09-2002, 02:08 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

وحين نتكلم عن "المقاصد" في الشريعة الإسلامية فإننا نتكلم في الحقيقة عن "معنى" هذه الشريعة إذ أنه من المزايا الباهرة لدين الإسلام أنه مبني بناء منطقياً سواء في العقيدة أو في الفقه و هذا بحد ذاته ناتج عن طابع الرسالة الإلهية الإسلامية الأكبر: إنها رحمة للعالمين و الطابع العقلي للشريعة الإسلامية عائد إلى كونها خاتمة الشرائع السماوية فهي شريعة الإنسانية التي بلغت سن الرشد و من خواص الراشد أنه يطلب الاقتناع خلافاً لغير الراشد، و هذا الطابع العقلي نفسه هو أحد تجليات الكرم الإلهي الذي رفع الإصر عن هذه الأمة و من أعظم صور الإصر بلا شك فرض شريعة غير معقولة أي لا يستطيع العقل فهم تعاليمها و عللها على الناس و لنا أن نقارن هذه الشريعة السمحاء مع شرائع سابقة حفلت بالأوامر و النواهي غير معلومة العلة أو الحكمة، فبينما نجد الشريعة الإسلامية الناسخة لجميع الشرائع التي سبقتها قد أحلت الطيبات و حرمت الخبائث، طيبات يميل العقل و الفطرة السليمة إليها و خبائث هي على العكس ينفر منها كل ذي عقل و فطرة سليمة حتى عند عرب الجاهلية المنصفين و هذا ما جرى مع مفروق بن عمرو و هو من شيبان بن ثعلبة و كان النبي عليه الصلاة و السلام عرض على هذه القبيلة دعوته في الموسم على عادته في أول عهد الدعوة فسأله مفروق: إلام تدعونا أخا قريش؟ فتلا النبي صلى الله عليه و سلم: "إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى …….." فقال: دعوت والله إلى مكارم الأخلاق و محاسن الأعمال و لقد أفك قوم كذبوك و ظاهروا عليك.نجد الشريعة اليهودية مثلاً تحرم بعض الطيبات، فإن الله عز و جلّ يخبرنا أنه بظلم من اليهود حرم عليهم طيبات أحلت لهم "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم و بصدهم عن سبيل الله كثيراً*و أخذهم الربا و قد نهوا عنه و أكلهم أموال الناس بالباطل و أعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً". أيضاً نقرأ في قصة البقرة التي أمرهم الله بذبحها كيف قادهم تعنتهم إلى أن فرض الله عليهم سلسلة من المواصفات العسيرة غير ظاهرة المعنى للبقرة التي كلفوا بذبحها.
"المقاصد" هي روح الشريعة التي تتخلل كل نصوصها وبمعرفة المقاصد تصبح النصوص أعضاء في جسم حي حافل بالحياة لأنه حافل بالمعنى يشير فيه كل حكم إلى الآخر و يدل عليه و ما أحسن و أعمق ما قال العلامة المجاهد العز بن عبد السلام "ومن تتبع مقاصد الشارع في جلب المصالح ودرء المفاسد حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه المصلحة لا يجوز إهمالها و أن هذه المفسدة لا يجوز قربانها، وإن لم يكن فيها نص و لا إجماع ولا قياس خاص، فإن فهم نفس الشرع يوجب ذلك ومثل ذلك من عاشر إنساناً من الفضلاء الحكماء العقلاء وفهم ما يؤثره ويكرهه في كل ورد وصدر ثم سنحت له مصلحة أو مفسدة لم يعرف قوله فيها فإنه يعرف بمجموع ما عهده من طريقته وألفه من عادته أنه يؤثر تلك المصلحة و يكره تلك المفسدة .
وبدون معرفة المقاصد تتحول الأحكام إلى ما يشبه أعضاء ميتة متفرقة لا يجمعها جامع ولا تجدي المجتهد الذي يريد استنتاج حكم في واقعة مستجدة ما نفعاً.
الفصل الثاني:المصالح والمفاسد:
نحن إذاً نعتقد أن الشريعة مقصدها الدائم جلب المصالح ودرء المفاسد وأن الله عز وجل،تكرماً ومنةً منه على الخلق، لا يأمر إلا بالأصلح وهذا ما يستطيع الإنسان بفطرته معرفته غالباً وإن عجز بعض الناس في بعض الأوقات عن فهم المصلحة في بعض جزئيات الشريعة.
والمصلحة التي نتكلم عنها هي المصلحة الشرعية التي جاءت بها كليات الشريعة أو جزئياتها وهي المصلحة الحقيقية التي يجوز أن تعلل بها الأحكام لا المصلحة الزائفة المستندة إلى الهوى العابر أو المصلحة الفئوية أو الطبقية أو ما شابهها مما يسير عليه الضالون أفراداً وجماعات، وقد جاء علماء الأصول بتقسيم ثلاثي للمصالح التي أخذت بها الشريعة الإسلامية فقد قالوا إن الشريعة إنما وضعت للمحافظة على الضروريات و الحاجيات والتحسينيات، أما الضروريات فهي ما تقوم عليه حياة الناس ولا بد منها لاستقامة مصالحهم وبدونها يختل نظام حياتهم وتعم فيهم الفوضى والفساد والضروريات عند جمهور العلماء خمسة: الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
وأما الحاجيات فهي ما يحتاج إليه الناس لليسر والسعة واحتمال مشاق التكليف وأعباء الحياة وإن فقدت لا يختل نظام حياتهم ولا تعم فيهم الفوضى ولكن ينالهم الحرج والضيق.