عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 19-09-2002, 02:09 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

وأما التحسينيات فهي كل ما تقتضيه المروءة والآداب وإن فقدت لا يختل نظام الناس كما لو فقدت الضروريات ولا ينالهم حرج كما لو فقدت الحاجيات ولكن تكون حياتهم مستنكرة في تقدير العقول الراجحة والفطر السليمة فالتحسينيات بهذا المعنى ترجع إلى مكارم الأخلاق ومحاسن العادات .
في الضروريات الخمسة شرع الجهاد لحماية الدين من العدوان ولمحاربة من يقف عقبة في سبيل الدعوة إليه وفرضت العقوبة على المرتدين والمبتدعين وحجر على المفتي الماجن.ولحفظ النفس شرع لإيجادها أولاً الزواج ولحفظها ثانياً حق كل إنسان في أن ينال ما تقوم به حياته من مأكل وملبس ومسكن وحرم الانتحار والقتل العمد وأبيح الدفاع عن النفس. ولحفظ العقل حرم الإسلام الخمر والمخدرات وقد يضيف المرء إلى هذا تحريم كل ما من شأنه الإضرار بالصحة العقلية مما أتى به عصرنا من أنواع مفسدات العقل. ولحفظ النسل جاءت أحكام الزواج والطلاق والعدة وحد الزنى وحد القذف أيضاً. ولحفظ المال شجع الشرع على كل النشاطات المنتجة من صناعة وزراعة وتجارة ووضع التشريعات الكثيرة التي تنظم إنتاج السلع وتوزيعها وتنظم المبادلات مثل أحكام البيع والإجارة وغيرها. ولحفظ المال أيضاً شرع الحد في السرقة وحرمت المبادلات التي فيها غبن لأحد الطرفين والغرر عموماً وأكل أموال الناس بالباطل وحرم الربا تحريماً مغلظاً إلى آخره. ويضيف بعض العلماء العرض (وهو في اللغة موضع المذمة والحمد في الإنسان، فهو لا يقتصر على مفهومنا الآن لهذه الكلمة) إلى الضروريات وتصبح بهذا ستة.
وفي الحاجيات شرع الإسلام كل ما يرفع الحرج وييسر المعاملات: شرع الرخصة عند المشقة وشرع بعض العقود التي تيسر على الناس وإن خالفت القواعد العامة للعقود وكما أبيحت المحظورات في الشريعة الإسلامية للضرورة أبيحت أيضاً للحاجة.
وللحفاظ على التحسينيات شرعت الطهارة للبدن وندب إلى أخذ الزينة عند كل مسجد وشرعت قواعد معاملة الناس بالحسنى والعفو عند المقدرة وإنظار المعسر وإفشاء السلام وتحريم المقاطعة بين المسلمين وشرعت مكارم الأخلاق وأقر ما كان منها في الجاهلية.
ولاعتبار المصلحة في الشرع ضوابط تكلم عنها الفقهاء (ومن أشهرهم حجة الإسلام أبو حامد الغزالي) ومن هذه الضوابط أن يكون للمصلحة ما يشهد لها من كليات الشريعة وأن لا تقترن بمفسدة أعظم منها وأن تكون مصلحة حقيقية لا وهمية كلية لا تخص فرداً أو فئة بالتعارض مع مصلحة الجماعة ومن شروط اعتبارها أن لا تناقض نصاً قطعياً ثابتاً خلافاً لرأي شاذ قال به نجم الدين الطوفي قديماً ووجد حديثاً من يرحب به من المبهورين بالثقافة الغربية وهذا الرأي يقول بتقديم المصلحة على النص عند التعارض.
ومن الذين تصدوا للرد على هذا الرأي في عصرنا د.محمد سعيد رمضان البوطي وخلاصة رده :أولاً: إن الطوفي يناقض نفسه حين يقول إن الشريعة لم تأت إلا لرعاية مصالح العباد ثم يقدم هذه المصالح على نصوص الشريعة .ثانياً: إن المصلحة ما هي إلا فرع مستخلص من نصوص الشريعة وبالتالي فهي ليست دليلاً مستقلاً قسيماً للنص عند تقسيم الأدلة. ثالثاً: إن الطوفي يناقض نفسه فيقول إن المصلحة مجمع عليها فهي أقوى حتى من دليل الإجماع إذ اختلف في هذا الدليل!. رابعاً: إن الطوفي يخلط بين اختلاف المجتهدين في تأويل النصوص واختلاف النصوص نفسها إذ أن النصوص لا تتعارض وإنما قد تتعارض تأويلاتها .
والشريعة تقوم على ميزان دقيق بين جلب المصالح و درءالمفاسد وثمة قواعد فقهية كثيرة توجه المجتهد في هذا المجال مثل: "الضرر يدفع قدر الإمكان"، "الضرر لا يزال بمثله"، "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"، "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" وغيرها وفي الواقع إن القواعد الفقهية التي تخص الميزان المصلحي الدقيق الذي نتكلم عنه تستغرق أغلب هذه القواعد حتى تلك التي لا تبدو علاقتها مباشرة مع موضوع المصلحة فإذا أخذنا مثلاً القاعدة الكبرى التالية "اليقين لا يزول بالشك" نستطيع بقليل من التأمل أن نرى القدر الهائل من المصالح المنوط بالأخذ بهذه القاعدة ومقدار المشاق والمفاسد التي سنتحملها إن لم نأخذ بها.