عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 16-07-2002, 02:50 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

والقارئ الذي سيسألني: "من أين لك أن المحجبات يرين الحجاب قبيحاً؟" سأجيبه أن دليلي على ذلك هو سلوك هؤلاء المحجبات حين يوجدن في بيئة نسائية خالصة، فالمشاهد أن غالبية منهن يسارعن إلى نزع الحجاب ويجرين تحولاً في مظهرهن بحيث يصبح مطابقاً بنسبة تطابق تصل إلى مائة بالمائة النموذج المسيطر "للمرأة الجميلة" وهو ببساطة النموذج الذي تعرضه السينما والتلفزيون والدعايات، وهذا يدل بمنتهى الوضوح في نظري على أن هؤلاء النسوة لا يعتبرن أنفسهن جميلات بالحجاب، وسأعود هنا لأذكر بما كان عليه وضع نساء "حجاب العادة" المحتقرات عند بعض أخواتنا وإخواننا، فقد كان الزي التقليدي كما نسميه الآن الذي يمكن أن ترتديه المرأة في عرس مثلاً هو أيضاً "زي محجب" إن أردنا استعمال هذا المصطلح الذي لم تكن تلك النسوة يعرفنه!
لأعد الآن لموضوع غطاء الرأس الذي هو ليس جزءاً رئيسياً من اللباس الغربي المعاصر(القبعة لا تشغل فيه جزءاً مهماً) ومن هنا يبدو غطاء الرأس لمثل هذا اللباس جزءاً زائداً لا ضرورة له ،بل هو بالأحرى "تشويه"!
في الزي التقليدي الذي كانت ترتديه المرأة في حوران أو السويداء أو إدلب أو المرأة الشركسية(ذكرت نماذج أعرفها) كان غطاء الرأس جزءاً جوهرياً من اللباس لا يكمل اللباس بدونه، و"التشويه" في هذا النوع من الزي يكون بفقدان هذا الجزء الجوهري!
وقد يبدو هذا القول لمن تعود على عد منظومة اللباس الغربية "بديهية" غريباً ولكنني أذكر القارئ بمنظومة أزياء لم تزل موجودة بالفعل:منظومة أزياء المرأة الهندية والسيريلانكية التي تحتوي على غطاء الرأس كجزء جوهري ،ناهيك عن لباس الراهبات الغربيات.
ولكنني سأذكر مثالاً هو بعد أقرب للقارئ العربي: إنه مثال أزياء الرجال!
في مناطق الفلاحين في بلاد الشام (حوران وفلسطين) كانت الحطة والعقال جزءاً جوهرياً من لباس الرجل لا يخرج بدونه،ولو ذهب إلى محفل عام فإنه سيحس بأنه شوه (بل أهين) إن أكره على خلع غطاء رأسه!
فليس عد غطاء الرأس إذن تشويهاً أمراً بديهياً وهو ليس كذلك إلا لأن منظومة الزي التي أخذناها لا غطاء رأس فيها!
المعيار الجمالي الحقيقي إذاً، وهذه هي الفكرة الجوهرية لهذه الفقرة، في مجتمعنا القائم هو بالذات المعيار الغربي المستورد، إنه المعيار المستبطن حتى في قسم كبير من قطاع النساء المحجبات، وهذا بالفعل خطر هائل على الحجاب، إذ سيظل الحجاب على كف عفريت كما يقال طالما ظلت مرتدياته مقتنعات بأنه في الحقيقة ليس زياً جميلاً، وإنما هو يرتدى طالما لا يمكن ارتداء "الزي الجميل"!.
لنلاحظ هنا كيف أن "المجتمع الإسلامي" هو أكثر بكثيرمن مجرد مجتمع تسوده قناعات معينة! ليس المجتمع الإسلامي هو فقط المجتمع الذي أفراده مقتنعون بالإسلام! إنه المجتمع الذي معاييره الجمالية هي أيضاً معايير مأخوذة من داخله. وفي الحقيقة إن ما تقدم من قول ليس مجرد تحليل نظري لا توجد له تطبيقات عملية، فلأذكر هنا أمثلة واقعية من المجتمعات الموجودة: ألا نشاهد مجتمعات الهند وسيريلانكا وباكستان والسودان والصومال وأقطار أفريقية أخرى التي تحافظ نسوتها على ثيابهن التقليدية! أليس المعيار الجمالي في هذه المجتمعات إذاً رغم كل العولمة وغزو الثقافة الغربية ما زال داخلياً؟
فأن يحوز مجتمع على معيار جمالي داخلي هو إذاً أمر غير مستحيل!
المثال الثاني الذي سأضربه هو بعض القنوات الفضائية التي ترتدي مذيعاتها الحجاب كما في بعض القنوات الخليجية (الشارقة وغيرها) وقناة "المنار" اللبنانية، ولا أشك في أن هذه المذيعات قادرات بالفعل على خلق نموذج معاكس للنموذج السائد تقترن فيه صفات النجاح العملي والذكاء والحشمة بالمعيار الجمالي البديل!

4- الحجاب والمسيحية العربية:

من المعتقدات الشائعة التي صارت في زماننا تعد بديهية أن الحجاب في بلادنا لا يخص إلا المرأة المسلمة وأن "الوضع الطبيعي" للمرأة المسيحية هو أن لا تكون محجبة.
وكما في أماكن عديدة جداً من كتابات العبد الفقير كاتب هذه السطور، سأعود هنا أيضاً إلى "المجتمع التقليدي" لأفحص هذه الفكرة إن كانت صحيحة أم لا!
سأعود إلى هذه المنطقة التي ذكرتها قبل قليل، وهي ريف جنوب بلاد الشام "حوران"، البلد العربي العريق بلد الغساسنة، وفي قرى حوران عاش المسلمون والمسيحيون سوية إلى الآن ويستطيع القارئ لحد الآن أن يزور هذه القرى ليرى النساء كبيرة السن،المسلمات والمسيحيات معاً، يرتدين الزي الحوراني الجميل الذي يجمع الأصالة والشخصية المحلية المميزة والحشمة المتطابقة تماماً مع المتطلبات الشرعية للباس الإسلامي.
المفيد هنا أن نرى كيف "تطور" لباس المرأة الحديثة في حوران:
لقد تطور بالفعل وللمرة الأولى في التاريخ على أسس الانتماء الديني ولكنه تطور مؤسف جداً في نظري وليتأمل القارئ فيما جرى:
أما المرأة المسلمة التي غزي مجتمعها بنمط الزي الغربي فتركت زيها التقليدي الذي وصفناه وقلنا إنه هو الإبداع المحلي المتميز للهوية العقدية الاجتماعية الإسلامية، وبدلاً من هذا الزي التقليدي نشأ زي هجين يحاول أن يرضي متطلبات متعارضة: الحشمة و التقارب مع السمات الشكلية للثياب الغربية. وعند المتدينات الملتزمات تم تبني الزي الحديث الذي سمي "الجلباب" والذي لا يقدم من ناحية متطلبات الشريعة الإسلامية أي شيء يزيد على ذلك اللباس العريق الأصيل للمنطقة.
وأما المرأة المسيحية الجديدة فتبنت الزي الغربي بتعديلات أقل من تعديلات المسلمة على هذا الزي، ليس لأنها اقتنعت بأن مسيحيتها لا تتعارض مع التغيير الثقافي الشامل باتجاه التبني غير المشروط للقيم الغربية، بل لأن المسيحيين العرب أهملوا وعدوا خطأ نصيرين طبيعيين للقيم الغربية بجيدها وسيئها ،ولا شك أن ثمة دوافع انتهازية تشجع المسيحي ،كما تشجع المسلم أيضاً، أن يتبع حكمة الفئران فيغادر السفينة الغارقة إلى السفينة الطافية! (ولحسن الحظ حتى في أسوأ الحالات ظلت بقايا من القيم الأصيلة للحضارة الإسلامية موجودة فليس من السهل اقتلاعها بقرار) ،ولكن المسيحية بحد ذاتها لا علاقة لها بالخلاعة المميزة للأزياء الغربية الحديثة،بل المسيحي المتدين هو أيضاً ضد هذه الخلاعة .
الحضارة الإسلامية كانت حضارة أسسها الإسلام وقادها ولكنه بتسامحه الفريد وسعة أفقه التي لا مثيل لها استطاع أن يستوعب الأديان الأخرى، وهكذا نجد علماء وفلاسفة المسيحية والصابئة بل واليهود كعناصر مشاركة في بناء صرح هذه الحضارة العظيم، وباستثناء الشعائر الدينية كان سلوك أبناء تلك الأديان منظماً تلقائياً وفق القواعد التي بني عليها المجتمع المسلم، وهذا بالمناسبة ليس غريباً فهو من سنن الحضارات، ولننظر مثلاً إلى المجتمع الغربي كيف تتكيف الأجيال الجديدة فيه من المهاجرين الذين جاؤوا من ثقافات مختلفة مع سلوكياته ولغته وعقليته، بحيث أن المسلم أو البوذي أو السيخي الذي تربى في هذا المجتمع لا يماثل في العقلية أخاه في الدين في المجتمع الأصلي!
لذلك سأقول إن تبني المسيحيين العرب للقيم الغربية تم مبدئياً وفق نفس القوانين التي تبنى فيها المسلمون تلك القيم!، ولم يكن المسيحيون العرب منذ الأزل مغتربين في القيم عن مجتمعهم كما تخيلت مثلاً تلك التي اتصلت ببرنامج "الحياة حلوة" من لبنان وقالت إنه في لبنان توجد حضارتان ولا نستطيع نحن المسلمين أن نقنع "الحضارة الأخرى" (أي المسيحيين!) بتبني سلوك خاص بالمسلمين هو الحجاب! إن هذه الفكرة التي تبدو بديهية للغاية للعرب المعاصرين هي فكرة في غاية الخطأ والزيف، إذ لا توجد "أزياء مسيحية"، والمسيحيون العرب لا يسيرون في أزيائهم الحالية وفق متطلبات الدين المسيحي بل يسيرون مثلهم مثل قطاع كبير من المسلمين على ما يتطلبه الزي الغربي، وهذا الزي الأخير لم يقتنع المنتمون إلى الثقافات الأخرى به على أسس دينية (بالمناسبة إن كنا نريد الحديث عن تأثير للدين المسيحي على الأزياء فسنلاحظ أن هذا التأثير خلافاً للأفكار السطحية السائدة يقرب هذه الأزياء من الأزياء الإسلامية كما نرى بشكل واضح في أزياء الرهبان والراهبات!) ولا شك انه ما من مسيحي متدين كما قلت سيرضى عن طابع العري الذي تتميز به بصورة متزايدة أزياء المرأة الغربية التي يتم الترويج لها من قبل دور الأزياء ووسائل الإعلام وأعتقد أن هذه المسألة بالذات هي نقطة التقاء مهمة في الحوار الإسلامي المسيحي، سواء منه الحوار الإسلامي المسيحي العربي أم الحوار الإسلامي المسيحي الغربي الذي يؤيده كاتب هذه السطور ويدعو إليه.
هامش

* لا يخفى أن العنوان "بنات لبنان" بعيد عن التوفيق، وفيه إيحاءات غير مستحبة وإثارة لإحن إقليمية جاهلية بين أقاليم الأمة كنا نتمنى لو تجنبها المعدون للحلقة واختاروا اسماً آخر!