عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 26-11-2002, 02:18 PM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي إلى الأستاذين خشان خشان وماجد الأول وهواة العروض

الأستاذ خشان عقل مبدع يسانده ذوق موسيقي رفيع.
وقد قام بدراسة رقمية للعروض، يبدو أنها جلبت نتائج دقيقة.
والعبد الفقير ويا للأسف ركب مخه على نوع خاص من العروض ونشأ عليه ورضع لبانه وتغيير العادة في الكبر صعب،لأن العلم في الكبر كالنقش على الماء!
الأستاذ خشان كما بدا لي في موضوعه المنشور في الخيمة عن "التخبيب" :

http://hewar.khayma.com/showthread.p...threadid=28538

بدأ يدرس التغييرات الصغيرة على الأوزان التي تقود إلى أوزان أخرى وهي دراسة دقيقة حال بيني وبين تبين جزئياتها عدم إلمامي بمصطلحات الأستاذ وعلى أنني طبعت مداخلته وركزت عليها وفهمت أشياء وغاب عني فهم أشياء أخرى.
ولكن هذا لا يمنعني من الحوار معه ومع الشاعر ماجد الأول الذي طرح موضوعاً عن الأذن الموسيقية:

http://hewar.khayma.com/showthread.p...threadid=28507

فالموضوعان مترابطان وآمل أن الأستاذين العزيزين سيصلان معي إلى آراء مشتركة في هذا الموضوع الشيق لهواة الوزن وهواة الشعر العربي.
وأدعو بقية شعراء الخيمة للمساهمة في هذا الحوار.
سأبدأ بالإشارة إلى شيء معروف وهو أن الوزن في حقيقته إيقاع.ويمكن تحويل التفعيلات مبدئياً إلى قرع على الطاولة ثم نتجاوز هذه المرحلة إلى تحسس الوزن الواحد بين كلام وتفعيلة،وبهذا نستيع تعليم الأطفال من حيث المبدأ العروض مستعملين خصلة الأذن الموسيقية الفطرية.وهذه الحقيقة تأكدت منها حين علمت ابن أخي الصغير وكان حفظه الله في الصف الثاني التقطيع مبتدئاً بربط الإيقاع بالتفعيلة صوتياً بالقرع:
مثلاً:مستفعلن=تك تك تتك
فاعلاتن-تك تتك تك
\وهكذا ثم انتقلت إلى حذف القرع على الطاولة والربط بين كلمات البيت والتفعيلات عبر الإيقاع المستبطن في الذاكرة بدون قرع.بحيث صار يحس بالعلاقة الإيقاعية بين الكلمات والإيقاعات النمطية المحددة التي هي الأبحر.
كل هذا وهو لا يعرف ماذا يفعل بالضبط،بل كان بعيداً كل البعد عن فهم معنى الأبيات أو عن فائدة التقطيع!
وكان ولداً موهوباً من حيث الأذن الموسيقية.وهذه الموهبة هي التي تعيدنا إلى موضوع الأستاذ ماجد.
أعتقد أن المتعلم الذي لم يدرس العروض يمكن أن يميز تفعيلات الأبحر المتشابهة التفعيلات كالرجز والمتقارب والوافر أيضاً.
ولكن عندي شك كبير أنه سيقطع على الطريقة الخليلية الأبحر المركبة كالبسيط والطويل.
وقد كان شعراء الجاهلية يميزون الأبحر من بعضها بلا ريب ولعلهم كانوا يستعملون طرقاً إيقاعية للتمييز،ولكني على كل حال أذكر أنه مر علي شعراء لا يعرفون العروض وكانوا يستعملون طرقاً للوزن منها الغناء(أي ما يتناسب مع أغنية معينة أو نشيد معين)
ومن غير المستبعد مع المران وكثرة قراءة الشعر أن يستطيع الشاعر أن يميز الأبحر عن بعضها فلا يخطئ حتى في الأبحر المركبة الصعبة.
والشيء المشاهد على كل حال أن بعض موهوبي هذه الخيمة بالذات من الكسالى الذين لم يتعلموا العروض ينظمون على الأبحر المتشابهة التفعيلات كالكامل وغيرها بدون خطأ.ولكنهم يخطئون حين يحاولون النظم على البسيط مثلاً بل وقل أن ينظموا على الخفيف.
والأغلب أن يصيب الشاعر الذي لا يعرف العروض ولم يتبع وسائل دقيقة للوزن (ليست بالضرورة عروضية) ما أصاب ناظم البيت الذي ذكره الأستاذ خشان:

ما إن هناك اختلاف في مقالتهم .....عما نقلت إليكَ من أقوالٍِ

الشطر الأول نظمه الشاعر على إيقاع البسيط المختزن في ذاكرته الباطنة والثاني نظمه على إيقاع الكامل المختزن في ذاكرته الباطنة أيضاًً دون أن ينجح في اكتشاف أنهما وزنان مختلفان.
انتقل من الوزن الأول إلى الثاني فيما أعتقد مدفوعاً بقوله "عما نقل" فهي تماثل إيقاعياً"ما إن هنا" ولكنه أكمل على التفعيلة القريبة منها "متفاعلن" (ت إليك من) وأكمل وفقاً لوزن آخر في ذهنه هو هذا الشكل من الكامل وهذا التداخل مألوف مشاهد عند اليافعين الذين ينظمون معتمدين على الأذن دون علم عروضي وكلنا فيما أظن مر بنا مثل هذا التداخل.
والتداخل بين الأوزان والانتقال من وزن إلى آخر كما يعلم الأستاذ العزيز خشان أمر مألوف حتى من عهد المعلم الأول العبقري الخليل عليه رحمة الله وليس عبثاً اكتشافه للدوائر العروضية التي أفاد منها شعراء التفعيلة الجيدين في عصرنا،كالتداخل بين الرمل والرجز والهزج،وبين المتدارك والمتقارب،وبين الوافر والكامل.
على أن حذف بعض الأحرف يحول أشطراً إلى أبحر أخرى حتى لو لم يكن البحران من دائرة عروضية واحدة وكنت ألاحظ هذا قديماً حين أرى كثرة من ينشد بيت أبي العلاء خطأ وهو:
وإني وإن كنت الأخير زمانه..لآت بما لم تستطعه الأوائل!
كثيراً ما أنشدوه بحذف الواو في البداية محولين الشطر الأول من الطويل إلى الكامل!
وفي حينه رأيت أن هذا التحويل ممكن حين يكون وزن الشطر الأول هكذا:
فعولن مفاعيلن فعول مفاعلن
إذ بحذف الحرف الأول يصبح الوزن:
عولن مفا/ عيلن فعو/ ل مفاعلن= متْفاعلن متْفاعلن/متفاعلن
التفعيلتان الأوليان سكنا ثانيهما فصارتا متطابقتين مع مستفعلن وأبقينا الثالثة على وضعها الأصلي الذي لا "إضمار" فيه.
وهذه التداخلات ليست غريبة لأن عدد الاحتمالات التي يمكن لترتيب الحركة والسكون أن يتغير فيها محدود.
وعلى أن هذا لا يعني أن كل إيقاع مسموح به بمعنى أنه سائغ!
والدوبيت قصته غريبة نوعاً ما إذ لم أفهم إلى الآن إقبال أجدادنا على النظم على وزن لم ينضبط إيقاعه بشكل واضح.ولو كان كل الدوبيت منضبطاً على وزن"يا غصن نقا مكللاً بالذهب" لجاز لعمري وحسن.
بل مجزوء هذا الوزن جميل كالأبيات التي ذكرها الأستاذ خشان.
وكالأبيات الجميلة التالية:
يا من لعبت به شمول..ما ألطف هذه الشمايل
نشوان يهزه دلال..كالغصن مع النسيم مايل
لا يمكنه الكلام لكن..قد حمل طرفه رسايل
ما ألطف وقتنا وأحلى..والعاذل غائب وغافل

ولكن أغلبها من وزن غير منضبط وليس فيه إلا /0/0 (فعلن) في بداية الشطرين قد انضبط.
على أن في العصور المتأخرة ظواهر كهذه بل أزيد على هذا أن أصحاب الموشحات صاروا يفضلون من الموشحات ما لم يوزن(وقسم كبير منها بالعامية أيضا!)
وفي النهاية سأعيد لأخوتي هنا ما ذكرته سابقاً من أنني لست من أنصار الأخذ بما ورد في الكتب بل مقياسي هو ما استعمل في الشعر العربي عبر العصور،ومن هنا أنا أصر على أن بيت البحتري الذي ذكره الأستاذ خشان:

وتماسكت حين زعزعني الدهــــــــــ....ــــــر التماسا منه لتعسي ونكسي

لم يلفظه أحد في التاريخ اعتباراً من البحتري نفسه إلا بإشباع "منه" لأن مستعلن لم أرها استعملت قط في الخفيف. ولو كانت استعملت لبدت في غير هذا الموضع الذي فيه الحرف الثالث في التفعيلة هاء الضمير،ولرأينا تفعيلة مستعلن صريحة كأن يقول الشاعر مثلاً:
وتماسكت حين زعزعني الدهر التماسأ- واحزني- منه تعسي!
(بفتح حاء وزاي "حزني")
ولم يمر بي هذا.
ولا ريب أن ابتكار أوزان جديدة أمر وارد والأستاذ خشان يشق دروباً بأبحاثه ولكنني أتحفظ جداً على تشكيكه الخفيف بلفظ بيت البحتري ففي اعتقادي أننا هنا نخطئ بحق التراث،بل الواجب أن نجزم بالطريقة التي نطق بها البحتري ومعاصروه بل من لحقهم من العارفين بالشعر هذا البيت .أما الرأي بأنه من السائغ النطق الآخر فهي مسألة من حق صاحب الرأي أن يراها وهي قضية مختلفة كما لا يخفى على فطنة الأستاذ العزيز فأن نسوغ قراءة شيء وأن نضع احتمالاً أن هذه القراءة أخذ بها في التراث بالفعل شيء آخر مختلف تماماًً.
هذا والله أعلم ومن أسعد مني وأنا أحاور عالماً وشاعراً وأنا لا هذا ولا ذاك؟
ووفقكما الله.
الرد مع إقتباس