عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 26-12-2002, 04:28 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي لماذا يمولون أفلامكم؟

سينما ما الثمن الذي يدفعه مخرجونا مقابل الحصول على التمويل الاجنبي لافلامهم؟

ثالوث الدين والسياسة والجنس في ثلاثة افلام عربية (1/3)
http://www.alarweqa.net/eb/stories.p.../07/25/9268318

في ظل غياب صناعة سينمائية حقيقية من جهة، وانعدام استراتيجية واضحة وفعالة متعلقة بهذا القطاع لدى الدوائر الرسمية العربية من جهة اخرى، واحجام المستثمرين واصحاب رؤوس الاموال العرب عن خوض مغامرة الانتاج السينمائي، يصبح تمويل مشاريع الافلام عائقا حقيقيا امام المخرج السينمائي العربي. ولأن العين السينمائية العربية بصيرة واليد قصيرة، كان الانتاج المشترك مع الدول الاوربية احد السبل واحيانا السبيل الوحيد امام بعض المخرجين العرب كي يخوضوا تجربة الاخراج ويحولوا افكارهم ورؤيتهم الى افلام سينمائية، وخاصة مع غياب التعاون العربي العربي في مجال الانتاج السينمائي...
لكن منطق الاشياء يفرض علينا طرح مجموعة من التساؤلات حول هذا الاستعداد الغريب لدى (الاخر) لتمويل افلامنا، وهو الذي عهدناه يشترط ويفرض المعايير والقيود امام كل مساعدة يقدمها للمشاريع الاقتصادية المنجزة بما يسمى ببلدان الجنوب عموما. فهل الانتاج السينمائي المشترك يسعى حقا لتشجيع الابداع السينمائي العربي، ام ان هناك اهدافا معينة وراء هذا الكرم الحاتمي الغربي؟ الا يحق لنا ان نتسائل عن الثمن السياسي والفكري والابداعي الذي يدفعه مخرجونا مقابل ما يحصلون عليه من تمويل او مساعدات لانتاج افلامهم ومن ثم تأهيلها للمشاركة في مهرجانات سينمائية اوربية؟ لكن الا يحق لهؤلاء، بالمقابل، التعامل مع الاخر ما دامت بلدانهم لا توفر لهم ادنى مستلزمات وشروط العمل السينمائي ماديا على الاقل؟ ان السؤال الثاني يحيلنا بدوره الى تساؤل ثالث وهو لماذا يبدو المخرج العربي مطواعا بين يدي المنتج الاجنبي وقابلا لان يكيف افكاره وفق ما ينتظره الاخر منه تبعا لصورة نمطية سائدة لدى الاخرعن مجتمعنا الشرقي؟ والا يمكن ان يتحقق الانتاج المشترك مع بقاء المخرج العربي صادقا مع نفسه ومع ضميره ومع مشاهده المحلي؟ ما سبب ضعف المناعة الثقافية كما ظهرت لدى بعض المخرجين العرب الذين زيفوا وزورا صورتنا وواقعنا ارضاء للممول الغربي؟
تجليات هذه الاشكالية يتناولها هذا الموضوع من خلال تحليل مضمون ثلاثة افلام عربية انتجت بمشاركة تمويل اجنبي في كل من تونس (صيف حلق الوادي)، المغرب (بيضاوة) ومصر (الابواب المغلقة).
صيف حلق الوادي: فيلم تونسي... هل قلت فيلما تونسيا؟
حظيت الافلام التونسية في السنوات الاخيرة بمكانة خاصة بل رفيعة داخل ما يمكن ان نسميه بفضاء الانتاج السينمائي العربي حيث ما فتئت تتلقى التنويه تلو الاخر وتحصد الجوائز تلو الاخرى بعدد من المهرجانات الجهوية والدولية بدءا بقرطاج مرورا بواغادوغو وانتهاءا بكان (فيلم ليلى عقلي للطيب لوحيشي الذي اختير ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان في دورته لسنة 1989 مثلا). ويرجع المتتبعون هذا (النجاح) الى ظهور جيل جديد من السينمائيين يقولون بمحاولتهم (القطع مع التفاهة والمنطق التجاري في السينما المصرية التي ما تزال سائدة في العالم العربي) امثال ابراهيم باباي، رشيد فرشيو، ناصر قطاري، رضا الباهي، محمود بنمحمود، ناصر لخمير، فريد بوغدير، نوري بوزيد، مفيدة تلاتلي....
و الغريب في الامر ان معظم الاقلام العربية المهتمة بالميدان السينمائي تكاد تجمع على تفرد وتميز محاولات هؤلاء المخرجين سواءا عن قناعة تامة تتأتى بعد المشاهدة الفعلية لأفلامهم، او عن طريق التقليد ومجاراة تيار فكري بدا سائدا لفترة ما دون ان تكون لدى الكاتب ادنى فكرة او معلومات قد تسمح له باصدار الاحكام سلبا او ايجابا. ولعمري ان الاجماع المشوه واللامسؤول يبقى واحدا من المزالق التي تجعل العالم الثالث – و نحن ضمنه طبعا- رازحا تحت وطأة التخلف والتردي سياسيا واجتماعيا وثقافيا ايضا. ولا اخفي وانا اؤكد على هذا الامر انني لم اطلع على جميع اعمال بعض المخرجين الذين ذكرتهم آنفا لكنني على كل حال لم اصدر احكاما لحد الآن.
ان ما سمي بالطفرة السينمائية الكبرى التي شهدتها تونس في العقد الاخير يظل مرتبطا - شاء التونسيون او ابوا – بظاهرة الانتاج المشترك. ولان الافلام تكون نتاجا لمخرجين درسوا بالخارج ونهلوا من ثقافة فرنكفونية بالاساس، او ذوي تكوين غربي منفصل عن الواقع المحلي من جهة، وباموال في معظمها خارجية من جهة اخرى، فان النتيجة لن تكون بالطبع وتبعا لمنطق الاشياء الا مجموعة من صور تستهدف دغدغة العين الغربية ومغازلتها قبل أي شيء اخر. ولن نجانب الصواب ان استشهدنا بـ(افلام) من قبيل حلفاوين لفريد بوغدير الذي لم يفعل الا تجريد التونسيات من ملابسهن وتقديمهن عاريات بحمامات تونس، او صمت القصور لمفيدة تلاتلي الذي، وان تميز بنوع من الجودة، فانه يبقى مجرد عرض بسيط للازياء التقليدية التونسية والمعمار التونسي التراثي بهدف الابقاء على الطابع الاسطوري لحكاية الف ليلة وليلة كما الفت العين الغربية تقديمها، تصورها ومشاهدتها، وهو ما سعت المخرجة المغربية فريدة بليزيد الى تقليده بشكل ممسوخ في شريطها (كيد النساء) حتى انها استعانت بمنتج وتقنيين وممثلين تونسيين لانجاز شريطها هذا... واخيرا شريط (صيف حلق الوادي) للمخرج فريد بوغدير – مرة اخرى- وهو موضوع هذا المقال. ولن يفوتنا التذكير بامتناع نفس الجهات الممولة عن دعم شريط (كسوة) للتونسية كلثوم برناز باعتباره يقدم صورة مشرفة عن المرأة العربية عكس ما كان ينتظره الممولون طبعا.
يمكن اعتبار تجربة فريد بوغدير من خلال شريطي (حلفاوين او عصفور السطح) و(صيف حلق الوادي) تمثيلا صادقا ونموذجا مصغرا للانتاجات المشتركة ما بين الاقطار العربية (المغرب الكبير ومصر وسوريا تحديدا) واوربا سواء من حيث التيمة الاساسية التي تتعرض لها او من ناحية مصادر تمويلها وما يصاحب ذلك من تدخل اجنبي في كل مراحل الانتاج من فكرته المحورية الى عرضه النهائي. ففيلمه (صيف حلق الوادي)، الذي انتج سنة 1996 يمثل امتدادا طبيعيا لافلام مغاربية ظهرت دفعة واحدة بعد توقيع اتفاقيات اوسلو وما تلاه من فتح قنوات اتصال بين البلدان المغاربية والكيان الصهيوني ان على المستوى الرسمي او على مستوى بعض مكونات ما يسمى بالمجتمع المدني، وتتكرس فيه كل مظاهر التبعية السينمائية للجهات الممولة. وقد يستغرب القارىء الكريم ان علم ان مجمل الشركات الانتاجية والمنظمات والوزارات التي تكاتفت جهودها لدعم هذا الشريط تعدت العشرين مساهما من تونس، فرنسا، سويسرا، هولندا، المانيا وبلجيكا بالاضافة الى مشاركة رمزية لنجوم عالميين معروفين – وهم من اصل تونسي- كميشيل بوجناح (فرنسا) وكلوديا كاردينالي (ايطاليا) وان كانت مشاركتهم مقحمة في الواقع.
لكن استغرابه يزول حتما بمجرد مشاهدته احداثه ومن تم استيعابه لخطابه الفيلمي وتعرفه على الفاعلين تقنيا وتمثيلا الذين كانوا وراء انجازه من خلال جينريك الفيلم الذي يكفي لوحده لوضع المشاهد في الصورة وجعله في حيرة من امره وهو يحاول انتقاء جنسية له لغلبة الاسماء الاوربية على معظم المهام الرئيسية منها والثانوية.
الرد مع إقتباس