عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 26-12-2002, 04:30 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

و لتفكيك بعض مدلولات الخطاب الفيلمي الذي حاول "صف حلق الوادي" تمريره عبر قصة تدعي انها تحاول اعادة تصوير مرحلة من تاريخ تونس لما قبل الخامس من يونيو 1967 بواقعية وحياد، سنحاول تقسيم هذا الخطاب على اساس الثلاثية المشهورة (الدين، السياسة والجنس او الجسد) بالرغم من تكوينها لوحدة كلية يصعب مفصلتها كل على حدة خصوصا ما تعلق نتداخلات الديني بالسياسي طوال احداث الشريط.
الدين:
انطلاقا من المشهد الافتتاحي للشريط يتبدى لنا جليا ان التيمة المحورية التي يسعى فريد بوغدير لمعالجتها تتعلق بما اصطلح على تسميته ب التسامح الديني او بشكل اصح مسألة التعايش بين اناس ينتمون لبلد واحد ويعتنقون اديانا مختلفة ان لم تكن متصارعة في بعض الاحيان، ليس في لبها وجوهرها ولكن لتناقض تفسيرات وتأويلات معتنقيها وتراكم خلفيات تاريخية يصعب تجاوزها بسهولة ويسر، حيث يقدم لنا المخرج من خلال هذا المشهد منظرا عاما لمدينة حلق الوادي حيث تتجاور المساجد بالكنائس والاديرة مصاحبا بموسيقى تتغنى بالتسامح والتعايش بلغة فرنسية فصيحة (!).
بعد هذا العرض الافتتاحي ينتقل بنا المخرج الى داخل المدينة وشاطئها الجميل حيث نتعرف شيئا فشيئا على شخصيات الشريط التي غلب عليها التقابل. فمن جهة تتواجد عائلة مسلمة (اب،ام،بنت وفتى) تقابلها عائلتين احداهما مسيحية والاخرى يهودية الديانة بنفس التكوين الاسري تقريبا، بالاضافة الى ثلاثة شبان بنفس التقسيم الديني وشخصيات اخرى اهمها شخصية الحاج العائد حديثا من المشرق. وطوال احداث الفيلم يستثمر بوغدير وقتا طويلا في اظهار اوجه الحياة المجتمعية لهذه الشخصيات حيث تنتفي اية محددات دينية ويحضر الانتماء الى الوطن كضامن للوحدة والتعايش. فالفتيات وامهاتهن يؤدين الصلاة (!) داخل الكنيسة دون ادنى اعتبار لخصوصية الطقوس الدينية التي تحكم كل ديانة على حدة، كما يشارك الجميع في الاحتفال الديني المسيحي ويهبون عن بكرة ابيهم لاستقبال كلوديا كاردينال وكأنها عادت الى تونس فاتحة ظافرة في الوقت الذي لا يهتم فيه احد بالتوتر السياسي الذي تشهده منطقة الشرق الاوسط باستثناء شخص بدا مجنونا من اول الشريط الى نهايته، وفي جانب اخر يحتسي الاباء الخمر على ظهر احدى المراكب دون رادع ديني... وعلى هامش هذا الاندماج الذي يطبع علاقة السكان يبدو الحاج (جميل راتب) كاستثناء اوحد للقاعدة بسبب تشبعه بافكار دخيلة (!) قادمة من المشرق العربي حيث تحول الى انسان غريب عن مجتمعه الاصلي تنسج حوله الاساطير والخرافات كما يتبين من حوار الاطفال وهم يتلصصون عليه داخل فيلته. ومن هذا المنطلق اصبغ عليه المخرج كل صفات المكر والخديعة والاستغلال. فهو الذي يقايض بين زواجه بمريم (الفتاة المسلمة) وبقاء عائلتها في المنزل الذي تكتريه منه، وهو الذي يحلل الربا على نفسه ويحلل الشراء وفق شروط استغلالية لا يقبلها العقل والمنطق، وهو الذي يفسد العلاقة الحميمية بين العائلات الثلاثة بعد وشايته بالفتيات رغبة منه في جسد مريم وليس بدافع الدفاع عن الشرف كما حاول ان يوهم الاخرين، كما انه يقف وراء مطالبة مريم بوضع الحجاب وكأنه مستورد من الشرق ولا علاقة له بتعاليم الديانة الاسلامية بالاضافة الى كرهه الشديد لليهود وتحامله عليهم.
وتأسيسا على ما سبق نجد ان الخطاب الفيلمي يريد ان يعلن صراحة ان الشر مصدره الاساسي هو الشرق، فهو الذي ادى الى زعزعة التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع التونسي باختلاف دياناتهم او لا دياناتهم. ولان المشرق كان مصدر انبعاث الدين الاسلامي، فاننا لا نستبعد ان يكون المعنى المراد تمريره اعمق واخطر من مسألة التعايش الديني بل قد يتعدى ذلك الى الاسلام ذاته خصوصا اذا اخذنا بعين الاعتبار المد العلماني المتطرف الذي يتزعمه البعض داخل تونس الذي ما فتىء يشكك في تعاليم الدين الاسلامي من اساسها تحت غطاءات متعددة. فالصورة كيفما كانت تبقى في نظر الكثيرين صورة موجهة، غير بريئة، تقوم على لعبة التباس حادة بين ما تقدمه وما تخفيه، مما يستدعي الحذر منها لانها لا تفصح عن شيء الا لتخفي اشياء اخرى. وخلاصة القول ان فريد بوغدير يود على ما يبدو ان يقول بصريح العبارة ان كانت الاديان سبيلا ووسيلة للتفرقة بين الناس فلتذهب الاديان الى الجحيم وليبق الانسان. وهو في ذلك لا يختلف كثيرا عن المدافعين عن عالمية الثقافة وانسانية الحضارة (يوسف شاهين مثلا وهو نتاج تجربته مع الانتاج المشترك اتي حولته مؤخرا الى مجرد مخرج لكليبات غنائية مبتذلة ومشاهد رقص مجانية) ثم نأتي بعد كل هذا لنبكي ونشكو ظهور تطرف ديني هدفه اغتيال الحداثة والابداع و... و...
السياسة:
يتأطر المعطى السياسي الذي يحاول المخرج ومن معه او وراءه التطرق اليه عبر شريط صيف حلق الوادي بمحددين اثنين:
الاول، يتعلق بالمرحلة الزمنية التي تدور خلالها الاحداث، فاختيار مرحلة ما قبل الخامس من يونيو 1967 لاتخفى مراميه واهدافه على احد.
والثاني، في الاصرار على الاشارة منذ اللقطة الاولى الى مكان الاحداث بعبارة (تونس - شمال افريقيا) مما يعني التفريق بين الدول المغاربية وبقية البلدان العربية علما ان مصر- جمال عبد الناصر ارتبطت اكثر بفكرة القومية العربية على حساب انتمائها الافريقي وهو ما يضعها خارج التصنيف الجغرافي الذي حدده الشريط.
اما الخطاب السياسي الذي سعى المخرج الى تمريره فقد ارتكز على ثلاث نقاط اساسية: اولها الصراع الغربي الصهيوني وتأثيره على الاوضاع الداخلية لتونس، وثانيها الدفاع عن دور المكون اليهودي داخل المجتمع التونسي ماضيا وحاضرا، وثالثها التأكيد على البعد الفرنكفوني لنفس المجتمع.
الرد مع إقتباس