عرض مشاركة مفردة
  #39  
قديم 19-11-2006, 04:06 AM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
إفتراضي

أكتب إليكم اليوم بعد ثلاث سنوات من تاريخ بدء هذه المشاركة، ولن أنسى أن أشكر العنود لإبقاء هذا الموضوع حياً كل هذه المدة، ورغم كل الأحداث التي طرأت فقد بقيت العنود هي الثابت الوحيد ضمن كل المتغيرات التي مرت بمن شارك في هذا الموضوع.

سأتكلم عن نفسي أولا، فبعد ستة أشهر من تاريخ بدء هذه المشاركة قررت –وعائلتي- زيارة الوطن في بداية شهر حزيران من عام 2003 بعد عشر سنوات من الانقطاع، وبعد 14 سنة من الغربة في الولايات المتحدة. أخذت الطائرة بالنزول التدريجي وبدت لي الصحراء كأجمل وجه امرأة صادفته، ولا أخفيكم أنني كنت وقتها قد مللت اللون الأخضر، واعتدت اعتباره لونا دالا على العفونة، سواء كانت مادية أو معنوية، وكنت أتوق للون الصحراء وأعتبره لون الصفاء والنقاء. ثم إن الطائرة عندما حطت عجلاتها على مدرج المطار، انتابتني هزة... كما انتفض العصفور بلله القطر.

دلفت خلال خرطوم الطائرة كحبيب يدنو من موعد حبيبه، ووصلت الباب ورأيت الأهل وتحركت مشاعري، وأحسست بفخر لا يشاركني فيه أحد، كطفل خطا لتوه خطوته الأولى. ولست أريد أن أثقل عليكم إلا أنني أذكر لكم أنه بعد شهر من الإجازة ساورتني نفسي بألا أعود إلى أمريكا. وكان الشعور طاغيا، كالطفل في آخر الإجازة الصيفية يُطلب منه العودة إلى مقاعد الدراسة فتساوره نفسه بترك الدراسة والعصيان على أوامر العقل.

لست أذكر كيف ومتى ولكنني قررت في لحظة حكمة أن أفعل، قررت ألا أعود إلى أمريكا، رفعت سماعة الهاتف وكلمت المسؤول عني وقلت له: أرجو أن تعذرني ولكنني قررت ترك العمل. اتهمني الجميع بالجنون، وتضايقت مني زوجتي، ولكن الإنسان لا يملك إلا أن يستجيب إلى صوته الداخلي أحيانا. بدأت بالبحث عن عمل ووعدت بعمل مباشرة، وخابرت بعض أصدقائي وطلبت منهم أن يبيعوا بيتي وسيارتي وأثاثي وكتبي وكل ما أملك.

ملاحظة: لا أذكر أنني ندمت يوما على بيع شيء أكثر من ندمي على بيع كتبي، فقد كانت لدي مكتبة شخصية لا بأس بها، وكانت لي بها صلة وثقة وعلاقة حميمة.

المهم أنني تخليت عن أمريكا بنفس السرعة التي قررت فيها أن أذهب إليها للدراسة. وكم كانت تنتابني فكرة مضمار السباق المستدير، وها قد آن الأوان للثورة عليه. وبعد ثلاثة أشهر حصلت على العمل الذي وعدت به في أيامي الأولى. وذهبت فاستأجرت شقة متواضعة واشتريت سيارة لا بأس بها، وبدأت مشواري....

أكلمكم الآن بعد ثلاث سنوات ونصف من عودتي، ولا شك أن السنتين الأوليين لم تكونا سهلتين عليّ ولكني والله لا أذكر أنني فكرت مرة في العودة على كثر ما ذكر هذا الموضوع أمامي. ولا أقول أنني رجل غير كل المغتربين ولكنّ الله سلـّم.

أما الآن وقد استقرّ بي الأمر في وطني، فلا أعتقد أن هناك مكانا في الدنيا أرتاح به كراحتي في بلدي وبين أهلي، على الرغم من بعض المنغصات التي تطرقني من حين إلى آخر. وأسأل الله أن يكون مصير باقي المغتربين مصيري وأن يعودوا إلى بلادهم لينفعوا أهلهم عوضا عن منفعة من لا يحبون نفعنا. وأسأل الله أن يكون أولهم أخي وحبيبي الأستاذ محمد الشاويش وأخي الشاعر جمال حمدان. آمين.
الرد مع إقتباس