عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 04-12-2006, 06:00 AM
مواطن مصري مواطن مصري غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
الإقامة: مصر
المشاركات: 166
إفتراضي

رأي القرضاوي في العمليات الاستشهادية



،بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد أصدر فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فتواه بشأن العمليات الاستشهادية منذ أكثر من عامين، وما زال يدافع عن هذا الرأي ويؤيده حتى وقتنا هذا، وملخصه أن هذه العمليات من أعظم أنواع الجهاد، وهي من الإرهاب المشروع، وإليك نص فتواه:

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
تساءل الكثيرون بعد التفجيرات الأخيرة التي تمت في القدس وتل أبيب وعسقلان، وقتل فيها من قتل من الإسرائيليين، نتيجة العمليات الاستشهادية التي قام بها شباب من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) .. تساءلوا عن حكم هذه العمليات التي يسمونها (انتحارية) هل تعد جهادا في سبيل الله أو إرهابا؟ وهل هؤلاء الشباب الذين يضحون بأنفسهم في هذه العمليات يعتبرون شهداء أو يعتبرون منتحرين، لأنهم قتلوا أنفسهم بأيديهم؟ وهل يعتبر عمل هؤلاء من باب الإلقاء باليد في التهلكة الذي نهى عنه القرآن في قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة:195.

وأود أن أقول هنا: إن هذه العمليات تعد من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، وهي من الإرهاب المشروع الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) الأنفال:60.وتسمية هذه العمليات (انتحارية) تسمية خاطئة ومضللة، فهي عمليات فدائية بطولية استشهادية. وهي أبعد ما تكون عن الانتحار، ومن يقوم بها أبعد ما يكون عن نفسية المنتحر.

إن المنتحر يقتل نفسه من أجل نفسه، وهذا يقدم نفسه ضحية من أجل دينه وأمته. والمنتحر إنسان يائس من نفسه ومن روح الله. وهذا المجاهد إنسان كله أمل في روح الله تعالى ورحمته. المنتحر يتخلص من نفسه ومن همومه بقتل نفسه، والمجاهد يقاتل عدو الله وعدوه بهذا السلاح الجديد، الذي وضعه القدر في يد المستضعفين ليقاوموا به جبروت الأقوياء المستكبرين: أن يصبح المجاهد (قنبلة بشرية) تنفجر في مكان معين وزمان معين في أعداء الله والوطن، الذين يقفون عاجزين أمام هذا البطل الشهيد، الذي باع نفسه لله، ووضع رأسه على كفه، مبتغيا الشهادة في سبيل الله.

فهؤلاء الشباب الذين يدافعون عن أرضهم ـ وهي أرض الإسلام ـ وعن دينهم وعرضهم وأمتهم ـ ليسوا بمنتحرين، بل أبعد ما يكونون عن الانتحار. وإنما هم شهداء حقا، بذلوا أرواحهم ـ وهم راضون ـ في سبيل الله، ما دامت نياتهم لله، وما داموا مضطرين لهذا الطريق لإرعاب أعداء الله، المصرين على عدوانهم، المغرورين بقوتهم، وبمساندة القوى الكبرى لهم. والأمر كما قال الشاعر العربي قديما:
إذا لم يكن إلا الأسنةَ مركبٌ فما حيلة المضطر إلا ركوبها!

وليسوا بمنتحرين، وليسوا بإرهابيين، فهم يقاومون ـ مقاومة شرعية ـ من احتل أرضهم وشردهم وشرد أهلهم، واغتصب حقهم، وصادر مستقبلهم، ولا زال يمارس عدوانه عليهم. ودينهم يفرض عليهم الدفاع عن أنفسهم، ولا يجيز لهم التنازل باختيارهم عن ديارهم، التي هي جزء من دار الإسلام.

ولا يعد عمل هؤلاء الأبطال من الإلقاء باليد إلى التهلكة، كما يتصور بعض البسطاء من الناس. بل هو عمل من أعمال المخاطرة المشروعة والمحمودة في الجهاد، يقصد به النكاية في العدو، وقتل بعض أفراده، وقذف الرعب في قلوب الآخرين، وتجرئة المسلمين عليهم.

والمجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري، رجاله ونساؤه جنود في الجيش، يمكن استدعاؤهم في أي لحظه. وإذا قتل طفل أو شيخ في هذه العمليات، فهو لم يقصد بالقتل، بل عن طريق الخطأ، وبحكم الضرورات الحربية، والضرورات تبيح المحظورات.

ولا بأس أن أسوق هنا ما ذكره الفقهاء في هذا الجانب وما ذكره المفسرون في آية (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة:195.

ما قاله الجصاص الحنفي:
قال الإمام الجصاص الحنفي في كتابه (أحكام القرآن) في تفسير هذه الآية:قد قيل فيه وجوه: أحدها: مارواه بسنده عن أسلم بن عمران قال غزونا بالقسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس: مه مه! لا إله إلا الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه الإٍسلام، فقلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها. فأنزل الله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا فنصلحها وندع الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية .. فأخبر أبو أيوب أن الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله، وأن الآية في ذلك نزلت، وروي مثله عن ابن عباس وحذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك.
وروي عن البراء بن عازب وعبيدة السلماني: الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة هو اليأس من المغفرة بارتكاب المعاصي.
وقيل: هو الإسراف في الإنفاق حتى لا يجد ما يأكل ويشرب فيتلف.
وقيل: هو أن يقتحم الحرب من غير نكاية في العدو، وهو الذي تأوله القوم الذي أنكر عليهم أبو أيوب وأخبر فيه بالسبب، وليس يمتنع أن يكون جميع هذه المعاني مرادة بالآية لاحتمال اللفظ لها، وجواز اجتماعها من غير تضاد ولا تناف.

فأما حمله على الرجل الواحد يحمل على حلبة العدو، فإن محمد بن الحسن ذكر في السير الكبير: أن رجلا لو حمل على ألف رجل وهو وحده لم يكن بذلك بأس، إذا كان يطمع في نجاة، أو نكاية، فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية، فإني أكره له ذلك، لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين، فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية، ولكنه يجرئ المسلمين بذلك، حتى يفعلوا مثل ما فعل، فيقتلون وينكون العدو فلا بأس بذلك إن شاء الله، لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو ولا يطمع في النجاة، لم أر بأسا أن يحمل عليهم، فكذلك إذا طمع أن ينكى غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك، وأرجو أن يكون فيه مأجورا، وإنما يكره له ذلك: إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه، وإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية، ولكنه مما يرهب العدو، فلا بأس بذلك. لأن هذا أفضل النكاية، وفيه منفعة المسلمين.

__________________