عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 07-01-2007, 05:14 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

2ـ موقف الشهيد من الدين والطوائف والأديان ..

التطابق في الفكر والسلوك، كالتطابق في الشيء و مواصفاته القياسية، فعندما نقول : فلان رجل .. فنحن لا نقصد الذكورة في الموضوع إنما نقصد الثبات في المواقف التي يتصف بها الرجال حتى يُشهد لهم بذلك. وعندما نقول فلان مسلم فلسنا في صدد الحديث عن دينه فهناك مليار ونصف ومسلم ونصفهم من الرجال، ولكننا نقصد أن أولئك الرجال الذين يتمسكون بدينهم بشكل يتطابق ما طلبه الله عز وجل من المسلمين أن يكونوا عليه ..

هناك مسألة تتعلق بالخطاب السياسي والجانب العقائدي منه، فكما أن هناك من يرسل خطابا تكون له شروط من كلام و كاتب و متلقي وناقل للخطاب، فإن الخطاب السياسي له من يكتبه سواء كان فردا أو مجموعة أو هيئة كبرى يتكلم أو يكتب باسمها من يقوم بصياغة الخطاب، فإن هناك من ينقله ويوصله للجهة التي تتلقاه .. وأحيانا عندما تكون الجهة الناقلة تقوم بعملها بالمشافهة أو الفهم ثم إعادة صياغة الخطاب، قد ينقص الخطاب أو يتم الزيادة عليه، أو يتم تغييره إذا ما كانت الجهة الناقلة ( وسائل إعلام معادية) .. كما أن المتلقي أحيانا، لا يرغب في فض الخطاب الذي يصله، أو يحدد موقفه قبل أن يصله الخطاب، وهذا قد يحدث عندما تقوم جهات قضائية بإيصال تبليغ لأحد المطلوبين للقضاء، فيحاول أن لا يتلقى الخطاب أو يقوم برشوة من نقله لينكر عملية إيصال الخطاب.

في أحد أيام رمضان تجمع خمس وثلاثون من البعثيين تمت دعوتهم لمائدة الإفطار، لينسقوا بعد الإفطار في شأن انتخاب أعضاء مجلس نقابة ما، وكان من بينهم ثلاثة من النصارى، وبعد أن رفع الأذان تم إحضار بعض التمر و اللبن، فتناول الصائمون بعضا منه، ثم قاموا لصلاتهم فصلى اثنا وثلاثون منهم، وبعد الإفطار علق أحد المدعوين النصارى مازحا: هل أنتم متأكدون أنكم بعثيون؟

لقد حدد الشهيد صدام حسين بصفته أمينا عاما لحزب البعث، العلاقة بالدين الإسلامي من خلال ثوابت تنحاز الى جانب الإيمان ضد الإلحاد، كما لم يسمح بالعبث في مسألة إثارة النعرة الطائفية أو الدينية، فكان في صفوف الحزب من كل الديانات والمذاهب، ولا يزال في معتقلات الأعداء في العراق من كل الطوائف والأديان ..

في حين في فترة حملة الإصلاح القانوني التي جرت في أواسط السبعينات من القرن الماضي تمت إعادة صياغة القوانين بما يتلاءم مع العقيدة الإسلامية، فمثلا كانت جرائم الزنا بالأقارب تأخذ عقوبة أشد كلما اقتربت العلاقة بين الطرفين، حرصا على الحفاظ على طهارة العلاقات العائلية .. كما كانت جرائم تعاطي المخدرات كونها تتنافى مع الروح الإسلامية تلقى عقوبات قاسية، وقد كانت العراق من أنظف بلدان العالم بهذه الناحية.. وقد تم تحصين البلاد من مرض الإيدز اللعين، وكانت العراق من أقل بلدان العالم بهذه الناحية ..

لقد ميز الرئيس الشهيد بين الطائفة الشيعية وبين النوايا الصفوية الفارسية المجوسية، فكانت نسبة المنتسبين لحزب البعث تتناسب مع عدد أبناء الطائفة الشيعية .. وكلنا يذكر عندما تجمع في (التنومة) شرق شط العرب مئات الألوف من الفرس الناطقين بالعربية وعلى رأسهم محمد باقر الحكيم، وهم يرفعون شعارات ( نحن والأخوة العراقيون في خندق واحد في وجه الشيطان الأكبر!)، وكان ذلك في نهاية شهر فبراير/شباط 1991 ، وبعد أن تم دخولهم الى العراق مستغلين حالة الانسحاب من الكويت، عاثوا في الأرض فسادا، وكانوا قد احتاطوا على ملابس تحمل رتب الجيش العراقي وبلون ملابس الجيش العراقي. فأحرقوا السجلات في دوائر الأحوال المدنية ونهبوا الأرزاق من الصوامع والمستودعات، فمن تصدى لهم؟ لقد تصدى لهم أبناء العراق من شيعة و سنة، كما تصدوا للعدوان الفارسي طيلة ثمان سنوات وفي ساحات غالبية سكانها من الشيعة، وكان على رأسهم الشهيد محمد حمزة الزبيدي الذي قتله سجانوه بلؤم ..

وقد حاولت الدوائر الإمبريالية أن تستغل تلك المسألة لكنها فشلت فشلا ذريعا، فلم تستطع أن تكسب موظف في سفارة لصالحها، حتى جاءت الى أرض العراق مع أحفاد ابن العلقمي. واستطاعت لحد ما أن تستفيد من جهد جهات إقليمية، لتجند شباب محتقنين ليقوموا بالعبث بوحدة النسيج العراقي، بهجمات متبادلة لتصبح الحرب عراقية .. عراقية .. وتستريح من تقديم الخسائر ..

لقد انتقد الشهيد صدام حسين تراجع مساحة الجانب الديني في أدبيات الحزب، ففي حين كانت فترة الخمسينات مليئة بالنصوص الإيمانية إلا أنها تراجعت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي .. وقد أوضح ذلك في حديثه في شباط/فبراير 1979 أمام الأعضاء من فرع بغداد للحزب ولنفحص ما جاء بالحديث :

( أريد أن أبدأ حديثي من نقطة أرجع فيها الى الأمة العربية منذ 1400سنة، فمنذ ذلك التاريخ ظهر الإسلام كرسالة سماوية حملها العرب الى الإنسانية جمعاء، وكان القرآن المنزل من الله سبحانه وتعالى يحوي عقيدتهم، وكان دور العرب هو التفاعل مع تعاليم القرآن ونقلها وإيصالها الى أبعد نقطة في الأرض عن طريقين هما طريق الحوار والطريق الآخر هو السيف .. أو طريق الحوار الممزوج بحد السيف عند الضرورة.)

ويضيف: لذا فالأسلوب الاقتحامي لنشر العقيدة في الأرض، كصيغة من صيغ الضرورة ليس مرفوضا، طالما أن تاريخنا قد علمنا بأن رسالة السماء تحتاج الى السيف على الأرض لتسير بواسطته، وبدونها لا يمكنها أن تنتشر حسب ما هو مرسوم لها.

... ( حينما جاء الإسلام وجد أمامه ديانتين سماويتين وديانات أخرى .. ففي الجزيرة العربية كان هناك يهود و نصارى وهناك أُناس يعبدون الأصنام وهناك أحناف يعتقدون أنهم يسيرون على دين الخليل ابراهيم .. فتعامل معها الإسلام على أسس معروفة، فدخل معها في حوار لأجل دخول من دان بها بالإسلام .. ووضع أسسا لمن أراد أن يبقى على دين آباءه (بالتوارث) دون أن ينشط في التأثير على غيره من المسلمين .. ونستفيد من ذلك ( يضيف الشهيد) :

أولا: لا يمكن لدينين أو عقيدتين في مكان واحد أن يتنازعا على مركز القيادة والسلطة والسيادة الكاملة في المجتمع، وإنما لا بد لواحدة من العقيدتين أن يكون لها الدور القائد ويكون للآخرين مكانة أخرى مع المحافظة على خصوصيتهم العقائدية وطقوسهم اللاهوتية .. دون أن يتبوءوا مركزا قياديا يؤثر في حالة المجتمع (الإسلامي) الذين يعيشون داخله..

ثانيا: إن العقيدة بدون القوة المساندة والمساعدة لا يمكن أن تسير وتعمل كما ينبغي، إذن فالسيف حينما يكون وسيلة فعالة لتهيئة جو الإيمان، ويكون عاملا مساعدا أساسيا لانتشار الإيمان لا يكون مرفوضا ..

ولنفحص الملاحظة الثانية لنكتشف التطابق في شخصية صدام حسين، الذي استحضر شخصية أجداده بروح إيمانية، وذكر في ذلك الحديث لفظ (السيف) لا يقل عن خمسين مرة .. رابطا دوره في الحفاظ على الثروة القومية، وتعديل نهج أو رقاب من أراد أن يشذ عن تلك القاعدة، ومن مال لتقليد الأعداء في سلوكهم أو يتعاون معهم ..

ثم تتصاعد الفورة الإيمانية في نهج الشهيد في إدارة الدولة، فيعمم على إدارات مصالح السجون أن من يحفظ (جزء من القرآن الكريم) تخفض مدة حكمه سنة واحدة عن كل جزء، إيمانا منه بأن ليس هناك من يستطيع حفظ آيات القرآن الكريم دون أن تترك به أثرا عميقا في تهذيب نفسه .. وبهذا المجال نعود الى ما استخلصه من عِبر إسلامية، من خلال العودة الى المحاضرة السابقة .. فيقول: ( إن العرب المسلمين الأوائل حينما انتموا الى الإسلام، فإنهم من الناحية العملية لم ينتموا إليه بكل تفاصيل صورته لأن صورة الإسلام لم تكن عرفت بكاملها بعد، إلا عندما نزلت الآية الكريمة على محمد صلى الله عليه وسلم (اليوم أكملت لكم دينكم) أي بعد 23 سنة .. وهكذا فإن الكثير من طلائع المسلمين قد أصبحوا مسلمين حقيقيين قبل أن يطلعوا ويقرأوا كل الآيات .. بل قد أصبح منهم مسلما بعد اطلاعه على آيات قليلة لا تصل العشر آيات من أصل 6666 آية ..

ويضيف: لم يكن الانتماء إذن في البداية انتماءً في النوايا فحسب، وإنما هو انتماء الى النموذج بالدرجة الأساس، فتراب غارة الخيل ضد المشركين وما كان يوحي به من قيم، كان كافيا بحد ذاته أحيانا بأن يجعل العربي ينتمي الى الإسلام قبل أن يقرأ و يفهم كل آيات القرآن الكريم ...

هذه عينة قليلة من أحاديث طويلة ..

المرجع :

في نظرية العمل الثقافي / دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد/ 1990
__________________
ابن حوران