عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 11-03-2004, 09:23 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

إن كنتِ تستطيعين القراءة وتجيدينها
فاقرأي خطبة السديس كاملة وأكتبي لي ماذا استفدتي منها

هديه لأم مجاهد
إن كانت تستطيع القراءة
هذه هي خطبة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن السديس حفظه الله تحت عنوان :-

حرب المفاهيم

أمّا بعد:
فأوصيكم ـ عبادَ الله ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجل، فإنها نعمتِ الوصية، وأهلُها خير البريّة، من حقَّقها حقّق المراتبَ العليّة والمطالب السنيّة، وسلِم من كلّ فتنة وبليّة، واستوى عنده في هذه الدّنيا تِبرُها وترابها وعذبها وعذابها،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (18) سورة الحشر

أيّها المسلمون، تمرّ الليالي والأيّام، وتكِرّ الشهور والأعوام، ولا تزال أمّة الإسلام تتجرَّع المآسيَ وتعيش الفِتن، وتعصف بها الابتلاءات وأمواجُ المحن، وإذا كانت فتَن هذا الزمان قد تتابعت ومِحن العصر قد تنوَّعت وتكاثرت كحبّات عِقدٍ منتثِر أو كسيلِ سماءٍ منهمر فإنّ أشدَّ هذه الفتن خطرًا وأعظمَها أثرًا وأكثرها ضررًا فتنة العقول والفهوم؛ بصرفها عن مراد الله عزّ وجلّ ومراد رسوله ومنهجِ السلف الصالح رحمهم الله.

معاشرَ المسلمين، المتأمِّل في مسيرة الأمّة الإسلامية عبر تأريخها الطويل يجد أن هناك أنواعًا مِن الانحرافات الخطيرة التي مُنيت بها هذه الأمّة، غيرَ أنّ انحرافَ المفاهيم هو الخلاصة المرَّة التي آل إليها الانحرافُ التأريخيّ برُمَّته، ولئن ظنَّ بعض الغيورين أنّ ما أصاب الأمّةَ من أرزاء هو إفرازُ الانحرافات السلوكيّة المتفشِّية بين ظهرانيها، فإنّ مِن المؤكَّد أنّ الانحراف الأخطرَ بلا مُوارَبة الذي رُزئت به أمّتُنا عبرَ التأريخ هو الانحرافُ في الأفكار والمفاهيم. فقد يجِد الدّاعية رجلين؛ أحدُهما منحرف السلوكِ مستقيم المفاهيم، والآخر منحرفٌ في السلوك والمفاهيم، فسيبذل جهدًا يسيرًا مع الأوّل لصحّة مفاهيمه، بينما سيبذل جهدًا أكبرَ مع الآخر لأنّه يحتاج أوّلاً إلى تصحيح مفاهيمه، ثمّ بعد ذلك تصحيح سلوكه. وتلك هي الحقيقة المرّةُ في حال كثيرٍ من أبناء أمّتنا اليوم، فلقد تجاوز الانحرافُ مرحلةَ السلوك، وبلغ ذِروتَه في المفاهيم الرئيسَة لهذا الدّين القويم، لذلك فليس من الغرابةِ أن تعيشَ أمّتنا شدّةَ الكربة وحالة الغُربة التي أخبر عنها المصطفى في الحديث الصحيح عند مسلم وغيره: ((بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ))[1].

وأيُّ اغترابٍ فوق غربتِنا التي لها صارتِ الأعداءُ فينا تحكَّمُ[2]

إخوةَ الإيمان، قضيّة الفَهم الصحيح قضيّةٌ من أهمِّ القضايا التي ينبغي العنايةُ بها، لا سيّما في أوقاتِ الفتن؛ إذ بها تتفاوت مراتبُ الخَلق في إصابةِ الحقّ، ولذلك اختصَّ الله نبيَّه سليمان عليه السلام بالفَهم مع ثنائه عليه وعلى داودَ بالعِلم والحُكم، قال تعالى:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} (79) سورة الأنبياء، وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لأبي موسى في كتابه إليه: (الفهمَ الفهمَ فيما أُدلِي إليك)[3]، وقال عليّ رضي الله عنه: (أو فَهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه)[4]، وقال أبو سعيد: كان أبو بكر رضي الله عنه أعلمَنا برسول الله [5]، ودعا النبيّ عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما أن يفقِّهه في الدين ويعلِّمه التأويل[6]، وتلك مرتبةٌ فوق مرتبةِ العلم المجرَّد.

يقول الإمام العلاّمة ابن القيّم رحمه الله:"صِحّة الفَهم وحُسنُ القصد من أعظم نِعم الله التي أنعم بها على عبدِه، بل ما أعطِيَ عبدٌ عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامُه عليهما، وبهما يأمن العبدُ طريقَ المغضوب عليهم الذين فسَد قصدُهم وطريقَ الضّالين الذين فسدت فهومُهم، ويصير من المنعَم عليهم الذين حسُنت أفهامهم وقصودُهم، وهم أهلُ الصراط المستقيم الذين أمِرنا أن نسأل اللهَ أن يهديَنا صراطَهم في كلِّ صلاة. وصحَّةُ الفهم نورٌ يقذِفه الله في قلبِ العبد، يميّز به بين الصحيحِ والفاسد والحقِّ والباطل والهدى والضّلال والغيِّ والرشاد"، ثمّ قال رحمه الله: "ولا يتمكَّن المفتِي ولا الحاكمُ من الفتوى والحكمِ بالحقّ إلا بنوعين من الفهم، أحدهما: فهمُ الواقع والفِقه فيه، والثاني: فهمُ الواجب في الواقع، وهو فهمُ حكم الله الذي حكَم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقعِ، ثمّ يطبِّق أحدَهما على الآخر"، إلى أن قال رحمه الله: "ومَن تأمَّل الشريعةَ وقضايا الصحابةِ وجدها طافحةً بهذا، ومَن سلك غيرَ هذا أضاع على الناس حقوقَهم، ونسبَه إلى الشريعةِ التي بعَث الله بها رسولَه " انتهى كلامُه رحمه الله[7].

إخوةَ العقيدة، المستقرئ لحوادثِ التأريخ يجِد أنّ إساءةَ المفاهيم وراءَ كلِّ مِحنة بُليت بها هذه الأمّة، بل البشريّة قاطبة، وهل أُبلِسَ إبلِيس وقُتل هابيل وافترَق أهلُ الكتابَين وافترقَت هذه الأمّة وأريقَت دماء المسلمين وتسلّط عليهم أعداؤهم إلاّ بسببها؟! وما الذي سفَك دمَ عثمان وعليٍّ والحسين وابنِ الزبير وابن جُبير وغيرِهم من سادات الأمّة إلا ذلك؟! وما الذي أريقَت عليه الدّماء في فتنةِ أبي مسلم؟! وما الذي جرَّد الإمام أحمدَ بين العِقابين وضربِ السّياط حتى عجَّت الخليقةُ إلى ربِّها وخلَّد خلقًا في السّجون وسلَّط سيوفَ التتار على ديار الإسلام ومهَّد لطوائفِ الإلحاد والزندقة والنفاق والخوارج والفرق الضّالة إلا سوءُ المفاهيم؟!

ولهم نصوصٌ قصَّروا في فهمِها فأُتوا من التقصير في العرفان[8]

أمّة الإسلام، وما أشبهَ الليلةَ بالبارحة، فها هي الصِّراعات العالمية والتحدياتُ الدولية تنطلق من سوء المفاهيم، وهل مَوجات الغزو الفكريِّ والعقديِّ والأخلاقيِّ والإعلاميِّ المعاصر إلا حربُ مفاهيم؟! وهل فَرض أنماطٍ ثقافيّة وفكريّة وإملاءُ اتجاهاتٍ إصلاحيّة معيّنة باسم العولمة والانفتاحِ والحريّة إلا معركةُ مفاهيم؟! وهل كيل التُّهم على الأمّة الإسلامية بدعوى الإرهاب وعدم مراعاة حقوق الإنسان ومصادرة الحريّات وإقصاء مناهج الحقّ والعدلِ والسلام والنيل من القيم والمثُل النبيلة والكيلُ في القضايا الإسلاميّة بمكيالين إلاّ صراعُ مفاهيم؟!

وإن تعجبوا ـ يا رعاكم الله ـ فعجبٌ تحويل المفاهيم الخاطئة بفِعل الإعلام الموجَّه المضادّ إلى حقائقَ مسلَّمةٍ عند كثيرٍ من المتلَّقين، فمفهومُ الإرهاب مثلاً لا يكون محارَبًا إلا إذا كان خطأً من بعض أهل الإسلام، لكن سَحق المقدَّرات والعبَث بالمقدَّسات بحربِ المجازر والمجنزرات من العدوِّ الصهيونيّ الغاشِم ضدَّ إخواننا في فلسطين لا يُعدّ ذلك إرهابًا بإفكِهم، بينما الدّفاع عن الحقوق المشروعة في الأرض والحفاظ على الدين والعِرض يعدّ إرهابًا بزعمِهم!! فليسَ بعد هذا تلاعبٌ بالمفاهيم. وإذا كان هذا غيرَ مستغرَب مع الخصم في عصرٍ بُحّت فيه بعضُ حناجر المنهزمِين فكريًّا من بين جِلدتنا أمام ما يسمَّى بـ"الآخر" فإنّ صدورَ آثار المفاهيم في الاختلاف بين أهل الإسلام وتحويلها إلى صراعات دموية لأمرٌ يبعث على الغرابَة.

ولقد تابع الغيورون ما جَرى ويجرِي على أرضِ العِراق من نزيفِ الدمِ المهراق ممّا يبعث على الإدانة والاستنكار، ويتيح الفرصةَ للعدوّ المتربِّص بخيراتِ العراق ومقدَّراته، ولذا فالدعوةُ موجّهة بإشفاقٍ لإخواننا في بلاد الرافدين لإلقاءِ السلاح فيما بينهم، وحقنِ دماء المسلمين، ووقفِ شلاّلات الدماء البريئة، والمحافظة على وحدة الشعب العراقيّ المسلم ومصالحه الشرعية، والاجتماع على مفاهيم الكتابِ والسنّة الغرّاء ونبذ ما يخالفها.

إخوةَ الإسلام، ولعلَّ أخطرَ حروبِ المفاهيم التي بُليَت بها الأمّة المفاهيمُ العقدية في تحقيق معنى الشهادتين وتوحيدِ العبادة والأسماء والصفاتِ والقضاء والقدر والولاء والبراء والشّرك والتوسُّل والتبرُّك والشفاعة والولاية والجماعة والتكفير والغلوّ والمحبّة والخصائص النبويّة والموقف من الصحابة وما يكون في اليوم الآخر ونحو ذلك، كما أن مفاهيمَ العبادات والمعاملات والعقودِ والقضاء وتمييز الأحكام والنظرة إلى الإنسان والكون والحياة وعمارةِ الأرض، إضافةً إلى مفاهيم الدعوةِ والحسبة والجهاد، وقضايا الفكر والثقافة والحرية، وقضايا الشباب والمرأة والحجاب والحوار والإصلاح والنوازل والمستجدّات المعاصرة، كلُّ هذه مما يحتاج إلى تأصيلٍ شرعيّ للمفاهيم الصحيحة وفقهٍ واقعيّ يُعنى بما يُسمّيه أهل العلم كالشاطبي وغيره فقهَ المآلات وكذا فقه الأولويات وفقه المرحلة التي تمرّ بها الأمّة من حيث القوةُ والضعف كما نصّ على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في عنايةٍ بالنصوص وضبطٍ للاستدلال وصحّة في الاستنباط وحسن توظيفٍ لمقاصد الشريعة وقواعد الفقه فيها.

إنّها دعوةٌ صادقة لتصحيح المفاهيم الخاطئةِ عن ديننا وشريعتنا، تبدأ أوّلاً من أنفسنا نحن أهل الإسلام وإخواننا في تصحيح عقيدتنا وتصوّراتنا ومفاهيمنا، ثمّ مع غيرنا في تصحيحِ صورةِ الإسلام المشوَّهة مع شديد الأسف لدى كثيرٍ من شعوب العالم.

لا بدّ من تصحيح منهَج التلقّي في الفهم لهذا الدّين القويم الذي أصابه خللٌ ذريع عند فئام من النّاس، فما بال أقوامٍ اختلطت عندهم الأفهامُ وداخلها الخلطُ واللَّبس والإيهام، وعُزلت عن نور الوحي ومشكاة سنّة سيّد الأنام، وكرَعت في أوحال الضلالات والأوهام، وخيَّم عليها فسطاطُ الأباطيل والإظلام، حتى توارت المفاهيم الصحيحةُ في أنفاق مظلمةٍ من المفاهيم الغريبَة، وغرقت كثيرٌ من أشرعَة المناهج السليمة في بحارِ ومستنقعات المناهج السقيمة، ممّا يتطلّب من رُبّان سفينة هذه الأمّة من أهل العلم والعقل والدعوةِ والإصلاح العملَ بجدٍّ في إصلاح المفاهيم وربط الأمّة بمفاهيم خير القرون عليهم من الله الرحمة والرضوان، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "وآراؤهم لنا ـ يعني الصحابة ـ أحمدُ وأولى لنا من آرائنا عندنا لأنفسنا"[9]، ويقول الإمام أحمد رحمه الله: "حبُّهم ـ أي: الصحابة ـ سنّة، والدعاء لهم قُربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارِهم فضيلة"[10]، ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "يجب على كلِّ ناظر في الدليل الشرعيّ مراعاةُ ما فهِم منه الأوّلون وما كانوا عليه في العمل به، فهو أحرى بالصّواب، وأقومُ في العلم والعمل"[11].

ولئن طالبَ كلٌّ بتصحيح مفاهيم غيرِه فإنّ الفيصلَ في ذلك فهمُ السلف الصالح رحمهم الله، والله عزّ وجلّ يقول: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (10) سورة الشورى ، ويقول سبحانه: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء

ألا فاتقوا الله عبادَ الله، وتمسّكوا جميعًا بالكتاب والسنّة، واتَّحِدوا على فهمِ سلف الأمّة، تسعَدوا وتفلِحوا في دنياكم وأخراكم.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيّد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه كان للأوّابين غفورًا.

جزى الله من أرسلها لي خير الجزاء وبارك فيه
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }