عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 05-01-2007, 08:41 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

علاقة الشهيد بحزب البعث

تدمع أعين الرجال الذين هالهم المشهد بتوقيته ووسائله و شماتة الأعداء من شرق الوطن وغربه، ثم تنبعث تنهيدة متحسرة ممزوجة بتمتمة غريبة، انبثقت من مخزون زرع في نفوس أبناء الأمة منذ وقت طويل .. لو لم يكن بعثيا، ولو لم يكن علمانيا و لو لم يكن على علاقة بالنصراني (ميشيل عفلق) وتستمر سلسلة من التساؤلات، وكل تساؤل يحتاج لإيضاح ..

عندما بدأت قوة الدولة العثمانية تتهاوى في القرن التاسع عشر، وعندما ظهرت محاولات داخل العرق التركي (الذي كان بيده الحكم) تطالب بالتركيز على العرق التركي داخل الإمبراطورية العثمانية الآخذة بالتفسخ، ومطالبة بتتريك الرعايا التي تحت حكمها، استشعر العرب الخطورة من ذلك. وساعدهم في ذلك بروز ظاهرة الدولة/الأمة في أوروبا وبالذات الدول التي انسلخت من جسم الإمبراطورية الهرمة. كما ساعدهم في بلورة تصورهم ما كان يُضخ من أفكار ضخمة في العالم تتعلق بقوة الأمة التي تضخها، ( ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا). ولما كانت البعثات الطلابية للرعيل الأول من المتعلمين العرب يتم في دول أوروبا من خلال الدولة التي كانت تحكم مصر، حيث ثلث سكان الوطن العربي، وأنشط ما يمكن أن يكون من حركة فكرية وإدارية وسياسية، سبقت بقية المناطق العربية.

عند كل ذلك ظهرت بوادر النشاط الذهني المقترن بصفة قومية وعربية، وقد رافق ذلك النشاط ظهور تيارات إسلامية إصلاحية ( الأفغاني، والكواكبي ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم)، فكان هناك من يرفع شعارا (لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح أولها) وهذا القول ردده الأفغاني وهو قول يُنسب للإمام الشافعي أصلا والذي لم يكن بعيدا عن نقطة انطلاق الإسلام بالمسافة التي بعُد الأفغاني عنها. ولو وضعنا خطا أحمرا تحت (ما) صلح أولها، فتكون الإشارة واضحة بزوال كل العوامل التي تعيق الانطلاق الجديد للأمة، كما أزيلت إمبراطوريتي الفرس والروم اللتان كانتا تشاغلا الانطلاقة الأولى، وعليه فإنه يستوجب على من يريد الانطلاقة الجديدة أن يُزيل كل القوى التي تعايش أمتنا الراهنة. فهل حقا يستوجب أمر الانطلاق أن نلغي ونعطل دور كل الأمم، حتى يُفسح لأمتنا نهوضها؟

من هنا ظهر تيار ليبرالي قاده سلامة موسى و بطرس البستاني وغيرهما، يردون فيه على ذلك المطلب بالقول: ( لا يصلح أمر هذه الأمة .. إلا بما صلح أمر أعداءها) .. وهل علينا أن نستعمر الشعوب، وننهب خيراتها كما يفعل أعداؤنا لكي نضمن لأنفسنا انطلاقة مشرفة؟.. وقد ذهب قسم منهم لتغيير الحرف العربي والكتابة بالحرف اللاتيني و ذهب قسم منهم للتركيز على الأقاليم، لا بصفتها الجغرافية فحسب، بل بصيغة حضارية خبيثة، كالدعوة لوحدة وادي النيل بصفته التاريخية والحضارية، وهناك من دعا لوحدة الهلال الخصيب بتكوينه المتشابه حضاريا، والمغرب الأقصى الخ ..

على ضوء ذلك ظهرت أصوات وأقلام أرادت أن تتجنب الضبابية في طرح الإسلاميين الإصلاحيين الذين نادوا بتأسيس جامعة إسلامية ليست معروفة حدودها على وجه الدقة، ولم ترق لهم طروحات الأفغاني الحالمة كما لم يفهموا معنى المستبد العادل عند محمد عبده. وراعهم تلك الدعوات الليبرالية التي تريد الانخراط باللعبة العالمية بكل ما لها من مساوئ ولا تلتقي مع الشخصية الحضارية العربية الإسلامية .. فظهرت شخصيات على امتداد الوطن العربي قد تتشابه في طرحها وقد تختلف أحيانا في أهدافها، لكنها لم تتوقف عند المذهب الديني ولم تدع الى مناهضة الدين. فظهر (ساطع الحصري) في سوريا أولا ثم العراق بعد أن التحق بفيصل ابن الحسين، وكان قد ظهر رفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الرافعي و (محمد حسين هيكل) في مصر وكانت كتاباته في مجلة الهلال تحت عنوان (الإحياء العربي) .. وظهر عبد العزيز الثعالبي في تونس، كما ظهر احمد أمين و قسطنطين زريق و الأمير شكيب أرسلان ، وميشيل عفلق ، والمئات من الكتاب. وقد اعتبر الكثير من المؤرخين أن ساطع الحصري و ميشيل عفلق يعتبران أعظم فلاسفة الوحدة العربية، كما هما ( فيختة ومازيني) رائدي الوحدة في كل من ألمانيا و إيطاليا*1

فكان هذا الجو المملوء فضاءه الذهني بالنشاط القومي، لا بد أن يطور أداءه مع تطور الأحداث التي رافقت ظهوره. فاتفاقية (سايكس ـ بيكو) ووعد بلفور، ومعارك فلسطين ومعارك الاستقلال في كل مكان من الوطن العربي. فظهرت حركة البعث في عام 1943 لتتحول الى حزب البعث عام 1947 وتقدم أول شهيد لها في فلسطين (جلال كعوش) .. ثم يتحد حزب البعث مع الحزب العربي الاشتراكي (أكرم الحوراني) عام 1951، ليصبح اسمه الجديد حزب البعث العربي الاشتراكي.. وطالما أنه رفع شعاره الوحدوي المعروف، فكان لا بد من وسيلة وحدوية وهي تنظيمه الوحدوي الذي كان يضم في قيادته من كل الأقطار العربية بما فيها العراق ..

المراجع :

1ـ تطور الفكر القومي العربي/مجموعة باحثين/ مركز دراسات الوحدة العربية / بيروت/ الطبعة الأولى 1986/ ص 204
__________________
ابن حوران