عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 04-12-2004, 05:29 PM
فارس ترجل فارس ترجل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
المشاركات: 563
إفتراضي نقد الخطاب المفتوح إلى الشعب العراقي المجاهد


نقد الخطاب المفتوح إلى الشعب العراقي المجاهد

إن الحمد لله: نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، من يطع الله ورسوله فقد اهتدى ورشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، وضل ضلالاً بعيداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا وشفيعنا وحبيب قلوبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه.

{يا أيها الذين ءامنُوا اتقوا الله حق تُقاتهِ، ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون}، (آل عمران؛ 3 :102).

{يا أيُهَا النَاسُ اتقُوا ربكم الذى خلقكم من نفسٍ واحدةٍ، وخلق منها زوجَهَا، وبث مِنهُمَا رجالاً كثيرًا وِنسَاءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبًا}، (النساء؛ 4 :1).

{يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله، وقولوا قولاً سديدًا v يُصلح لكم أعَمَاَلَكُم، ويَغفِر لكم ذُنُوبَكُم، ومن يُطِعِ الله وَرسُولَهُ فقد فَاز فوزًا عظيمًا}، (الأحزاب؛ 33 :70).

إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هو الأسوة الحسنة: نعم الأسوة، ونعم القدوة. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد:

خرجت علينا وسائل الإعلام قبل عدة أيام بـ(خطاب مفتوح إلى الشعب العراقي المجاهد)، غير مؤرخ، نسبته إلى مجموعة من (المشايخ) فيما يسمى بالسعودية. ونظراً لما احتواه (الخطاب المفتوح) من قصور فاحش، وتناقضات، ومغالطات في وصف الواقع، وأخطاء في تنزيل النصوص الشرعية، ولكثرة انخداع طيبي القلوب من المسلمين بهؤلاء الموقعين لما لهم من السابقة الحسنة، وفرحهم بكل ما يصدر منهم من (دعم) للجهاد، ولو كان ذليلاً، ولما كانت هناك قرائن ومبررات توجب التخوف من وقوع بعضهم فريسة لغواية الطغمة الحاكمة من آل سعود أو تضليلها. تلك الطغمة التي كانت وما زالت تتحمل المسؤولية الكبرى لكارثة العراق؛

- ولوجود القرائن القوية على أن (الخطاب المفتوح) يصب في مصلحة طواغيت آل سعود الذين قتلوا وقاتلوا أهل الإسلام، وما زالوا يقاتلونهم تحت الراية الأمريكية، كما يشهد لذلك أن الموقعين ما زالوا أحرار طلقاء، على النقيض من الاعتقال الفوري للشيخ الإمام الدكتور سعيد بن زعير بعد تعليق عابر في قناة الجزيرة؛

لذلك كله، ولغيره من الاعتبارات المهمة، وجب علينا البيان و التعقيب.

وقد بدأ الخلل في (الخطاب المفتوح) مباشرة بعد الافتتاحية، حيث جاء: (فقد دعا إلى تدوين هذا الخطاب الحال الاستثنائية التي يمر بها أهلنا في العراق، والتي توجب التناصر والتضافر وتبادل الرأي والمشورة والنصيحة التي هي من حق المسلم على أخيه).

نعم: التناصر وتبادل الرأي والمشورة والنصيحة بين المسلمين واجب شرعي، لا سيما في الأحوال الاستثنائية. إلا أن المشورة وتبادل الرأي لا معنى لها، ولا محصول يرجى من ورائها، إذا لم تتميز بالحرية التامة في إبداء الرأي، والتوصيف الدقيق للواقع، واستجلاء أحداث الماضي التي أدت إلى هذه (الحالة الاستثنائية).

والخطاب قد تكلم عن العراق معزولاً عن بقية العالم، كأنه قطر في كوكب آخر، وليس ها هنا على الأرض؛ أو كأنه نشأ البارحة، وليس له تاريخ طويل: فليس في الخطاب كلام عن دول الجوار ودورها، ودور المسلمين المقيمين فيها. وبطبيعة الحال ليس ثمة حرف واحد عن آل سعود، الخونة العملاء، السفلة الأشقياء، الذين تسببوا في هذا البلاء. فقبل خمس عشر عاما إنطلق أكثر من نصف مليون جندي أمريكي من السعودية بفتوى هيئة كبار العلماء السعودية و ما أنفكت عن حصار الشعب المسلم في العراق فضلا عن الغزو الأخير.

لقد أغمض الموقعون أعينهم تماماً عن رؤية الطائرات الأمريكية وهي تقلع من مطارات عرعر والظهران والخرج لدك الفلوجة المجاهدة الصابرة في الأشهر والأسابيع الأخيرة، وحتى هذه الساعة.

ونسأل (أصحاب الفضيلة الفقهاء) : ألم يفترس الأمريكان العراق قبل عام ونصف، وبدأت المقاومة فوراً؟! فأين كنتم طوال هذه المدة، وما لنا لم نحظى بآرائكم البديعة أنذاك؟!

وقد يعترض معترض: ففي كلامهم خير كثير، وليس كله من الباطل.

فنقول: نعم، ولكنه مزج بباطل، وفيه تدليس ومراوغة، وفيه كتمان لبعض الحق، كما سنفصل بعضه.

و البيان والصدع بالحق كاملاً واجب في جميع الأحوال، وهو في هذه المواقف آكد و أوجب في مواقف القتال والجهاد، التي تسفك فيها الدماء وتقطع الأطراف و تتطاير الأشلاء وتدمر الممتلكات: فمن دلس أو مزج حقاً بباطل في كلامه فهو متكلم بِشر، وليس هو ممن قال خيراً، كما قال الله، جل جلاله، وسما مقامه، موبخاً متوعداً: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، (آل عمران؛3 :71).

بعد أن تكلم (الخطاب المفتوح) بلغة خطابية عاطفية، عن خطر الاحتراب الداخلي، وذكر بعض العمومات، توجه ببعض النصائح التي لا صلة لها بالخطاب السياسي المؤصل ، فأغلبية الموقعين ليسوا ساسة أو رجال دولة، أو حتى رجال حرب وقتال، هذا إذا أحسنا الظن، ولم نصنفهم في عداد (منافقة القراء)، فقهاء السلاطين الخونة!

وفي أثناء ذلك قال نصاً: (ومن أعظم أسباب الفتن: التعاند وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وأن يظن بنفسه الصدق والصواب، وبالآخرين الريبة وسوء النية.وهذا يمهد للحرب التي ينتظرها الكثيرون من خصوم هذه الأمة، ويسعدهم أن تقع بأيدينا لا بأيديهم). وأقل ما يقال عن هذا النص أنه غامض مشوش فـ(الصواب) يقابله (الخطأ)، وليس هو من باب (الصدق والإخلاص) التي يضادها: (الريبة وسوء النية).

ومن المعلوم أن الأصل في المسلم العاقل أنه لا يقوم بعمل إلا وهو على قناعة بأنه على صواب (ولكنه يحتمل الخطأ إذا كانت المسألة اجتهادية)، وأن رأي المخالف خطأ (ولكنه يحتمل الصواب إن كانت المسألة اجتهادية). وهذا أولى وآكد في أعمال الجهاد والقتال التي تضرب فيها الأعناق، وتتلف الأموال. أما (الريبة واتهام النية) فالأصل أن لا تكون في التعامل بين المسلمين، إلا إذا قامت البينة، ووجد البرهان.

على أن الواقع العراقي يدل على أن المجاهدين في العراق من أبعد الناس عن (الريبة واتهام النية)، وأن أهل العراق من أكثر الشعوب الإسلامية بعداً عن العنعنات القبلية والعرقية والحزبية والمذهبية والطائفية. وصفوف المجاهدين تضم بعثيين سابقين بعضهم لا يكاد يحسن حتى الصلاة المكتوبة. كما أن معلوماتنا المؤكدة تشير إلى أن المجاهدين في الفلوجة مدوا يد العون والعتاد والتدريب لأهل النجف أثناء مواجهتهم الأخيرة مع الكافر المستعمر الأمريكي، ولولا خيانة علي السيستاني، أية الشيطان العظمى، لسارت الأمور غير مسارها الذي كان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والموقعون على (الخطاب المفتوح) تركوا الأمر مفتوحاً، ولم يتحفونا بمثال واقعي من (الريبة واتهام النية) نسترشد به: فلعلهم يستبقون الأحداث، ويخافون أن تتهم نواياهم هم، على طريقة (كاد المريب أن يقول خذوني)؟!

وهل يجوز لوم أهل العراق إن اساؤوا الظن بمن سكت على حصارهم وذبحهم لأكثر من عشر سنوات، متسبباً في موت مئات الألوف من الرضع والبالغين، بل ووصف دولة آل سعود بأنها: (دولة مباركة، نصر الله بها الحق وأهله، كما أفحش مفتيها عبد العزيز بن باز)؟! دولة آل سعود المجرمة المتولية للكفار الحربيين، المقاتلة تحت رايتهم وقيادتهم، المعينة لهم على تدمير العراق، وذبح أهله، ثم افتراسه مؤخراً!! ألستم أنتم، معشر الموقعين على (الخطاب المفتوح)، من جملة الساكتين، والمزكين لهذه (الدولة المباركة، التي نصر الله بها الحق وأهله)؟! وهل بينتم موقفكم من (ولي أمركم) قاتل المسلمين، حليف الكفار الحربيين المعاهدين بين يديكم في الرياض؟!

ثم استمر (الخطاب المفتوح) فقال: (ثم إن من شروط النجاح فهم الظرف والمرحلة والواقع الذي يعيشه الإنسان فهماً جيداً؛ فإن أي طموح أو تطلع لا يعتد بالرؤية الواقعية ولا يقرأ الخارطة بكل تداخلاتها وتناقضاتها وألوانها؛ فإنه يؤدي به إلى الفشل وإذا كان الله تعالى قال: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (60) سورة الأنفال، فإن أعظم القوة هي قوة العقل والنظر والرؤية الإستراتيجية). فنقول: هذا ملمح جيد، بلا شك، لا أظن ان الموقعين علي (الخطاب المفتوح) سبقوا إليه: (أعظم القوة هي: قوة العقل، والنظر، والرؤية الإستراتيجية).

إلا أنهم سرعان ما قالوا: (وأكثر الإشكالات تأتي من جهة اختلاف الرؤية للواقع، وعدم تمثله بشكل صحيح، أو من النظر إليه من زاوية واحدة، أو من التعويل على صناعة المستقبل دون اعتداد بالحاضر، أو إدراك لصعوباته. وهذا شأن يعز إدراكه على الكثيرين ويحتاج إلى رؤية جماعية ذات معايشة وفهم ودراية ودربة وتعقل وتجربة).

فنقول: وكيف تتيسر هذه (الرؤية الجماعية) لمن هو غارق إلى أذنيه في تدبير أساسيات المعاش لأهله على مدى أكثر من عشر سنوات من الحصار المدمر الذي شاركت فيه دولتكم المباركة ، وهو الآن في ميدان القتال، في كر وفر، لدفع الكافر الحربي المحتل ، تحت قصف القنابل من طائرات تقلع من مطارات نفس (الدولة المباركة، التي نصر الله بها الحق وأهله)؟!

وأين كنتم، وأنتم (فقهاء الأمة) وقادتها، أصحاب العقيدة السلفية الصحيحة، المتمتعين بالأرزاق الضخمة، والسيارات الفارهة، والصحة والفراغ، من التصدي لمثل هذه المهمة، وإنجاز الدراسات الاستراتيجية المناسبة، لا سيما مع الإمكانيات الضخمة لدولتكم، مع أننا بإمكانياتنا الضئيلة المحدودة أنجزنا رسالة: (قتال الطوائف الممتنعة)، وغيرها، وأنجز الشخ المجاهد يوسف العييري، الذين باركتم قتله، أبحاثه القيمة وهو مطارد.

ثم تطرق (الخطاب المفتوح) لموضوع الجهاد في العراق، فقرر مشروعيته، وأنه من جهاد الدفع، فجاء بكلام عام جيد وأكد أنه: (لا يشترط له ما يشترط لجهاد المبادأة والطلب، ولا يلزم له وجود قيادة عامة). وقال أيضاً: (فالمقاومة إذاً حق مشروع، بل واجب شرعي يلزم الشعب العراقي الدفاع عن نفسه وعرضه وأرضه ونفطه وحاضره ومستقبله ضد التحالف الاستعماري كما قاوم الاستعمار البريطاني من قبل).

ولكن (الخطاب المفتوح) فوت فرصة بيان أن الخضوع لحكم الكفر، وقبوله، والرضا به، لا فرق بين هيمنة كافر حربي أجنبي مستعمر، أو حاكم محلي لا يحكم بما أنزل الله، ليس فقط إثماً عظيماً، بل هو من أعمال الكفر: يكفر فاعله، إلا من عذر بجهل، أو قام به مانع آخر من موانع التكفير. وهذا تقصير فاحش لأن غالبية الشعب العراقي تعاني من نقص شديد في الخلفية الشرعية، فكانت هذه فرصة طيبة سانحة لتوضيح هذه القضية العقائدية الأساسية، ما كان ينبغي تفويتها.

كما قصر (الخطاب المفتوح) تقصيراً فاحشاً، وخلط قضايا متباينة الدرجة عندما قال: (ولا يجوز لمسلم أن يؤذي أحداً من رجال المقاومة، ولا أن يدل عليهم فضلاً عن أن يؤذي أحداً من أهلهم وأبنائهم، بل تجب نصرتهم وحمايتهم). كيف يكون هذا القول، على ضعفه وهزاله، حقاً في العراق، وهو في نظركم باطل لا ينطبق على من يقاوم الحربيين الأمريكيين في جزيرة العرب؟!

كان الواجب أن يقال، مثلاً: (من الكبائر المحرمة حرمة مغلظة إيذاء أحد من رجال المقاومة، أو إيذاء أحد من أهلهم وأبنائهم، بل تجب نصرتهم وحمايتهم. أما دلالة السلطات الكافرة عليهم، أو أطلاعها على أسرارهم، أو إسلامهم لها، فليس هو من الكبائر المحرمة فقط، بل هو من {اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين}، وهو كفر وردة، وشر منه وأفظع: الانضواء تحت راية كفرية لمقاتلتهم، لا فرق بين راية الكافر المستعمر الأجنبي والحاكم الكافر المحلي). والغريب أن من بين الموقعين الدكتور محمدبن سعيد القحطاني (أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى سابقا) مؤلف كتاب (الولاء والبراء)، فكيف فاته هذا؟!

وتستمر التخاليط في قولهم في (الخطاب المفتوح): (يحرم على كل مسلم أن يقدم أي دعم أو مساندة للعمليات العسكرية من قبل جنود الاحتلال لأن ذلك إعانة على الإثم والعدوان. أما ما يتعلق بمصالح البلد .... إلخ).