عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 19-07-2005, 11:14 AM
الهلالى الهلالى غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2004
المشاركات: 1,294
إفتراضي سنوات التيه .... [حسين بن محمود] 12 جمادى الآخرة 1426ه

بسم الله الرحمن الرحيم

سنوات التيه


الحمد لله الواحد القهار الملك الجبار الكبير المتعال ، ناصر المؤمين الأخيار ، الآمر بضرب أعناق الكفار .. والصلاة والسلام على النبي المختار ، سيد الأخيار ، المبعوث بين يدي الساعة بالحسام البتار ، المنصور بالرعب على الفجّار .. أما بعد ..

أخبرني رجل كبير السن - من أحد دويلات جزيرة العرب - بأن الخواجا (الرجل الغربي) كان إذا ودّعه أو استقبله شيخ من شيوخ الخليج فإنه لا ينزل (الخواجا) أو يركب طائرته حتى يقوم أحد الحرس الخاص للشيخ الخليجي بالجلوس على الأرض - جلسة الدواب - فيطأ الخواجا برجله على ظهر هذا الرجل المسلم ليركب طائرته الصغيرة !!

ويقول : كان الخواجا إذا دخل قرية أو مدينة من مدن الخليج الساحلية فإن المدينة تنقلب رأساً على عقب ، ويخرج أهلها – رجالاً ونساء – لاستقباله ، فما تراهم إلا مبتسمين متهللة وجوههم ، ما تسعهم الدنيا ، فإذا انصرف تفاخر القوم بأن أحدهم كلّمه ، والآخر حمل حقيبته ، وأن فلانا استضافه في بيته ... !!

يرى الناظر هذا جليّا في رسائل رؤساء القبائل والأعيان والأمراء العرب لضباط الجيش البريطاني ومسؤولي الحكومة البريطانية أو الفرنسية أو غيرها من الدول الغربية في القرن المنصرم ، فتجد هذا الشيخ أو الأمير يكتب رسائل مجملها بهذه الصيغة : "إلى صاحب الفخامة ، والمقام السامي ،
والسيد المعظم ، وجلالة سفير بريطانيا العظمى المحروسة ، أو حرسها الله ، أو غيرها من عبارا التفخيم والتعظيم ، ثم يوقع أدناه -
من خادمكم الفقير ، أو نائبكم الحقير ، أو تابعكم الذليل ، أو غيرها من عبارات التبعية والإنهزامية ..
وهذه الرسائل فيها من عجائب الذل والهوان وغرائب تعظيم الكفار ما يتقزز منه عقل العاقل ويشمئز منه الإنسان السويّ !! هذه الرسائل وثائق مكتوبة ومدونة في كتب التأريخ الحديث للخليج العربي ..

وهذه الصيغة القبيحة تغيرت قليلاً عالمياً في الآونة الأخيرة لتغير حال السياسات الدولية ، ولاكن عبارات التفخيم والتعظيم الخليجية لا زالت على درجة كبيرة من الوقاحة والدونية ..

هذه النظرة للإنسان الغربي بدأت منذ أكثر من ثلاث مائة سنة ، وفي عصر إنحطاط الخلافة العثمانية ، حيث حرص بعض الخلفاء المنهزمون نفسيا على تغريب جيش الإنكشارية العثماني ، وأتوا بمدربين أوروبيين يعلّمون الجنود المسلمين أساليب الحروب النظامية ، وكان بعض سلاطين الدولة العثمانية يعظمون سفراء الدول الغربية ويجعلون لهم الإمتيازات الخارجة عن المنطق والعقلانية ، فتغلغلت هذه النظرة في صفوف الشعب المسلم ، لتغلّب الغرب التقني وتخلف المسلمين وانشغالهم بالأمور الدنيوية ..

استغل الأوروبيون هذه الفرصة الذهبية فعملوا على تضخيمها وتأكيد ونشر تفوقهم العلمي والفكري والتقني والأدبي !! حتى انكسرت نفوس المسلمين أمامهم وأحسوا بالدونية ، فسبقت الهزيمة النفسية الهزيمة العسكرية وأصبح مجرد التفكير بالوقوف في وجه الدول "العظمى" الغربية ضرب من المجازفة الغبية والخيال البعيد عن الواقعية في نظر كثير من أبناء الملة المحمدية !!

هذا هو عين حال العرب مع الكفار في الجاهلية ، فقد كان شيوخ القبائل يملؤون الجزيرة صياحاً إذا دخل أحدهم على هرقل أو كسرى ، ويشعر أحدهم بأن الجزيرة قد ضاقت عليه ، مع أنهم إذا دخلوا على كسرى يخرون على الأذقان سجداً لا يتجرأ أحدهم أن يضع عينه في عين كسرى فيضل ساجداً حتى يخرج من إيوانه ، مع ما ينال من سوء معالمة الفرس المتغطرسين له !!

وانظر كيف كان استخفاف كسرى بالعرب : فحينما قرأ مقدمة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، مزقها ولم يُكْملها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب اسمه قبل اسم كسرى !! أرسل كسرى بعدها إلى واليه في اليمن ليرسل رجلين من عنده يقبضون على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ويأتونه به مكبلاً بالحديد إلى المدائن !! وكأن كسرى أكبر أن يُرسل جنديين من عنده من الفرس ، وكان يعتقد بأن العرب لا تعصي أمر جنديين يرسلهما من اليمن ليأتيانه بأعظم قادتها !!

لقد كانت العرب تخاف الفرس خوفا شديداً ، وكانت الدولة الفارسية من الكبرياء بحيث لا ترسل ابنائها لتأديب الأعراب ، بل تأمر أتباعها من العرب المناذرة ليفتكوا بمن يفكر أن يعترض مصالح الإمبراطورية الساسانية ..

ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية خبر المسلمين مع الفرس ، فقال

"لما مات الصديق ودفن ليلة الثلاثاء أصبح عمر فندب الناس وحثهم على قتال أهل العراق وحرضهم ورغبهم في الثواب على ذلك فلم يقم أحد لأن الناس كانوا يكرهون قتال الفرس لقوة سطوتهم وشدة قتالهم ، ثم ندبهم في اليوم الثاني والثالث فلم يقم أحد !! وتكلم المثنى بن حارثة فأحسن وأخبرهم بما فتح الله تعالى على يد خالد من معظم أرض العراق ومالَهم هنالك من الأموال والأملاك والأمتعة والزاد فلم يقم أحد في اليوم الثالث ، فلما كان اليوم الرابع كان أول من انتدب من المسلمين أبو عبيد بن مسعود الثقفي ، ثم تتابع الناس في الإجابة .. أمّر عمر طائفة من أهل المدينة وأمرّ على الجميع أبا عبيد هذا ، ولم يكن صحابيا ، فقيل لعمر : هلا أمّرت عليهم رجلا من الصحابة ، فقال إنما أؤمر أول من استجاب ، إنكم انما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين وإن هذا هو الذي استجاب قبلكم ..." (انتهى) ..

انظر ما فعل الخوف بمائة مسلم لقاهم تتري أعزل في الطريق فأمرهم بالوقوف في أماكنهم ريثما يأتي بسيف يقتلهم به ، ففعلوا !! فقتلهم الواحد تلو الآخر !! وكيف أن الأمصار الإسلامية كانت تقع في أيدي التتر وكأنها خاوية على عروشها ، لا لشيء إلا لخوف المسلمين وانهزامهم النفسي أمام هؤلاء الغوغاء ..

إن أمريكا لم تجازف بسمعتها المزيفة المبنية خلال خمسة عقود في جوانتانامو وأبو غريب ، ولم تهين الإسلام والمصحف وتقتل الأطفال والنساء والعزّل إلا لتكسر نفوس المسلمين وتهزمهم هزيمة داخلية تنبع من شعورهم بجبروتها وشدة بطشها ، فيجبنوا عن لقائها ، ويستسلموا لرغباتها ، ويرضوا بواقع احتلالها ..

لقد عمل البريطانيون والفرنسيون لسنوات وعقود بل لقرون في سبيل تكوين هذه النفسية المريضة في صفوف المسلمين ، وقد نجحوا أيما نجاح عن طريق قتل واغتصاب المسلمين والتمثيل والتنكيل بهم والسخرية والإستهزاء بمقدساتهم ومعاملتهم معاملة العبيد ، حتى صدّق كثير من المسلمين زيفهم وكذِبهم فأصبحوا لا يشكون في أفضلية العنصر الأوروبي الغربي وسموّه عليهم .. لقد كانت القوات البرتغالية تجدع انوف عرب ساحل الجزيرة وتقطع آذانهم فيصنع جنودها قلائد من هذه القطع البشرية يتقلدونها إرهاباً للمسلمين .. أجيالاً تربت على الذل والخنوع والتبعية ، تماماً كما حصل لبني إسرائيل في مصر الفرعونية !!

لقد حكم الله على جيل بني اسرائيل بالتيه أربعين سنة ليتبدل جيلا تربى على العزة والأنفة بدلاً من جيل الذل والخنوع الذي تربى على ذبح فرعون له واستعباده واستحياء نسائه ، حتى كاد يصدق دعوة فرعون بأنه لا إله غيره !! ذلك الجيل الذي دعاه موسى عليه السلام للجهاد ، فقال عليه السلام

{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة : 21)

إن الله وعدهم هذه الأرض ، ووعدهم النصر على عدوهم ، وجاء تأكيد ذلك على لسان نبيهم ، وجاءت اللحظة الحاسمة - بعد إغراق فرعون وجنوده أمام أعينهم - ثم جاء الوعيد على ترك الجهاد - بعد الوعد - حرصاً من نبي الله موسى على أمته .. لكن جيل الذل والخنوع الذي تربى على القهر والدونية والإنهزامية :
أبى إلا ان يعطي الدنيّة

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} (المائدة : 22)

لا نريد جهاد ولا تعب ولا نصب ، نريد نصرا بلا حرب ، فكما أغرقت فرعون بالعصا ، أخرج هؤلاء القوم من الأرض المقدسة ثم ندخلها !! جهِل هؤلاء الحمقى سنن الله ، وأن النصر لا يكون إلا بعد نُصرة دين الله بالنفس والنفيس .. انظر حال هؤلاء البائسين ، ثم انظر إلى يقين الصحابة والتابعين بوعد رب العالمين ،
قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية

بعث سعد جماعة من السادات منهم النعمان بن مقرن ، وفرات بن حبان ، وحنظلة بن الربيع التميمي ، وعطارد بن حاجب ، والاشعث بن قيس ، والمغيرة بن شعبة ، وعمرو بن معدي كرب يدعون رستم الى الله عز وجل ، فقال لهم رستم : ما اقدمكم ؟ فقالوا : جئنا لموعود الله إيانا : أخذ بلادكم ، وسبي نسائكم وابنائكم ، وأخذ اموالكم ، فنحن على يقين من ذلك

.. (انتهى) ..

أقاموا لكسرى يضربون جنوده = بكل رقيق الشفرتين مهنّدِ
<******>doPoem(0)

انتظروا البقية