عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 19-07-2005, 11:43 AM
الهلالى الهلالى غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2004
المشاركات: 1,294
إفتراضي

هؤلاء هم أهل الإيمان في كل زمان : ثقة تامة بوعد الله الذي لا يخلف وعده ، وتوكّل تام عليه وحده ، فـ

{ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (المائدة : 23)

لا بد من الجهاد والتضحية ، فوعد الله لا يأتي على طبق من ذهب ، إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله ، ووعد بنصرهم إن هم عملوا ما أمرهم وأخلصوا له النية وتوكلوا عليه ، وبمجرد سعي أمثال هؤلاء يأتي النصر {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} ، ادخلوا فقط ، ابدأوا أنتم وقوموا وأروا الله منكم الجد ..

إنها قاعدة علم القلوب ولُب فن الحروب . . أقدموا واقتحموا ولا تجبنوا . فمتى دخلتم على القوم في عقر دارهم انكسرت قلوبهم بقدر ما تقوى قلوبكم ، وشعروا بالهزيمة في أرواحهم ، وكُتبت لكم الغلبة عليهم .. لكن العقلية الغالبة على هؤلاء : كيف نتجرأ على قتال الجبارين في عقر دارهم !!

إن النفوس المترهلة التي تعودت الكسل والخمول ، وأُشربت العبودية والإنكسار ، تأبى التقدم ، وتهاب التغيير ، وتخاف تقلب الحال ولو لأحسن ، فـ

{ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } (المائدة : 24) ..

هكذا يحرج الجبناء فيتوقحون ، ويفزعون من الخطر أمامهم فيرفسون بأرجلهم كالحمر ولا يقدمون ! والجبن والتوقح ليسا متناقضين ولا متباعدين ، بل إنهما لصنوان في كثير من الأحيان . يُدفع الجبان إلى الواجب فيجبن . فيُحرَج بأنه ناكل عن الواجب ، فيسب هذا الواجب ، ويتوقح على دعوته التي تكلفه ما لا يريد ..

يرى الجبناء أن الجبن عقل = وتلك خديعة الطبع اللئيم
<******>doPoem(0)
{اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}

..لم يقولوا لموسى عليه السلام "سيدنا" أو "نبي الله" ، بل قالوا {أنت} ، ولم يقولوا "ربنا" أو "الله" ، ولكن قالوا {ربّك} وكأنه ليس بربهم !! هكذا بكل وقاحة بعد أن نجاهم من فرعون وجنوده بمعجزة خارقة أذل فيها الكفار .. إنها وقاحة العاجز الذي لا تكلفه وقاحة اللسان إلا مد اللسان ، أما النهوض بالواجب فيكلفه وخز السنان ..

هل فهمتَ الدين !! هل عرفتَ الأحكام !! هل اعددت للقتال عدّته !! أأنت واثق من نصر الله !! أتظن أنّك تنتصر على الأمريكان والأوروبيين ، هؤلاء الجبابرة ، هؤلاء الذين يملكون الأساطيل البرية والبحرية والجوية والقنابل الذرية !! إذاً {إذهب أنت ومن معك فقاتلهم إنا هاهنا قاعدون} ..

يقول ابن خلدون رحمه الله ، في مقدمته (الفصل التاسع عشر)

( من عوائق الملك حصول المذلة للقبيل والانقياد إلى سواهم ، وسبب ذلك أن المذلة والانقياد كاسران لسورة العصبية وشدتها فإن انقيادهم ومذلتهم دليل على فقدانها ، فما رئموا للمذلة حتى عجزوا عن المدافعة ، ومن عجز عن المدافعة فأولى أن يكون عاجزاً عن المقاومة والمطالبة" (انتهى كلامه رحمه الله)

لا نقاتل الأمريكان ، من أراد قتالهم فليقاتلهم بنفسه ، ومن اغتر بعقيدته فليفعل ما بدا له ، نحن قاعدون في بيوتنا وبين أبنائنا لنحفظ أرواحنا ، هؤلاء الذين يقاتلون أمريكا الجبّارة : شباب أخذتهم الحماسة ، أغرار ، جهال ، ضلّال ، أصحاب فتنة ، خوارج ، متهوّرون يُلقون بأيديهم إلى التهلكة !! نفس المنطق ، ونفس الوقاحة ، : أحجمت أنفسهم فأطلقوا ألسنتهم !!

هنا أيس موسى عليه السلام منهم ، وأدرك حالهم وعرف نفسيتهم الإنهزامية الجبانة ،
فـ { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } (المائدة : 25)
هذا حال المؤمنين مع الجبناء المتقاعسين ..

دعوة فيها الحسرة والألم . وفيها الالتجاء . وفيها الاستسلام لله . وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والتصميم والحسم {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} ، إنها الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون .. لا جنس ، لا نسب ، لا قوم ، لا لغة ، لا تاريخ ، لا وشيجة من كل وشائج الأرض إذا انقطعت وشيجة العقيدة ، وإذا اختلف المنهج والطريق ..

ثم يقضي ربنا جل في علاه بقضاء هو الأمثل والأحكم لمن فهم معناه ، فهذا الجيل الذليل الذي تمرغ في العبودية للبشر وانكسر نفسياً على يد فرعون ، لا يصلح لعظائم الأمور ، فلا بد من تبديله أو إعادة صياغة طريقة تفكيره ، فأتى الأمر الإلهي المبين

{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة : 26)

أربعون سنة في الصحراء الجرداء كفيلة بأن تنشئ جيل بعيد كل البعد عن صفات الفسق الخنوع والخضوع والذل والإنكسار .. أربعون سنة أتت بجيل من أبناء هؤلاء لم يشهدوا تنكيل فرعون ، ولم يعيشوا عبادة الخوف للبشر ، أربعون سنة وهم ينظرون إلى السماء ليس بينهم وبين الله حجاب في الصحراء ..

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره

ومات أكثر بني إسرائيل هناك في تلك المدة ، ويقال: إنه لم يبق منهم أحد سوى يوشع وكالب ، ومن ههنا قال بعض المفسرين في قوله {قال فإنها محرمة عليهم} هذا وقف تام ، وقوله {أربعين سنة} منصوب بقوله {يتيهون في الأرض} فلما انقضت المدة ، خرج بهم يوشع بن نون عليه السلام ، أو بمن بقي منهم ، وبسائر بني إسرائيل من الجيل الثاني ..
(انتهى)

لقد وعى صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم هذا الدرس جيداً ، وفهموا هذه الآيات فهما دقيقا : فحين واجهوا الشدة وهم قلة أمام نفير قريش في غزوة بدر ، قالوا لنبيهم صلى الله عليه وسلم : إذن لا نقول لك يا رسول الله ما قاله بنو إسرائيل لنبيهم . {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون} لكن نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا فإننا معكما مقاتلون ..

وروي عن المقداد قوله : والله يارسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك ..

وعن سعد بن معاذ قوله : كأنك تعرض بنا يا رسول الله ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء ، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسرْ بنا على بركة الله ..

قال ابن كثير في تفسيره
- بعد هذه الآيات -
في وصف يهود : .... فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام ، وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ، ولا يسترها الذيل ، هذا وهم في جهلهم يعمهون وفي غيهم يتردّدون ، وهم البُغَضاء إلى الله وأعداؤهُ ، ويقولون مع ذلك : نحن أبناء الله وأحباؤه ، فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود ، وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود ، ويقضي لهم فيها بتأييد الخلود ، وقد فعل وله الحمد في جميع الوجود
(انتهى كلامه رحمه الله) ..

هذا هو حال يهود مع نبيهم ورسولهم الكريم كليم الله موسى عليه السلام ، ولعلك أدركت أيها القارئ - بعد هذه البيان - حقيقة قول النبي صلى الله عليه وسلم
"لتتبعن سُنن من قبلكم ، شبرا بشبر ، أو ذراعاً بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتُموه .. قالوا : اليهود والنصارى؟ قال : فمن"
(صحيح : صحيح الجامع 5063)

هل سمعت مسلماً يقول لك : نحن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ، هل سمعت من يقول لك : نحن خير أمة أُخرجت للناس وهو جالس في بيته متخلف عن قضايا امته ، ينتظر النصر من عصى موسى دون بذل أو سعي أو جهاد .. نعم ، لقد قالها اليهود والنصارى من قبل { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ... } (المائدة : 18)، فكان الجواب الرباني في نفس الآية {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} ، لستم أفضل من غيركم حتى تعملوا ما لا يعمله غيركم من القيام بواجبات الدين وبذل الغالي والنفيس في سبيله !!

يقولون

إن المجاهدين هم سبب ما فيه المسلمون اليوم !! هم الذين جلبوا على المسلمين المصائب !! هم السبب في هجوم الكفار على بلاد المسلمين!! هم الذين أعطوا أمريكا المبرر لغزو بلاد المسلمين

لا شك أنك سمعت هذا من بعض البائسين الجُهال .. أتريد أن تعرف حقيقة هذا القول !! دونك كلام بني إسرائيل لنبيهم موسى عليه السلام

{ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا .... }
(الأعراف : 129)

ومن قال لكم ألا تُقاتلوا فرعون من قبل أن يأتي موسى !! وبعد أن أتاهم نبي الله يخلصهم من جبروت فرعون يتذمّرون لأنهم وقعوا في محنة لفترة وجيزة !! هكذا المُستعبَدون ، لا يُحسنون إلا التذمر والشكوى ، أما الصبر على البلاء والعمل الجاد والجهاد ، فدونه خرق القتاد !!

أتريد مثالاً آخر يبين لك بمن يقتدي منتقدي المجاهدين : قال تعالى محدثاً عن بني إسرائيل بعد أن جاوزوا النهر مع طالوت
{فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}

هي العبارة ذاتها

{لا طاقة لنا اليوم بأمريكا وجنودها} !!
ولكن انظر إلى رد المؤمنين

{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}
(البقرة : 249)
والصبر الحقيقي لا يظهر إلا في مثل هذه الأوقات ..

ماذا فعل موسى عليه السلام

لقد جاء بوعد إلهي ليحررهم من طغيان فرعون وينتشلهم من وحل عبودية هذا الطاغوت إلى رحاب توحيد الله ، كان يريد أن يقودهم للجهاد في سبيل الله ، يريدهم أن يخلعوا ثوب الخوف والذل الذي ألبسهم إياه جنود هذا الدعيّ ، لكن هؤلاء الخوالف الجبناء عجزت عقولهم عن تصور هذه الحرية التي نسوا ما هيتها !! تجرّؤوا على الله وبدّلوا دينه وعبدوا الدنيا المتمثلة بالعجل الذهبي ، ومع هذا لم يتجؤوا على بشر مثلهم !!


انتظروا البقية