الموضوع: شبهات
عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 11-12-2004, 03:29 AM
مساهم مساهم غير متصل
فقط لنتأمل
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 651
إفتراضي

(( تكملة القصة ))

خرج الطالب من عند ذلك العليمي مذهولاً لا يدري ماذا يفعل .. وقد كان قد سمع من أهل العلم أن الفتاوى في أمور العامة لا يجب أن تأخذ إلا عن المتأصلين المتبحرين في العلم ..

خشي الطالب أن تعلق هذه الشبهة في قلبه .. فقرر الرجوع إلى العالم الذي استفتاه أولاً ليواجهه بما قال له زميله ...

وصل الطالب إلى ذلك العالم فسلم عليه ثم قال :

يا شيخ ... لقد ذهبت لرجل عنده علم فأفتى لي بغير ما أفتيت لي ..

الشيخ : ومن هو رحمه الله ؟

الطالب : هو يرفض الإفصاح عن اسمه ولكنه يقول أنه منذ نعومة أظفارة كان يطلب العلم وأظنه يمتك الآن حظاً وفيراً من العلم .. وقد أفتى لي بما يناقض فتواك لي وأرجوك أن تسمع مني ما قال ..

العالم : نعم ... ماذا قال ؟

الطالب : لقد قال (( ^&#^$^#؟*^@!*&$# .. إلخ .. وقص عليه ما قال له شيخه العليمي ))

العالم : لا حول ولا قوة إلا بالله .. أي بني .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هؤلاء الذين استفتيت ( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار ) . ومثل هؤلاء من المصائب والطوام التي ابتليت بها أمتنا الإسلامية أكثر من ابتلائها بأعدائها .. لو دخلت إلا الشبكة العنكبوتية فستجد أمثال صاحبك الكثير .. أسأل الله أن يهديهم ليكفي العلماء وعامة الناس من شرورهم ..

سأجيبك يا بني ..

عندما سألتني سابقاً أن الكفار لن يرضوا عنا سوءاً قتلناهم أم لم نقتلهم .. وسيدعوننا إلى الكفر سواءً قاتلناهم أم لم نقاتلهم .. وهذا صحيح .. ولكن الله سبحانه بين لنا كيفية التعامل معهم .. فالإسلام ليس دين قتل وسفك لدماء الكفار .. الإسلام دين عظيم يحث على الدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وهذا هو أساس الدين الذي جاء به ... يقول تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }..

لو أمكن الطبيب أن يعالج مريضه دون التدخل الجراحي لفعل .. ولو كان دواؤه دون التدخل الجراحي غير نافع وإجراؤه للعملية الجراحية لا خطر عليه منها وجب عليه إجراؤها للمريض .. ولو أصبح علاج المريض دون التدخل الجراحي متعذراً . وإجراؤه للعملية الجراحية لهذا المريض مهلكة للمريض وجب الإحجام عن إجراء العملية ..

لقد قاتل النبي عليه الصلاة والسلام مشركي قريش وهو يعلم أنه يملك من القوة ما قد يكفي لردعهم والنيل منهم .. ولو كان يعلم أن العرب في الجزيرة العربية سينقلبون عليه لما قاتل المشركين .. وهذا ما حدث .. هل كنت تعلم أن العرب في الجزيرة العربية انقلبوا على رسول الله ومن معه ؟ طبعاً لا ... ولقد قال عليه الصلاة والسلام ( أنتم أدرى في شؤون دنياكم ) ولو علم الله أن ذلك سيحدث لأنزل منعه لقتال المشركين في القرآن والله قادر على حماية دينه وأهله ..

أما في قتال الروم فقد أعطى الله رسوله عليه الصلاة والسلام من أعداد المؤمنين المسلمين ما يكفي لمواجهة الروم بعد أن من الله عليه بفتح مكة وتوافد قبائل العرب لمبايعته عليه الصلاة والسلام ..

أما قول زميلك أني عندما أجزت الجهاد في العراق بالرغم من أنهم أضعف من قوات التحالف فهذا راجع إلى الحكم الشرعي الذي يقتضي الجهاد على من حل العدو في أرضهم ... وقد استطاعوا بفضل الله التنكيل بهم ... ولكن بعد ماذا للأسف ؟ فنحن لم نكن نتمنى أن تغزوا تلك القوات الصليبية الغاشمة أرض العراق لما سيصيب أهلها من الفساد والدمار والإنشقاق والتفرق لتلك البلاد ..

وهذا ما حدث فعلاً .. فقد قتل آلاف الأبرياء .. من بينهم علماء الدين وعلماء العلوم الإنسانية المختلفة والتي تفيد المسلمين .. وسرقة خيرات ذلك الوطن من النفط وغيره .. ونكلوا بالشعب أي تنكيل .. من اغتصاب النساء .. وهتك أعراض البيوت .. وتدمير ممتلكاتهم ومساكنهم .. وتسلط الشيعة وظهورهم .. حتى أصبحوا في حال يرثى لها ..

ولو استفتاني أحد قبل ذلك الإحتلال للعراق على أن تقاتل العراق تلك القوات الصليبية الذين يحاربون إخواننا في أفغانستان لقلت بعدم جواز ذلك لأن له من المفسدة ما رأينا بأم أعيننا .. ومن لا يرى مفسدة في ما حصل في العراق من احتلال ودمار وأن ذلك من الأضرار المبررة في الشرع فالخلل في عقله وعلمه ... وإلا فأي عاقل يتمنى أن يحدث في جميع بلدان المسلمين ما يحدث في العراق ؟

وأما الآن وقد وقع الإحتلال ووقع ما كنا نخشاه لم يبق إلا تنفيذ الحكم الشرعي بجهاد العدو المحتل الذي حل بأرض المسلمين إذا كانوا يقدرون على ذلك ..

هذه هي الشبهة الأولى وقد فندتها لك ..

أما المصالح لعملية الإرهاب هنا من تفجير السفارة الأمريكية التي ذكرها زميلك عن فهي مخجلة والله ولا تصدر عن انسان عاقل فضلاً عن أن يكون ذو علم ... ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أولا .. قوله أن من المصالح أن قتلى السفارة يراهم الجميع بعكس ما يمكن كتمانه في الحروب خارج السعوديه فهذا قول أطفال يعبثون بشرائع دين الله .. والعاقل يعلم أن هذه لا يمكن اعتبارها كحجة مبرره ..

ثانياً .. قوله أن ضرر تلك التفجيرات في السفارة الأمريكية على الأمريكان أن الأمريكيين الذين كانوا فيها لم يكونوا على استعداد لمواجها القتل بعكس الجنود في العراق وأفغانستان فهذا أيضاً قول جهال يقولون على الله بغير علم .. وإلا فإن الجهاد لا يقصد به التنكيل بالأفراد وقتلهم .. فالقتل ليس غاية الجهاد .. فإذا كان نحر الأضاحي هي غاية العبادة في شرعية الأضحية .. فإن الجهاد ليس غايته نحر الكفار وإنما مصالح الجهاد معروفة لدى الفقهاء وأهل العلم ..
لقد كان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعثاً نفراً من أصحابه ليقتلوا بعض المشركين التابعين لقريش على ممن حولهم .. كأعراب ورعاة غنم .. أو من خرج منهم في رحلة صيد أو نحو ذلك ... ولكن هذا ليس هدف الجهاد وهدف ما بعث به عليه الصلاة والسلام

ثالثاً .. قوله أن قتل موظفي السفارة له هدف التخويف فهذا أيضاً دليل واضح على جهله .. وإلا فإن الخوف لن يقع إلا على موظفي السفارة فقط وهذا كما أسلفت وهذا ليس من مصلحة الجهاد .. وإلا فإن حكومة الأمريكان لا يبالون أصلاً بقتلهم { تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى} بل يرون ما حدث مؤيداً لهم على استشرافهم لأراضي المسلمين .. وهم على علم ودراية أن سفاراتهم في أنحاء العالم معرضون لهجمات إرهابية ولا يستبعدون هذا الأمر أبداً ..

رابعاً .. قوله أن قتل الأمريكيين في السفارات يكون دفعة واحدة وبشكل أسهل من قتلهم في المعسكرات فقد أجبتك أن القتل ليس هدف الجهاد ومن يعتقد ذلك فهو جاهل أحمق لا يخاف الله في أن يفتري في الدين ما ليس منه ..

وقوله أن من المصالح خروج الأمريكيين من السعودية فهذا أيضاً من سذاجة وتهاويل وأقوال الخوارج .. وإلا فإن وجودهم في الدوله له مصلحة تعليمية أوتجارية أوصناعية .. وهم ليسوا مغتصبين أو محتلين حتى نفرح بخروجهم ..

وهذه هي الشبهة الثانية وقد فندها لك يا بني ..

أما قول دجاجتك هداه الله أنني افتريت على العز ابن عبد السلام فهو ليس أول واحد يتهم العلماء الراسخين بالكذب وقد بذلوا الغالي والنفيس في نصرة هذا الدين وتعلمه وتعليمه والدعوة إليه حتى شابت لحاهم عليه وارتوت عقولهم من معينه .. فإلى الله المشتكى ..
أما زميلك وأمثاله فقد اقتضموا قطعة يسيرة من العلم أو ارتشفوا شيئاً يسيراً من بحره ويا ليتهم قاموا على ما علموا على وجهه الصحيح .. بل تجدهم يقبعون على شاشات الإنترنت ينتقصون من العالم فلان ويقعون في عرض العالم فلان ويهولون ويرجفون ويفرحون بما عندهم من العلم وهم لم يكملوا حتى في فهم أصوله فضلاً عن فروعه .. ويحسبون أنهم مهتدون ..وهؤلاء هم الرويبة دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه بها ..

لو كان أصلاً رفيقك عالماً لكان على علم مسبق بما قال العز رحمه الله وما احتاج لأن يبحث ليتأكد .. وهذا دليل واضح على أنه يفتي في دين الله وهو يعلم الضحالة الشديدة في إلمامه بالعلم الشرعي ..
والمشكلة أنني لم أحرف شيئاً من قول العز بن عبد السلام رحمه الله بل دجاجتك هو الذي حرف في قوله بحذفه لكلمة ( في الصفات ) وهي مهمة لفهم سياق كلامه ..

يقول العز بن عبد السلام (( المثال السابع والثلاثون انهزام المسلمين من الكافرين مفسدة لكنه جائز إذا زاد الكافرون على ضعف المسلمين مع التقارب ( في الصفات ) تخفيفا عنهم لما في ذلك من المشقة ودفعا لمفسدة غلبة الكافرين لفرط كثرتهم على المسلمين وكذلك التحرف للقتال والتحيز إلى فئة مقاتلة بنية أن يقاتل المتحيز معهم لأنهما وإن كانا من الفرار إلا أنهما نوع من الإقبال على القتال ))

يعني كلامه رحمه الله أن قتال الكفار أن إذا زاد عددهم عن الضعف مع التقارب في صفات القوتين فإن الجهاد يجوز دفعاً لمفسدتهم .. وقوله هذا يستشهد به ضد رفيقك الأمي الساذج في أن الجهاد مع الأعداء حالياً لا يجوز لما في ذلك البون الواضح بين القوتين ..

أما بقية أقوال الأئمة كابن تيمية والسيوطي وابن قدامة فلا علاقة لها بموضوع اقتحام السفارة وقتل من بها من الأنفس المعصومة وإن كانوا قد أتوا من قوم محاربين فقد أمنهم ولي الأمر وفي قتلهم إخفار لذمته ..
فقد أجمع أهل العلم كلهم على أنه إذا دخل أناس تابعين لقوم محاربين وكفرة ثم أمنهم ولي الأمر فإنه يحرم المساس بهم أو أذيتهم فضلاً عن قتلهم وأدلة الوعيد على من فعل ذلك معروفة .. بل وكذلك لو أجارهم أي من عامة المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) والله المستعان ..

وأخيراً فإني أنصحك يا بني أن لا تأخذ عن دينك إلا من تثق في تمام علمه وورعه .. فإن النبي صلى الله عليه وسلم حثنا على لزوم الجماعة وإمامهم والبعد عن التفرق والإختلاف والله تعالى قد ضمن العصمة لجماعة المسلمين حيث يقول تعالى { من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصليه جهنم خالداً فيها .. الآيه } ... ويقول صلى الله عليه وسلم ( إن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار ) ويقول صلى الله عليه وسلم ( لا تجتمع أمتي على ضلال )

ولو أن زميلك ابتعد عن إعجابه بنفسه وأنه في السابعة والثلاثين وكف لسانه عن إضلال الناس بجهله وتعالمه على أهل العلم الراسخين المحققين لكان خيراً له .. ولكنه أبى إلا طاعة هوى نفسه وإعجابه برأيه فوقع في الزلل .. فالله حسيبه .. والله المستعان ..

----------------------

بعدها قام الطالب النجيب وقبل رأس شيخه وهو يذرف دموع الندم على ما صدقه من قول رفيقه الدجاجة الخرقاء وكيف جعله يسئ الظنون بعالم جليل دون خوف من الله .. فعلم أن الحق ليس بكثرة الحماس والخطابات الرنانة ..