عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 05-05-2006, 12:20 AM
قناص بغداد قناص بغداد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 740
إفتراضي مؤتمر علماء المسلمين لتقويم السلاطين

والأمة اليوم تواجه نوازل حال ملمة مهمة، وأهل العلم هم من يناط بهم تكييف تلك النوازل فقهاً، وإعلام الأمة بحكم الشرع فيها، وبيان الواجب الزماني حيالها، وما يلزم المكلفين شرعاً في التعاطي معها... كذلك تترقب الأمة وتتوقع من علمائها، لا فرق بين نازلة وأخرى، اللهم إلا من جهة الأولوية، وهي أولوية تمليها اعتبارات عدة، منها ما يتصل بالاعتقاد
بقلم محمد مختار مصطفى المقرئ
قطع أئمتنا من السلف والخلف بأنه لا يجوز تأخير البيان الشرعي عن وقت الحاجة إليه، وأنه لا يجوز للعالم أن يتكلم تقية والجاهل يجهل، وأنه لا يرخص في ترك الإنكار لمنكر ظاهر إلا مع تحقق الكفاية من فريضة الإنكار، ذلك أن الرخصة لا تكون رخصة بإطلاق، وإنما تشرع الرخصة من حيث الجزءُ لا من حيث الكلُّ، أي بالنسبة للمكلف من جهة كونه مكلفاً في نفسه، أي في حقه هو منفرداً، أما بالنسبة لمجموع المكلفين؛ فإنه لا يرخص لعمومهم جملة واحدة، لئلا يؤدي ذلك إلى سقوط الفرائض، والقعود كلية عن الواجبات.


ومن جهة أخرى: يجب على الناظر في الشريعة المطهرة الاعتبار بأن ما يرخص به للآحاد قد لا يشرع في حق العالم، وما يرخص به لأهل العلم قد يتعين على بعضهم الأخذ فيه بالعزيمة إن لم يوجد سواه ممن تقوم به الفريضة وتسد به الخلة.


والأمة اليوم تواجه نوازل حال ملمة مهمة، وأهل العلم هم ـ ولا شك ـ من يناط بهم تكييف تلك النوازل فقهاً، وإعلام الأمة بحكم الشرع فيها، وبيان الواجب الزماني حيالها، وما يلزم المكلفين شرعاً في التعاطي معها... كذلك تترقب الأمة وتتوقع من علمائها، لا فرق ـ في ذلك ـ بين نازلة وأخرى، اللهم إلا من جهة الأولوية، وهي أولوية تمليها اعتبارات عدة، منها ما يتصل بالاعتقاد، ومنها ما يتصل بقدسية الشريعة، ومنها ما يتصل بالمصالح والمفاسد المرتبطة بها، وتصحيح اعتقاد الأمة فيما يلفها من أحكام، وما يلم بها من نوازل لا وجه لدفع وجوبه بعذر عدم القدرة، لأنه يلزم الإيمان به وإن حال العجز دون امتثاله.


على رأس تلك النوازل: ولاية الأمر.


وهذه مسألة شرعية لصيقة بقضية الحكم والتشريع، وهي تنتظم في المادة البحثية من ثلاث مسائل:


الأولى: إفراد الله تعالى بالحكم والتشريع فلا يشرك معه غيره في قليل أو كثير.. قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)(يوسف: 40)، وقال: (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(الأنعام : 114)، وقال: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(الشورى: 10)... إلى غير ذلك من الآيات التي تقرر أصل إفراد الله تعالى بالطاعة والعبودية والحكم والتشريع، وهي كثيرة.


والثانية: وجوب تنصيب إمام للمسلمين يقيم فيهم كتاب الله.. ووجوب الإمامة مما أجمعت عليه الأمة، وغاية ذلك هو أن يقيم فيهم الدين ويسوس لهم الدنيا به. فإقامة الدين هي رأس مقاصد الإمامة.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله"(1), و"ما" هنا هي الشرطية.


والثالثة: مشروعية الولاية من جهة طريقة التنصيب (2).


والرابعة: حكم الإمام الناكص لما بويع عليه الناكث لعهوده على نفسه بإقامة الدين وسياسة الدنيا به(3).


والخامسة: طرق العزل والإقصاء لمن لم تستوف بولايته مقاصد الإمامة الشرعية(4).


هذا ما تنتظم منه المادة الفقهية لدى أي باحث في هذه المسألة، وهي في إطار هذه الخماسية لا تتقيد بواقع بعينه، أي هي خارج حدود الزمان والمكان والأحوال والعوائد. فهي تُبحث مجردة عن معنى الفتوى، اللهم إلا فيما لو وُصلت بها بعض المسائل على طريقة الافتراض الاستباقي التي ينتهجها بعض الفقهاء، وهذا القدر لا ينصب على واقع بعينه، ولكنه قابل لأن يكون مطابقاً لواقع ما، ويتوقف تطبيقه في واقعه الملائم على اجتهاد فقهي يستحدث للواقع المستجد.


إلى هنا والمسألة واضحة، لا تعدوا التنظير الفقهي لقضية ولاية الأمر، وهي ـ من جهة الفتوى ـ بمثابة القاعدة التفصيلية التي ينطلق منها المجتهد في تعاطيه مع واقع ولاة الأمور، ليفتي فيهم طبقاً لتحقيق مناطات تلك القاعدة
.
__________________




لله در الفضيل بن عياض حيث يقول : لا تستوحش من الحق لقلة السالكين ، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين . وأحسن منه قوله تعالى : ( ولقد صــدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً مـن المؤمنين)