عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 16-04-2004, 09:25 AM
خـالد خـالد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
المشاركات: 276
إفتراضي مـن خلـق اللـه...؟


بين فترة وأخرى، يطرح الملاحدة سؤالا مثل: (من خلق الله؟)، وفي الحقيقة فإن سؤالهم هذا متصل اتصالا مباشرا بسؤال هام قبله لم يجيبوا عليه حتى الآن، فالتفكير العلمي المنطقي يحتم ضرورة التدرج في حل مسألة ما غامضة من خلال حل مسألة أخرى متصلة بها أقل منها غموضا.

من هنا، كانت محاولة الإجابة على سؤال مثل: (من خلق الله؟) متوقفة منطقيا على محاولتنا الإجابة على السؤال القائل: (من أين أتى هذا الوجود؟). فلنبدأ بمحاولة الإجابة على هذا السؤال الأخير المتعلق بمصدر الوجود.

المادة موجودة أمام حواسنا الخمس، وهذه المادة يحكمها المبدأ المنطقي القائل بأن أي شيء مادي موجود لا بد من وجود علة سابقة عليه أسبقية زمانية منطقية هي التي تسببت في وجوده. فمثلا هذا الكتاب موجود على الطاولة، فلابد من وجود علة كانت هي السبب في وجود الكتاب على الطاولة.

وهذه المادة موجودة الآن أمامنا، ووجودها لا بد أنه كان بسبب علة سابقة عليها أسبقية منطقية زمانية هي التي كانت السبب في وجودها على النحو الذي نراه عليها الآن. وهذه العلة لا تخرج عن ثلاثة احتمالات منطقية لا رابع لها:

- إما أن تكون هذه المادة قد نشأت من العدم.

- أو أنها أوجدت نفسها بنفسها.

- أو أن هناك قوة ما أوجدتها.

ولننظر الآن في كل احتمال من هذه الإحتمالات المنطقية الثلاثة:

الإحتمال الأول:
أن تكون هذه المادة قد نشأت من العدم.

لو سلمنا جدلا بأن النواة الأولى للمادة قد نشأت من العدم، فإن ذلك يجعلنا نصطدم بمسألتين:

- كيف يمكن لعدم لا شيء فيه أن تنبثق منه مادة؟

- انبثاق المادة من العدم يعني منطقيا بأنها كانت في مكان آخر ما قبل أن تظهر في العدم، ولكن المنطق يقول بأنه لا يوجد سوى مقولتين اثنتين لا ثالث لهما، فإما العدم، أو الوجود.

وعلى ذلك، فإن احتمال أن تكون النواة الأولى للمادة قد نشأت من العدم هو أمر لا يستقيم من الناحية المنطقية.

الإحتمال الثاني:
(أن المادة قد أوجدت نفسها بنفسها...)

لو سلمنا جدلا بهذا الإحتمال، فإن السؤال المنطقي التالي يطرح نفسه:

أين كانت النواة الأولى للمادة موجودة قبل أن توجد نفسها بنفسها؟ لابد أنها كانت في العدم ثم خرجت منه لتوجد نفسها بنفسها، ولكن هذا القول يعني عودة إلى القول بالإحتمال الأول المذكور أعلاه.

إذن، لا يمكن منطقيا قبول أن النواة الأولى للمادة قد أوجدت نفسها بنفسها.

إذا كنا قد أثبتنا بالدليل العقلي وبالمنطق بأن النواة الأولى للمادة لا يمكن أن تنشأ من العدم أو أن تنشيء نفسها بنفسها، لم يتبقى أمامنا سوى الإحتمال الثالث وهو:
أن هناك قوة ما أوجدت المادة.

هنا، قد يقول قائل: أليس ما أثبتناه حول استحالة انبثاق المادة من العدم أو إيجادها لنفسها بنفسها ينطبق على تلك القوة التي أوجدت المادة؟

نقول:
إذا كان التحليل المنطقي قد أوصلنا إلى الإحتمال الثالث والوحيد وهو أن هناك قوة ما هي التي أوجدت المادة، كان من المنطقي أيضا الإفتراض بأن هذه القوة يجب بالضرورة أن تكون خارقة وفوق الطبيعة ولا يمكن حصرها داخل قوانين العقل والمنطق، وإلا لم يكن ممكن بالنسبة لها أن توجد المادة من لاشيء.

فإذا اعترفنا بأن هذه القوة هي خارج قوانين العقل والمنطق، لم يصح بالتالي منطقيا أن نسأل سؤالا مثل:

"ومن أين جائت تلك القوة...؟"