عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 12-04-2005, 09:54 AM
الهلالى الهلالى غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2004
المشاركات: 1,294
إفتراضي أُحـــد الـــرس .... [حسين بن محمود] 2 ربيع الأول 1426هـ

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، الذي بيده مقادير الخلائق يقبض من يشاء ويبقي من يشاء ، فالحياة والموت بأمره وحده سبحانه وتعالى ..

ثم نصلي ونسلم على خير الأنام المبعوث بين يدي الساعة بالحسام : رحمة للثقلين ، ونور للدارين ، فصلاة ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الكرام .. أما بعد .

لقد علم القاصي والداني بأن قائمة "الستة والعشرون" الحكومية ما مهي إلا قائمة أمريكية أعدتها بوصاية المخابرات اليهودية لتقضي بها على قيادات الأمة الجهادية في الجزيرة العربية فيصفى لقوى الكفر الجو لتتزود الطائرات الصليبية بالوقود ، والجيوش بالنفط وسائر الخدمات اللوجستية التي توفرها لها الحكومة السعودية : لقتل المسلمين في العراق وأفغانستان وسائر البلاد الإسلامية ..

إنها سنة الله في خلقه ، فقوى الحق والباطل لا زالت تقاتل بعضها البعض منذ بد التاريخ ، والحرب بينها في الدنيا سجال ، والعاقبة للحق دائما كما أخبر بهذا من اتصف بكل صفات الكمال .. وليس من سنن الله أن يكون النصر للحق على الدوام ، فلا بد من الخسارة الإستثنائية ، وذلك للحِكَم الإلهية التي بيّن الله بعضها في الآيات القرآنية ..

قال تعالى {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (آل عمران : 137-141)

قال السعدي رحمه الله :
هذه الآيات الكريمات وما بعدها في قصة "أحد" يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم ، ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم امتحنوا وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فلم يزالوا في مداولة ومجاولة حتى جعل الله العاقبة للمتقين ، والنصر لعباده المؤمنين. وآخر الأمر حصلت الدولة على المكذبين ، وخذلهم الله بنصر رسله وأتباعهم.
" فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ " بأبدانكم وقلوبكم " فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية. قد خوت ديارهم ، وتبين لكل أحد خسارهم ، وذهب عزهم وملكهم ، وزال بذخهم وفخرهم. أفليس في هذا ، أعظم دليل ، وأكبر شاهد على صدق ما جاءت به الرسل؟ وحكمة الله التي يمتحن بها عباده : ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم.

ولهذا قال تعالى: " هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ " أي: دلالة ظاهرة ، تبين للناس الحق من الباطل ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة ، وهو الإشارة إلى ما أوقع الله بالمكذبين. " وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ " لأنهم هم المنتفعون بالآيات. فتهديهم إلى سبيل الرشاد ، وتعظهم وتزجرهم عن طريق الغنى. وأما باقي الناس ، فهي بيان لهم ، تقوم به عليهم الحجة من الله ، ليهلك من هلك عن بينة. ويحتمل أن الإشارة في قوله " هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ " للقرآن العظيم ، والذكر الحكيم ، وأنه بيان للناس عموما ، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا ، وكلا المعنيين حق.

"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "
يقول تعالى: مشجعا لعباده المؤمنين ، ومقويا لعزائمهم ومنهضا لهممهم: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا " أي: ولا تهنوا وتضعفوا في أبدانكم ، ولا تحزنوا في قلوبكم ، عندما أصابتكم المصيبة ، وابتليتم بهذه البلوى. فإن الحزن في القلوب ، والوهن على الأبدان زيادة مصيبة عليكم ، وأعون لعدوكم عليكم. بل شجعوا قلوبكم ، وصبروها ، وادفعوا عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم. وذكر تعالى أنه لا يليق بهم الوهن والحزن وهم الأعلون في الإيمان ورجاء نصر الله وثوابه. فالمؤمن المبتغي ما وعده الله من الثواب الدنيوي والأخري لا ينبغي له ذلك. ولهذا قال تعالى: " وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ".

"إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ "
ثم سلاهم بما حصل لهم من الهزيمة، وبين الحكم العظيمة المترتبة على ذلك ، فقال تعالى: " إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ " فأنتم وهم قد تساويتم في القرح ، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى: "إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ". ومن الحِكم في ذلك ، أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، فيداول الله الأيام بين الناس : يوم لهذه الطائفة ، ويوم للطائفة الأخرى. لأن هذه الدار الدنيا منقضية فانية. وهذا بخلاف الدار الآخرة ، فإنها خالصة للذين آمنوا.

"وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا " هذا أيضا من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء : ليتبين المؤمن من المنافق. لأنه لو استمر النصر للمؤمنين ، في جميع الوقائع ، لدخل في الإسلام من لا يريده. فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء تبين المؤمن حقيقة : الذي يرغب في الإسلام في الضراء والسراء ، واليسر والعسر ، ممن ليس كذلك.

" وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ " وهذا أيضا من بعض الحكم ، لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل ، ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها. فهذا من رحمته بعباده المؤمنين أن قيض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم.
" وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " الذين ظلموا أنفسهم ، وتقاعدوا عن القتال في سبيله. "ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين".

"وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ "
" وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا" وهذا أيضا من الحكم : أن الله يمحص بذلك المؤمنين ، من ذنوبهم وعيوبهم. يدل ذلك على أن الشهادة والقتال في سبيل الله تكفر الذنوب وتزيل العيوب. ويمحص الله أيضا المؤمنين من غيرهم من المنافقين ، فيتخلصون منهم ، ويعرفون المؤمن من المنافق. ومن الحكم أيضا أن يقدر ذلك ليمحق الكافرين. أي : ليكون سببا لمحقهم واستئصالهم بالعقوبة ، فإنهم إذا انتصروا : بغوا ، وازدادوا طغيانا إلى طغيانهم : يستحقون به المعاجلة بالعقوبة ، رحمة بعباده المؤمنين.

قال ابن القيم رحمه الله "ثم ذكر حكمة أخرى ، وهي محق الكافرين بطغيانهم ، وبغيهم ، وعدوانهم ، ثم أنكر عليهم حسبانهم ، وظنهم أن يدخلوا الجنة بدون جهاد في سبيله ، والصبر على أذى أعدائه ، وإن هذا ممتنع بحيث ينكر على من ظنه وحسبه" (زاد المعاد) ..

إنه تمحيص واختبار وسنة من سنن الله تعالى في عباده الأخيار ..

لقد اختار المجاهدون لملحمة الرياض لقب "بدر الرياض" فكانت "أُحد" هذه بعد "بدر" لتمضي سنة الله في عباده المؤمنين وليعلم صدقهم وقوة إيمانهم وحقيقة قولهم ، وليختار منهم الصادقين فيتخذهم شهداء ويرفع من قدرهم ، فله الحمد والمنة على عباده المؤمنين ، وليمحق الكافرين ويهلكهم بذنوبهم ..

إن هذه الآيات في سورة آل عمران – والتي تدور حول غزو أُحد – لهي حقيقة ما يجري للمسلمين الموحدين المجاهدين المنافحين عن الدين في هذا الوقت .. إنها السنن الإلهية والحكمة الربانية .. يُقتل في أحد أسد الله "الحمزة" لتدمع عيني رسول البشرية .. يحاط بالقائد الأعلى للأمة ورمز الإسلام ليفديه كوكبة من خيرة رجال صرح هذا الدين الشامخ فيسطروا بدمائهم أروع ملحمة بطولية عرفتها البشرية .. فقوة الأمة اليوم تُضرب ، ورمز الأمة محاصر ، والرجال يذودون عن حمى الدين ويبذلون المهج في سبيله ..

إنها "أُحد" أيها الأحبة ، "أُحد الرسّ" ومن ظن أن بعدها "فتح مكة" فقد أبعد النجعة ، بل يكون بعدها الأحزاب (الخندق) والشدة التي يأتي فيها الكفار وأحلافهم من المرتزقة - بمكر من إخوان حيي بن أخطب وسادات بني النضير - بجحافل جرارة من فوق المسلمين ومن أسفل منهم وعن يمينهم وشمالهم فتزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر ويظن بعض المسلمون بالله الظنون ويُبتلوا ويُزلزَلوا زلزالاً شديدا ..

إنه الخوف الفطري الذي يجعل قلب المؤمن خالياً من سوى الله ، ومتوكلاً عليه حق التوكل بعد أن انقطعت جميع أسباب الأرض ورأى الموت أمامه رأي العين ، هنالك يكون التعلق الصافي الخالي من الشوائب ، ذلكم الخوف الذي يخلع القلب الضعيف فيصاب صاحبه بالخور وربما الجنون والإرتداد ، أو يثبت به قلب المؤمن القوي فيزداد إيمانا ويقينا بوعد الله {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب : 22) ..

إنها الجنة ، { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } (آل عمران : 142-143)

لا تظنوا ، ولا يخطر ببالكم أن تدخلوا الجنة من دون مشقة واحتمال المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته. فإن الجنة أعلى المطالب ، وأفضل ما به يتنافس المتنافسون. وكلما عظم المطلوب ، عظمت وسيلته ، والعمل الموصل إليه. فلا يوصل إلى الراحة إلا بترك الراحة ، ولا يدرك النعيم إلا بترك النعيم. ولكن مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله - عند توطين النفس لها وتمرينها عليها ومعرفة ما تئول إليه - تنقلب عند أرباب البصائر : منحا يسرون بها ، ولا يبالون بها ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (السعدي) .