عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 12-04-2005, 09:57 AM
الهلالى الهلالى غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2004
المشاركات: 1,294
إفتراضي

{أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} ، {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} : إنه لا يحصل دخول الجنة حتى يبتلى المؤمنون ويرى الله منهم المجاهدين في سبيله ، والصابرين على مقاومة الأعداء المقارعين الطغيان بقوة الإيمان ..
قال ابن القيم رحمه الله " أي : ولما يقم ذلك منكم ، فيعلمه ، فإنه لو وقع ، لعلمه ، فجازاكم عليه بالجنة فيكون الجزاء على الواقع المعلوم ، لا على مجرد العلم ، فإن الله لا يجزي العبد على مجرد علمه فيه دون أن يقع معلومه" (زاد المعاد) ..

فحكمة الله وسنته في رسله ، وأتباعهم ، جرت بأن يدالوا مرة ، ويدال عليهم أخرى ، لكن تكون لهم العاقبة ، فإنهم لو انتصروا دائماً ، دخل معهم المؤمنون وغيرهم ، ولم يتميز الصادق من غيره ، ولو انتصر عليهم دائماً ، لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق ، وما جاؤوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة . قال الله تعالى : { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء }

فالله سبحانه وتعالى يمتحن عباده المؤمنين بالغلبة ، والكسرة ، والعزيمة ، ذلوا وانكسروا ، وخضعوا ، فاستوجبوا منه العز والنصر ، فإن خلعة النصر إنما تكون مع ولاية الذل والانكسار ، قال تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } . وقال تعالى : { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا } ، فهو سبحانه إذا أراد أن يعز عبده ، ويجبره ، وينصره ، كسره أولاً ، ويكون جبره له ، ونصره على مقدار ذله وانكساره .
والله سبحانه وتعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته ، لم تبلغها أعمالهم ، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة ، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه ، كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها .

إن الإيمان ليس كلمات مجردة ، ولا عبارات مزركشة يسلم صاحبها بمجر إطلاقها ، والجهاد ليس بالقول والتمني والتشدق والغرور والتبختر (في غير ساحات الوغى) ، لا بد من اللقاء والمواجهة والبذل والتضحية ، ولهذا قال تعالى : {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (آل عمران : 143)

أي قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم ، تتمنون لقاء العدو وتتحرّقون عليهم وتودون مناجزتهم ومصابرتهم ، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه ، فدونكم فقاتلوا وصابروا ، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" ولهذا قال تعالى: {فقد رأيتموه} يعني الموت شاهدتموه وقت لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرجال للقتال ..

وقد صدق والله إخواننا في "أحد الرس" ربَّهم ، فقاتلوا ولم يكونوا يتمنون لقاء هذا العدو بالذات (الجيش السعودي) ولا يأبهون به ولا يقيمون له وزناً ، ولكنهم يوم اللقاء ثبتوا ثباتاً يعجر العقل عن وصفه !!

إن هذا الثباب له قيمة عظيمة جليلة عند الله سبحانه وتعالى ، فالجنة سلعة الله الغالية ، وحياة الإنسان وأعماله أرخص من أن تستحق الجنان ، ولكن رحمة الله واسعة ، ووعده نافذ ، وكلامه الحق ، فقد اشترى الجسد والروح التي يمتلكها ، وأقبض الثمن ، فكان هذا خير بيع يبيعه الإنسان في حياته ، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم إذا طُعن أحدهم في المعركة صرخ : "ربح البيع" ، "فزت ورب الكعبة" .. وأي فوز !!

لقد علّمنا الله سبحانه وتعالى في غزوة أحد : منهج الحق ، والطريق القويم ، في قوله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (آل عمران 144-145) ، قال ابن القيم " والشاكرون : هم الذي عرفوا قدر النعمة ، فثبتوا عليها حتى ماتوا أو قتلوا" (الزاد) ..

فجماعة كثيرة من أنبيائه قتلوا وقتل معهم أتباع لهم كثيرون ، فما وهن من بقي منهم لما أصابهم في سبيله ، وما استكانوا ، ولا ضعفوا ، بل تلقوا الشهادة بالقوة ، والعزيمة ، والإقدام ، فلم يستشهدوا مدبرين مستكينين أذلة ، بل استشهدوا أعزة كراماً مقبلين محتضنين الأسنة بوجه طلق ..

فالدعوة ليست للرجال ، وإنما تقوم بهم في فترة حياتهم ، فإذا قضوا نحبهم ، يخلفهم رجال وتبقى الدعوة قائمة .. ولقد ضرب الله للأمة أعظم مثل وأشده على النفس في خليله وخيرة خلقه ليقول لمن بعده : بأن الرسول إذا مات فلا يجوز الإنقلاب والتردد والتغيّر والإنزواء ، فما بالكم بمن هو دونه أو من لا يُقارن به !!

إن هذا الدين باقٍ بقائاً أبدياً وليس مربوطاً بمخلوق لأنه من عند الخالق ، ولذلك قال الصديق عند وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم "من كان يعبد محمداً فإن محمد قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت" ، هذا هو المنهج الحق ، وهذا هو الدين الذي ما فتئ الرجال يبذلون في سبيله المهج إرضاء للخالق الواحد الملك الحق جل في علاه ، الذي لا معبود سواه ..

لقد مر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار في غزوة أحد ، وهو يتَشَحَّطُ في دمه، فقال‏:‏ يا فلان، أشعرت أن محمداً قد قتل ‏؟‏ فقال الأنصاري‏:‏ إن كان محمد قد قتل فقد بَلَّغ، فقاتلوا عن دينكم ‏.‏

فالقعود ليس من شيمة المؤمنين ، والضعف والإستكانة واليأس ليس من صفات الموحدين ، ولكن الصبر والثبات وحسن التوكل سمات لازمة للأنبياء والصالحين {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (آل عمران : 146-148) ، فبعد القتال والصبر والثبات والتوكل على الله وصدق رجاءه ودعاءه يحصل الثواب ويأتي الدعاء والإخلاص الذي به يستحق أتباع الأنبياء النصر والتمكين ..

أما من غدى إلى ربه وفاز بمقعده عند خالقه فعزائنا فيه قول ربنا جل في علاه { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (آل عمران : 169-170)

ومن استسلم وأذل نفسه لطغاة الأرض وأطاعهم في معصية خالقه فهو في الأرذلين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } (آل عمران : 149)

فعلى الإنسان أن يثق بوعد الله ويتوكل عليه ويعلم أنه ناصره إن اخلص النية واتبع الطرق السويّة { بَلِ اللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ } (آل عمران : 150)

أما الكفار والمنافقين وأتباعهم وأشياعهم ، فقد قال الله فيهم {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ } (آل عمران : 151)

ما أشبه أحد اليوم بأُحد الأمس : ما أشبه أحد المدينة بأُحد الرسّ

ثلاثة آلاف مشرك في "أحد المدينة" مجهّزين بثلاثة آلاف بعير، ومائتا فرس ، وسبعمائة درع يواجهون جيش الإسلام الأقل منهم عددا وعتاداً (سبعمائة بدون فرس) ..
ثلاثة آلاف جندي "سعودي" مجهزين بالطائرات والدبابات والمدرعات يواجهون تسعة عشر مؤمناً موحدا مجاهدا لا يملكون إلا الرشاشات في معركة "أحد الرس" ..

لا أقول بأن هؤلاء الجنود كفار ، ولكن أقل حالهم أنهم فساق ..
فساق لأنهم أطاعوا المخلوق في معصية الخالق ..
قتلوا الموحدين إرضاء للحكام الحاقدين على الإسلام والمسلمين ..

هم فساق بشهادة علماء نجد أنفسهم ، فعند الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله) أن حالق اللحية فاسق ، ولم يكن في ذلك الجيش ملتح واحد .. وعنده وعند غيره من كبار علماء نجد أن المدخن المجاهر بالدخان فاسق ، وهذا أقل ما يُرى من هؤلاء الجنود الذين عُلمت صولات أفرادهم وفتوحاتهم "السعودية" في زقاق "دبي" و"بانكوك" و"مانيلا" وغيرها من البلاد الآسيوية ، أما ضباطهم وقادتهم فهم في "المغرب" منشغلون بفتح القناني وهتك أعراض الغواني واقتحامهم بيوت الزواني ..

فجمعوا بين الفسق والجهل والمعصية ومعاداة أولياء الله ، وموالاة أعداء الله ، وخدمة اليهود والصليبيين : بقتل المجاهدين المنافحين عن الدين ، وخدمة الطغاة الظالمين من الحكام المتشبثين بالعروش على حساب دماء وأشلاء وأعراض المؤمنين ..
وفيهم من الغباء ما الله به عليم : إذ كيف يعرّض أحد نفسه لسخط الله ، وبغض المسلمين له ، ودعوة المظلوين عليه ، ويعرض نفسه للموت في سبيل تثبيت عرش غيره ، وهو لا يُعطى إلا فتات لا يكاد يكفيه وأهله ، ويسكن في بيت خرِب بينما يتنعّم قادته في القصور الفارهة يُنفقون حقه من مال المسلمين ويضحكون عليه وعلى عقله الذي صدّق أكاذيبهم فبذل بسببها دينه ودمه ووقته وعرقه وسمعته !!