عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 22-08-2001, 01:41 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

وأما ردي فهو الآتي :

النتيجة المنطقية التي انتهيت اليها خطأ لأنها بنيت على سلسلة من القضايا المغلوطة، وحتى يتضح خطأ الاستنتاج المنطقي أرتب بعض مقدماتك المنطقية على النحو الآتي :

مقدمة أولى : ( طاعة الامام فرض )، مقدمة ثانية : ( الامام غير المعصوم قد يامرنا بما يخالف شرع الله ) النتيجة ( أن الله يأمرنا بتنفيذ ما يخالف شرع الله) .

أما المغالطة فتكمن في المقدمة الأولى ، ذلك أن طاعة الامام مقيدة وليست مطلقة، فصحيح أن الله تعالى قد أمرنا بطاعة الامام إلا أن الصحيح أيضا أن الله سبحانه وتعالى قد استثنى من الطاعة الأمر بالمعصية، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) وقال : ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) أي الطاعة انما تكون في حدود الاسلام. فإذا أمر الامام بمعصية الله فلا طاعة له. على أن المراد بالمعصية المعصية التي لا توجد شبهة في أنها معصية، اما لو أمر بشيء يراه هو حلالا وتراه انت حراما فتجب طاعته، ولا يعتبر هذا أمرا بمعصية، بل هو أمر بفعل الحلال. وكما استثنى الله سبحانه وتعالى الأمر بالمعصية من وجوب الطاعة استثنى ظهور الكفر البواح من تحريم الخروج على الامام واشهار السيف في وجهه، فعن عبادة بن الصامت قال : ( دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما اخذ علينا ان بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا واثرة علينا وان لا ننازع الامر اهله الا ان ترو كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ) ، والمراد بالكفر البواح الكفر الذي قام الدليل القاطع على أنه كفر ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتف بقوله ( كفرا بواحا ) بل ألحقها بقوله ( عندكم فيه من الله برهان ) وكلمة برهان لا تطلق الا على الدليل القطعي، ولهذا كان وجود الدليل القاطع على انه كفر شرطا من شروط الخروج، فإذا كانت هناك شبهة بانه ليس بكفر، أو كان هناك دليل ظني بانه كفر كحديث آحاد ولو كان صحيحا، فانه لا يحل الخروج، لان الخروج لا يحل الا اذا كان هناك دليل قطعي بانه كفر .

وعليه فكان المفروض إما أن تنص في المقدمة الأولى على هذين الاستثنائين أو أن تضع مقدمة ثالثة بالنص عليهما، ولو فعلت ذلك لما خرجت بنتيجة أن الله يأمرنا بتنفيذ ما يخالف شرع الله، وبالتالي لما أوجدت من خلال هذا السياق المنطقي المسوغ للقول بعصمة الامام .

مثال آخر : مقدمة أولى : ( طاعة الامام فرض )، مقدمة ثانية : ( الامام غير المعصوم قد يخطأ ) النتيجة ( الله يأمرنا بتنفيذ ما يخالف شرع الله) وأيضا ( طاعة الامام تكون طاعة لمخلوق في معصية الخالق) .

واما المغالطة هنا فتكمن في التسوية بين الوقوع في الخطأ وبين مخالفة شرع الله أو بين الخطأ وبين المعصية، فمع أن المقدمة الثانية نصت على كلمة " خطأ " إلا أن النتيجة نصت على كلمة " مخالفة شرع الله " وعلى كلمة " المعصية " فبدل أن تكون النتيجة ( أن الله يأمرنا بتنفيذ أمر الامام حتى لو كان مخطأ ) جعلت النتيجة ( أن الله يأمرنا بتنفيذ ما يخالف شرع الله ) وكذلك ( أن ذلك يعتبر طاعة للمخلوق في معصية الخالق ) مع أن الخطأ لا يساوي المعصية أو مخالفة شرع الله تعالى.

وأما أن الخطأ ليس هو مخالفة لشرع الله ولا هو معصية للخالق، فلا أدل على ذلك من أن المجتهد المخطأ مأجور في خطأه، قال صلى الله عليه وسلم : ( ان اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وان أخطأ فله أجر واحد ) ، فلو كان الخطأ في الاجتهاد مخالفة لشرع الله أو كان معصية لله تعالى لما استحق المجتهد المخطأ الأجر، لأن المعصية يترتب عليها الاثم لا الأجر أو الثواب. وفي يوم الأحزاب قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحدا منهم. فلو كان المخطأون منهم عاصون أو مخالفون لشرع الله لما سكت عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم لأن سكوته تشريع. وبعد الرسول صلى الله عليه وسلم أجمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على جواز اختلافهم في فهم بعض النصوص الشرعية، ولا يمكن أن يجمعوا على مخالفة شرع الله تعالى أو على فعل المعصية لأن اجماع الصحابة يعتبر دليلا شرعيا كالكتاب والسنة والقياس.

وأما القضايا الأخرى التي وردت في استدلالك فهي الآتي :
( وقد تقول أننا نستطيع أن لا نطيعه إلا إذا أمر بالحق أما إذا خالف الحق فليس له علينا طاعة .. فأقول ردا على هذا القول أن الإمام العادل عندما يأمرنا بشيء فلابد أنه قد رأى ذلك حقا وصوابا . ولكن في حالة أن أصبح ما يراه الإمام حقا يراه بعض الرعية باطلا كيف بنا أن نميز من هو صاحب الرأي الصحيح ؟ ) .
( أما إذا قلت أمر من خالفه هو الذي يكون نافذا فنكون قد خالفنا رأي الإمام دون أن نجزم بخطئه فنحن لم نجزم بصحة رأي من خالفه .. ثم ماذا لو تعددت الآراء التي خالفت رأي الإمام ولم يتيسر الاتفاق ؟ هل يعمل كل صاحب رأي برأيه ؟ وباختصار فإن الإمام إذا لم يكن معصوما فلن تستقيم الأمور ولن نستطيع أن نطيع الله الطاعة الحقيقية ولن نعرف هل نحن نطيع الله أم نعصيه ..)

ما ورد في هذه النصوص خطأ أيضا، وذلك لما يلي :

الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد ، وخطاب الشارع إما أن يكون قطعيا أو يكون ظنيا، والاجتهاد في القطعي غير وارد ، لأن الصواب في الأحكام الشرعية التي دلت عليها النصوص القطعية متعين وليس فيها إلا رأي واحد قطعي. ولا يكون النص قطعيا إلا إذا كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة. وقطعي الثبوت هو القرآن الكريم والحديث المتواتر. وأما النصوص الظنية سواء ظنية الثبوت " الحديث غير المتواتر " أو ظنية الدلالة فهي محل الاجتهاد ، وفيها تختلف أفهام المجتهدين. والاجتهاد لغة هو استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقة ، واما في اصطلاح الأصوليين فمخصوص باستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه. فالحكم الشرعي يفهم من خطاب الشارع باجتهاد صحيح، أي أن اجتهاد المجتهدين هو الذي يظهر الحكم الشرعي، ويكون حكم الله في حق كل مجتهد هو ما أدى اليه اجتهاده وغلب على ظنه. فالاجتهاد هو استفراغ الوسع في ( طلب الظن ) وحكم الله في حق المجتهد هو ( ما غلب على ظنه ) لأن دلالة الدليل الظني على الحكم الشرعي ظنية ولا يمكن أن تكون قطعية، بل لا يشترط في الأحكام الشرعية القطع واليقين كما يشترط في العقائد.
من هنا يتبين أن الشرط فيما يأمرنا به الامام هو أن يغلب على ظنه أن حكم الله في هذه المسألة هو كذا، فنحن مأمورون بطاعته فيما غلب على ظنه أنه هو حكم الله فيها، وليس فقط في الأمور القطعية. فموضوع الحق والباطل غير وارد في اختلاف آراء المجتهدين، لأن الحكم الشرعي المستنبط من الدليل الظني لا يمكن أن يكون إلا ظنيا، فلا يستطيع أحد ان يدعي أن رأيه هو الحق وأن رأي غيره هو الباطل ما دام الرأيان مستنبطين من الدليل الظني، فلا الامام يحق له أن يقول أن رأيه هو الحق، ولا المخالفين له في الرأي يحق لهم ان يقولوا عن رأيه أنه باطل.
من هنا نجد أن أصحاب المذاهب من المجتهدين كانوا يعتبرون استنباطهم للأحكام الشرعية صوابا يحتمل الخطأ ، وكان كل واحد منهم يقول : إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط. فالحكم الذي يستنبطه المجتهد هو بالنسبة له صواب يحتمل الخطأ ، وبالنسبة لغيره خطأ يحتمل الصواب. فما يأمرنا به الامام هو بالنسبة له صواب يحتمل الخطأ وليس حقا، وبالنسبة لمن يخالفه هو خطأ يحتمل الصواب وليس باطلا .


" غير أن هذه الأحكام الشرعية اختلف فيها الصحابة، ففهم بعضهم من النصوص الشرعية شيئا غير ما كان يفهمه البعض الآخر، وكان كل يسير حسب فهمه ، ويكون فهمه حكم الله في حقه، ولكن هناك أحكام شرعية تقتضي رعاية شؤون الأمة أن يسير المسلمون جميعا على رأي واحد فيها وان لا يسير كل بحسب اجتهاده، وقد حصل ذلك بالفعل فقد رأى أبو بكر رضي الله عنه أن يوزع المال بين المسلمين بالتساوي ، لأنه حقهم جميعا بالتساوي . ورأى عمر رضي الله عنه أنه لا يصح أن يعطى من قاتل رسول الله كمن قاتل معه ، وأن يعطى الفقير كالغني ، ولكن أبا بكر كان هو الخليفة فأمر بالعمل برأيه ، أي تبنى توزيع المال بالتساوي ، فاتبعه المسلمون في ذلك ، وسار عليه القضاة والولاة، وخضع له عمر، وعمل برأي أبي بكر ونفذه ، ولما جاء عمر خليفة تبنى رأيا يخالف رأي أبي بكر ، أي أمر برأيه بتوزيع المال بالتفاضل لا بالتساوي ، فيعطى حسب القدم والحاجة، فاتبعه المسلمون ، وعمل به الولاة والقضاة ، فكان اجماع الصحابة منعقدا على أن للامام أن يتبنى أحكاما معينة ويأمر بالعمل بها، وعلى المسلمين طاعتها ولو خالفت اجتهادهم ، وترك العمل بآرائهم واجتهاداتهم ". ومن هذا الاجماع أخذت القواعد الشرعية المشهورة : ( امر الامام برفع الخلاف ) ( امر الامام نافذ ) ( للسلطان ان يحدث من الاقضية بقدر ما يحدث من مشكلات ) . فالامام وحده من له حق جعل الاحكام الشرعية حين يتبناها نافذة فتصبح حينئذ قوانين تجب طاعتها، ولا تجوز مخالفتها.

لكن لو حصل تنازع بين الامام والرعية سواء في حكم من أحكام الشرع أم في غير ذلك من المظالم التي قد تقع من الدولة على الناس فما هو العلاج ؟
قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم . فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . ذلك خير وأحسن تأويلا }، ورد التنازع الى الله والرسول هو رده إلى القضاء. فالقضاء هو الذي يرفع النزاع بين الناس وبين الدولة، وحكمه نافذ .

من هنا يتبين أن الشارع قد أثبت احتمال وقوع تنازع بين الامام وبين الناس، وأثبت احتمال وقوع خلاف في فهم الأحكام الشرعية من النصوص الشرعية، وأثبت أن الامام قد يخطأ، وأنه قد يعصي أو قد يأمر بالمعصية بل أثبت امكانية أن يظهر منه الكفر البواح، فبين الحكم الواجب في كل مسألة من هذه المسائل . فهذه الوقائع التي أثبت الشارع امكانية وقوعها ووضع لها معالجات جعلت أنت من احتمال وقوعها قضايا منطقية بنيت عليها الاستنتاج بضرورة أن يكون الامام معصوما حتى لا تقع !!!

والخلاصة هي أن النتيجة التي توصلت اليها وهي القول بضرورة العصمة للامام خطأ لأنها بنيت على خطأ.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله