عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 15-12-2003, 07:53 PM
النقيب النقيب غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 1,176
إفتراضي

التتمة:

ما يحيط بشاشة التلفاز

سيتسمرّ حبك المشاهد، وسيستمرّ عرضها، على المسرح السياسي، أو للمستهلكين المحملقين في شاشات التلفاز، وسيستمرّ –وهذا الأنكى والأدهى- اقتصار أصحاب الأقلام في مواكبتهم للحدث على أحد اتجاهين رئيسيين ما زلنا نرصد –إلاّ ما رحم ربي- ضربا من ضروب الاختناق الفكري والثقافي في إطارهما..

(أحدهما) اتجاه متنوّع الأشكال موحّد الحصيلة، يضع نفسه في موقع:

- جلد الذات

- أو جلد الآخرين

- أو الانتقال بالأحياء إلى عالم الأموات على امتداد عصور التاريخ الماضية.. باسم الإسلام حينا وباسم القومية حينا آخر..

- أو الانتقال إلى عالم خيالي من ثقافة الحماس إلى حدّ الانفجار.. وزاد من ذلك القدرة على قول ما تشاء ما دمت لا تقترب من صناعة القرار.. أو ما دمت تكتب في عالم افتراضي باسم مستعار..

- أو الانتقال بأسلوب "المثقف الراقي" إلى عالم آخر، ولكنّه خيالي أيضا.. عالم ثقافة.. ما أجملها لو كنت تستمتع بقضاء إجازة بعد عام من العمل، مظمئنّا إلى أنك ستعود إلى "حضن الوطن" فيستقبلك لا تخشى بندقية أمريكية بين عينيك ولا بندقية "محلية" في ظهرك ولا المخابرات من بين يديك ومن خلفك.. ولكنّها ضرب من ضروب الثقافة "الجميلة الكمالية" التي كان فينا من يقول في الماضي إنّها لا تطعم خبزا، وبات علينا أن نقول ونكرّر اليوم إنّها لا تصنع نهوضا ولا نصرا ولا شخصية قادرة على صناعة النهوض والنصر..

أما (الاتجاه الثاني) فيبدو للوهلة الأولى أنّه يتفاعل مع الحدث، ويحرص على العقلانية والواقعية في تفاعله، ونتأمّله حينا وتلسعنا نتائجه حينا آخر إذ نرى رأي العين كيف يؤدّي في إطار المشهد العراقي، شبيه ما يصنع في المشهد الفلسطيني.. والأفغاني.. والشاشاني.. وسواه.. هو الدور الذي يخدم بقصد أو دون قصد "استكمال معالم المشهد" لتتابع الأحداث.. ولكن وفق ريشة الفنّان الأمريكي-الصهيوني.

بين أيدينا نموذج على ذلك في التعامل مع حدث وقوع صدّام حسين في الأسر:

- إنّ محاولة تبسيط الموقف من الحدث.. في تتّبع الابتهاج هنا والشماتة هناك..

- مثل محاولة تحويل الأنظار إلى سؤال عمّا يؤدّي إليه اعتقال صدّام حسين بالنسبة إلى التعجيل أو عدم التعجيل من "الإجراءات الأمريكية" باسم "إرادة الشعب العراقي"..

- مثل الإغراق في التكهّنات هل قاوم أم لم يقاوم، هل هو بطل في الأسر أم مجرم في القفص..

- مثل نشر التوقّعات تحت عنوان "تفسير الأحلام" وما يتبع لها، أو بأسلوب تضخيم شأن بيانات ونداءات لا تخرج من داخل العراق نفسه إلا نادرا..

- مثل انفراد كلّ قوم بالانشغال بشأن من الشؤون يعتقدونه منفصلا عن شأن غيرهم، ففي سورية ما سمّوه قانون المحاسبة، وفي السعودية ما سمّوه ضرب المناهج مع ضرب "الإرهاب"، وفي مصر ما عاد من صور التعذيب وأسلوب (قل واصرخ في الإعلام المحاصر ووراء قضبان الجامعات وبوابات المساجد ما تشاء.. وأصنع في مراكز صنع القرار ما أشاء.. حتى برغم أحكام القضاء).. وفي السودان السؤال عمّا وراء المصالحة "المفاجئة" توقيتا ومضمونا.. وهكذا حتى نصل إلى موريتانيا وتزييف انتخاباتها، والمغرب والنزاع على صحرائها أو صحراء جارتها.. وليبيا والجديد من مفاجآتها..

إنّ معالجة سائر هذه القضايا بأسلوب الانفلات من جهة، وفصل بعضها عن بعضها الآخر من جهة أخرى، وألوان التهجّم والتهجّم المعاكس من جهة ثالثة.. جميع ذلك وما يشابهه لا يمكن أن يؤدّي إلى "عمل فعّال" ناهيك عن "جهد مشترك".. بل لا يؤدّي إلى مجرّد استيعاب مجرى التطوّرات، وما ينبني عليها على صعيد مستقبل المنطقة، إنّما يشغل بالأمر الفرعي -على أهميته أحيانا- عن الأمر الأهم الذي يُفرز غالب الأمور الفرعية والجانبية.

يجب أن نخرج من هذه القوالب المتعدّدة الطلاءات، وقد باتت "مفبركة" لعقولنا وأقلامنا.. وأن نضع بين أعيننا وفي حروف كلّ كلمة تخطّها الأقلام أو تنطق بها الشفاه، بل وفي كلّ فكرة مخلصة يراد طرحها طرحا جادّا واعيا، المشاهد التي نشاهدها على حقيقتها، وحقيقة مغزاها، كما هي.. لا كما يراد لنا أن نراها، أو كما نتمنّى لو نراها..

ونعود للنموذج العراقي المطروح:

هل نرى المشهد العراقي فعلا بعيدا عمّا يصنعه منظور "اختلاف التيارات" بل وخارج منظور "اختلاف المواقع" حاكما ومرتبطا بحاكم، أو محكوما عانى من الاستبداد في العراق بالذات أو خارج حدود العراق.. هل نرى أنّ القضية:

- ليست قضية إسقاط نظام استبدادي أو قضية دعمه.. كما تُلقى الاتهامات جزافا بلا حساب، فرفض الاستبداد بكافة أشكاله أمر مفروغ منه عند الإنسان العاقل السويّ، ولا يرفضه إلا المنحرفون والمنتفعون من الاستبداد على حساب الشعوب.. فلا يمكن أن يتراشق بمثل هذه الاتهامات إلاّ من يريد الالتهاء بها وإلهاء الآخرين..

- كما أنّها ليست قضية يجوز حصرها في مسألة اعتقال رئيس ومحاكمته أو حتى قتله، فمن يضع نفسه فوق القانون، يجب أن تلتقي الآراء على المطالبة بأن يخضع للقانون..

- إنّما القضية كانت وما تزال هي "الكيفية" المتبعة لإسقاط الاستبداد ومحاسبة المستبدين، وقضية الارتباط التبعي من خلال الحكم.. أو الارتباط التبعي -للوصول إلى الحكم أو للبقاء فيه- بدولة أجنبية معادية.



مكافحة الاستبداد المزدوج

إنّ كلّ فرد أو جهة يساهم في محاولة الخلط بين الأسئلة الجوهرية والأسئلة الوهمية والفرعية والجانبية، لتبرير حرب احتلال، أو تبرير إجراءات الاحتلال، إنّما يساهم في دعم الاستبداد المحلي والاستبداد الدولي على السواء.

المستبدون لن يبحثوا آنذاك وهم يرون نظاما يسقط بدبابات وطائرات أجنبية، عن مخرج لأنفسهم باللجوء إلى إرادة الشعوب وتحكيمها في أوضاعهم، إنّما يلجؤون إلى محاولة "الاحتماء" بالعدوّ من بطش العدو.. جنبا إلى جنب مع البطش الاستبدادي بالشعوب، ذلك أنّ خلط معالم المشهد العراقي هو "الضباب" الذي يتحرّكون وراءه وأمامه على ذلك الطريق..

كذلك فإنّ الاستبداد الدولي لا يزول ما استمرّ هذا الضباب المصنوع صنعا، وعلى العاملين على اختلاقه وفي إثارته، وكيف نتصوّر وهو يعتمد على هذا الضباب، أنّه سيتراجع تحت تأثيره عن أطماع الهيمنة المطلقة، عالميا، وإقليميا في بلادنا بالذات؟.. وهي هيمنة استبدادية استغلالية توسّعية، أفقيا على المستوى الجغرافي، وشاقوليا على مستوى الميادين التي تخترقها مرحلة بعد مرحلة، وقد باتت هيمنة مرفوضة أو أصبحت وسائلها العدوانية مرفوضة داخل الغرب نفسه، ثمّ يبقى رغم ذلك، داخل بلادنا المستهدفة، من يتبجّح بفهمه الأسطوري للواقع العالمي فينكر وجودها ويبرّئ الأمريكيين والإسرائيليين منها.. كما أنّها هيمنة باتت –رغم أولئك الضبابيين- علنية استعراضية، فأين من يستطيع تفسير ذلك الإصرار الغريب على تأويلها، أو تصوير الخضوع لها مطلبا كريما، أو وسيلة للبقاء على قيد الحياة.. وأيّ حياة!..

إنّ الاستبداد الدولي كالاستبداد المحلي، لن يتراجع من تلقاء نفسه، بل سيزداد نهمه للتشبّث بما يصل إليه ومدّ أذرعه كالأخطبوط إلى المزيد، ما دام يجد شكلا ما من أشكال التجاوب معه، أو الخضوع له.

وفي مقدّمة ما يصنع ذلك هو ذلك الإسهام في التمويه على ما يصنع أو على ما يجري في مواجهته..

عملية أسر صدام حسين مثال على ذلك ما بين:

- تصويرها –كما يريد- خطوة على طريق الحرية والكرامة والعزة والوحدة والتقدّم.. بعيدا عن تحقيق أي قسط ولو ضئيل من تلك القيم على حقيقتها وليس وفق أوهام "روكي.. ورامبو.. وجيمس بوند"..

- أو الانشغال بما يلقيه من أدوات الإلهاء، كالحديث عن كلّ شيء يتعلّق بصدام حسين، مستبدا.. أو مقاوما.. وهاربا.. أو مستسلما.. ومجرما.. أو وطنيا.. ولكن بعيدا عن الحديث عمّا هو أهمّ من صدام حسين ومن 22 أو بضعه وخمسين صدّاما..

إنّنا لنلهو في الحالتين بعيدا عن الحديث ناهيك عن العمل على صعيد ما يمكن أن يواجه مواجهة مشتركة وفعّالة ودائمة ذلك العدوّ الأمريكي الصهيوني نفسه، واستبداده المتعدّد الوجوه، ووحشية غزوه الإجرامي، وخطورة مطامعه الراهنة والمستقبلية، وأخطبوط ارتباطاته التبعية الداخلية على مستوى الأنظمة وخارج دوائر سلطانها ولكن داخل الحدود وليس خارجها فقط.. وسواء أسقط الاستبداد الدولي حكما استبداديا محليا أم لم يفعل، لا يغيّر ذلك شيئا من حقيقته كما هو، ولا يغيّر أيضا من وجوب العمل عملا مركّزا على جمع المواقف والأفكار والتصوّرات على صعيد واحد، واستنفار الهمم والطاقات والجهود لتحقيق هدف أوّلي واحد، وابتكار الوسائل والأساليب للتحرّك على طريق واحد.. أوّله وأوسطه وآخره هو مواجهة العدوّ الخارجي، هذا.. دون التحجّج بهذا الواجب الأكبر أهمية والأشدّ إلحاحا، لإغفال وجود واجبات أخرى، في مقدّمتها التخلّص من مختلف أشكال الاستبداد والاستغلال الداخليين بطريق لا توصل إلى ترسيخ أقدام استبداد واستغلال خارجيين، من شأنهما أن يكرّرا دورة الأحداث والتطورات على امتداد عشرات السنين الماضية، فإذا بنا أمام تنصيب استبداد آخر بوجه جديد بشع علنا أو مطليّ مزيف، وترسيخ استغلال آخر للطاقات والثروات والعقول والأذواق معا.. والحصيلة واحدة: مشهد إجرامي يصنعونه.. فتتركّز أبصارنا على من يريدون أن نركّز الأبصار عليهم.. لا الضحايا بلا عدّ ولا حصر.. ويبقى لنا على كلّ حال دور المتفرّجين، نؤديّه صامتين أو صاخبين.




مع أطيب السلام

نبيل شبيب