الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 05-04-2006, 11:50 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

قاسم المهرب :

هناك صنفان من العرب يستفيدان من التجزئة ، ويكرهان الوحدة ، الصنف الأول الحكام العرب ، والصنف الثاني المهربون .. ومع ذلك أن هذين الصنفان من الناس هم أكثر من يتكلم بالوحدة العربية ، فصنف الحكام يتكلم بها للاستهلاك الإعلامي المحلي ، والصنف الثاني ، يبرر امتهانه للتهريب كونه لا يؤمن بالحدود بين الأقطار العربية ..

التهريب مهنة مستترة ، لا تكتب ببطاقة الأحوال المدنية ، ولا بجواز السفر ولا يقدم من يمتهنوها أنفسهم على أنهم مهربون .. ولكن الناس ، وليس كل الناس تعلم بحقيقتهم .. فهم يغيبون عدة سنوات بالسجن ، ثم يخرجون ليعاودوا نشاطهم و كأنهم في رهان مستمر مع أنفسهم أو مع حكومات بلادهم ..

قليلون الكلام ، عيونهم حذرة ، لا يعلقون على ما يستمعون اليه من حديث حتى لا يتقفى من يتابع حديثهم أخبارهم فيتضررون من تلك السقطات ..

كرماء ، ولكن كرمهم يخدم مهنتهم الخطيرة .. فيهدون هداياهم و يرفضون أن تسمى بالرشاوى ، بل يدرجوها تحت باب ( رحم الله امرؤ فاد واستفاد ) .. وهي قواعد من أدبيات هؤلاء التي يتناقلوا أخبارها بالمشافهة .. فليس لهم مدارس أو مراجع يستمدون منها معرفتهم ..

قوام علومهم وفنونهم تتأتى من معرفة القصص النادرة ، التي تبلغ عن ذكاء سلفهم أو من سبقوهم في هذا الكار .. وان جلسوا في أمان فيما بينهم ، فانهم يهيمون بأنواع لا تخطر ببال من يجهل عملهم .. فمنهم من يتحدث عن كيفية تضليل دوريات الجمارك ، عندما كان التهريب على الخيل ، فيبعثوا أمامهم أحدهم يحمل خرجا من حشائش أو أوراق ، فيجعل الدورية تتعقبه ، في حين يقوم زملاؤه في تهريب ما اتفقوا عليه ..

ومنهم من يدخل حدود بلغاريا بنمرة سيارة ذهب ، تطلى بلون النمر العادية ، ومنهم من يضع قطع ألماز ثمينة في زيت ( الكوابح ) ومنهم من يبرم قطع العملة التي يريد إخراجها من دولة لأخرى ، ويجدلها بشكل حبل ، ويربط بها أمتعته بعد إضافة بعض الخيوط التي تخفي ما يهربه ..

كان قاسم ، قد شرب كل تلك الفنون منذ الصغر ، وتعرض للضرب والسجن والغرامة ، فدعكته السنين والتجارب ، حتى أصبح أستاذا بكل معنى الكلمة ، فلما تقدم به العمر ، وكان لم يكتف بالتهريب من بلاده للبلاد المجاورة ، بل قادته مغامراته للتهريب بين دول أوروبية ..

كان أحد الذين أشاعوا أجواء التهريب و ثقافته في مناطق واسعة ، وعندما كثرت أعداد المهربين ، تفننوا في تطويع القوانين المعمول بها والتي تعني بأمورهم ، و أطلقوا على أنفسهم اسم ( بحارة ) .. و افتتحوا محلات تجارية ، وأخذوا لها رخصا مهنية ، فيعرضون بضائع لا يهتمون بسوقها نهائيا و يخفون بضائعهم الأصلية ، فأصبحت محلاتهم ملتقى لمن يهوى بضائعهم المخفية ..

نجح قاسم في انتخابات غرفة التجارة لمرتين ، و أصبح وجيها غنيا ، يبتسم باقتصاد ، ويرد على من يغمز بجانبه ، متسائلا عن الثروة الهائلة و الأبنية والعمارات التي لديه ، يرد عليه بعبارة عرف بها وبصوت خافت ( على راسي)
ولا يعلق ، لكن كانت عيناه كل واحدة تحمل تعبيرا يختلف عن الأخرى ، واحدة تقول أنه رجل هادئ تائب مستقيم ، والأخرى تقول : لا بد من أن يأتي يوم و أرد عليك تلك الغمزة غير البريئة .. والوسائل لدى قاسم كثيرة !
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس