عرض مشاركة مفردة
  #53  
قديم 24-11-2005, 05:01 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الحزب والأيديولوجيا :


(1)


الأيديولوجيا مصطلح مستورد ، لو تم استخدام ترجمته على أنه الفكر ، لما كان للموضوع أي معنى ، فمختلف العلوم قد ينطبق عليها هذا المعنى ، ولو قلنا أنه الحالة الإيبستمولوجية التي تعني بإكتناه موضوعات الفكر التي تخص موضوع السياسة والدولة ، لاقتربنا من الوصف الحقيقي للكلمة ، لكن سنزيد من تعقيد الشرح على من يتابع الموضوع ..

عموما فان ما يتجمع من أفكار و رؤى عند فئة تجاه تصوراتهم لإدارة الدولة وسياساتها ، فان هذا هو ما يعنينا بالأيديولوجية ، في هذا الموضوع ..

وقد اختلف علماء الاجتماع السياسي حول أهمية الأيديولوجية ، بالنسبة للحزب ، فأعطاها بعضهم معطى أولي هام ، واشترط أن يكون لدى الحزب منظومة أيديولوجية متكاملة ، وهذا الرأي بني على غزارة الإنتاج الفكري في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، حيث تبلورت أفكار الليبرالية والاشتراكية والقومية و الشيوعية ..والموقف من الدين ..الخ

أما فلاسفة القرن العشرين فقد قللوا من أهمية الأيديولوجية كشرط أساسي من شروط تكوين الحزب ، متذرعين بأن مشاعية الأفكار تتغلغل في نفوس الأفراد والمجتمعات ، و أصحاب الرأي ، بحيث تصبح تلك الأفكار من تراث وملك شعوب الأرض كموروث ثقافي لا يجعل ممن يحمل أفكارا بوضع متميز على غيره .. كحيازة رخصة (إجازة ) قيادة السيارات ، فبعد أن كانت تميز أصحابها كممتهنين لقيادة السيارات ، لم تعد اليوم صفة استثنائية مميزة ، بل يحملها الطبيب والمهندس و العسكري الخ !

لن نخوض بتلك الاختلافات و فلسفتها رغم وجاهة كل منها ، لكننا أشرنا اليها لكي نضع القارئ في حالة تصور لأوضاع المثقفين المنتشرين حولنا ، وكيفية تناولهم لشؤون الحياة السياسية العامة في بلادنا ..

أما الرأي عندي ، فاننا إذا اقترحنا أن يكون الحزب عمودا مهما ، بل ذهبنا الى أن يكون بمثابة الشرايين والأوردة في الجسم . فاننا لا نتردد في وصف الأيديولوجيا بمثابة الدم الذي يجري في تلك العروق . وكما أن الدم يجب أن يصل الى كل عضو وخلية في الجسم . فان الأيديولوجيا مهمتها أن تتناول كل ناحية من نواحي الحياة للمجتمع .

وكما أن نقل الدم له شروطه ، من حيث الزمرة والفصيلة ، لكي يتقبله الجسم فان الأفكار تخضع لنفس القاعدة ، وكما أن نقل دم يمكن أن يكون ملوثا بجرثومة (الإيدز ) فان هناك أفكار تكون خطورتها أكثر من ذلك الصنف من الدم.

وكما أن الدم يتجدد ، ويمر في الرئتين لتنقيته وإعادة توظيبه ليؤدي مهمته فان الأفكار ، يجب أن تبقى بحيوية متجددة لتلائم ما يستجد من مؤثرات خارجية وداخلية ، لتجعل أعضاء المجتمع بجاهزية كاملة في جميع الأوقات ..

وكما أن الدم يجب أن ينقل بقنوات أو شعيرات قادرة على أداء مهمتها العضوية بشكل سليم ، حيث لا خثرة (جلطة) و لا انسداد ولا تضيق و لا احتشاء في تلك القنوات .. فان من ينقل الأفكار من أجهزة الحزب ، يجب أن يكون بكفاءة عالية ..

واذا كانت الأفكار ( الأيديولوجيا) مهمتها ترشيد حركة الدولة بصفتها المجتمع السياسي الذي يقود المجتمع الكلي ( الشعب) فان هذا الترشيد ، يجب أن يكون مواكب و قريب من مسارات العمل الذي يكون المجتمع ( كخلايا في الجسم) بصدد تنفيذه .. فلا تنفع إشارات المرور التي تنبه سائق السيارة بوجود منعطف خطير ، اذا وضعت بعد المنعطف .. ولا تنفع كتب الطبخ الصيني ، في بيئة لا يوجد بها مواد تلك الطبخات !!

لقد اتسمت معظم الخطابات الأيديولوجية للأحزاب العربية ، بسمة إثارة الهمم الطيبة ، ومواضيع ذات طابع وجداني هائم ، تستند على أنظمة معرفية مشوشة ، مما جعل المثقفين يمجوا الحديث بها شيئا فشيئا ، حتى يخشى أن يتم الإقلاع عنها بما فيها من إيجابيات هامة ، يجب الانتباه لتنقيتها و إعادة توظيبها ، لنضمن حيوية الفكر العربي ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس