عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 23-03-2005, 10:28 PM
صبرا".. زهرة المدائن صبرا".. زهرة المدائن غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2005
المشاركات: 48
إفتراضي " و كذلك جعلنا في كل قرية اكابر مجرميها "

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


ورد لفظ (قرية) في حوالي ستين موضعا من القرآن الكريم ، و تنوعت صيغ هذا اللفظ بين الإفراد و الجمع و التثنية ، و كانت صيغ المفرد كثيرة ، ثم تلتها صيغ الجمع.. و جاء اللفظ بصيغة المثنى في موضع واحد في قوله تعالى: "و قالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم". (الزخرف- 31) ، و القريتان هنا هما مكة و الطائف..

و في جُلّ المواضع التي ورد فيها هذا اللفظ كان يعبّر عن المكان أو ساكنيه ، فتضيق المساحة لتكون قرية صغيرة ، و قد تتسع لتكون مدينة كبيرة ، و قد يتجاوز المعنى هذه المساحة ليكون قُطراً يسكنه شعب أو أمة. و قد تكرر ذكر لفظ (القرية) في قصص أنبياء الله و رسله الذين بعثهم الله تعالى لهداية أقوامهم في قُراهم ليخرجوهم من الظلمات إلى النور و ليعبدوا الله وحده و لا يشركوا به أحداً ، فلاقى أولئك الرسل و الذين آمنوا معهم ما لاقوا من العنت و الاضطهاد و القتل و التعذيب على أيدي أكابر مجرمي هذه القرى و جنودهم و حواشيهم ، و كان الله تعالى لهم بالمرصاد ، إذ عجل لهم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة لما اقترفوه من مظالم "و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد" (هود- 102) ، و كانت (مكة) التي ولد فيها خاتم الأنبياء و الرسل محمد صلى الله عليه و سلم ، و بُعث فيها ليكون رحمة للعالمين مثل تلك القرى الظالمة ، فقد لقي فيها وصحبه من أساليب البطش ما يجل عن الوصف ، و كان الله تعالى يقصّ عليه قصص القرى الظالمة في مواضع كثيرة "و كأين من قرية هي أشدّ قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم" (محمد- 13) و إن المجرمين في تلك القرى متشابهون في جرائمهم "و ما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون" (سبأ- 34). و قال تعالى في موضع آخر: "ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم و حصيد" (هود-100) ، و قال جل شأنه: "تلك القرى أهلكناهم لما ظلموا و جعلنا لمهلكم موعدا" (الكهف-59).

لقد تجبّر أهل القرى و كانوا أكابر مجرميها في مواجهة أنبياء الله و رسله ، فتردد على ألسنتهم و هم يذيقون المؤمنين ألوان العذاب "أخرجوهم من قريتكم.." (الأعراف-82) ، و قال قوم شعيب: "لنخرجنك يا شعيب و الذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملتنا" (الأعراف-88).. و مثل ذلك قال قوم لوط: "فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم.." (النمل-56). و هكذا تمضي قصص القرى في القرآن الكريم مع أصحاب الرسالات و المصلحين و ما واجهوه في هذه القرى من المحن و البلاء الذي صورته الآيات الكريمة في المواضع المختلفة أدق تصوير.

و الطبيعة البشرية واحدة على اختلاف الأماكن و الأزمان.. فما واجهه أنبياء الله و رسله عليهم السلام من أقوامهم في القرى الظالمة ، شبيه بالذي واجهه رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم في قريته التي أخرجته مكة المكرمة ، و من قومه الذين لم يختلفوا عن غيرهم ممن سبقوهم.. و ما يواجهه حملة الدعوة اليوم من وسائل القمع و أساليب التعذيب و الإذلال في الدول القائمة في العالم الإسلامي شبيه بما واجهه أولئك الرسل و خاتمهم المبعوث رحمة للعالمين – عليهم صلوات الله و سلامه-

إن القارئ لقول الله تعالى في سورة الأنعام: "و كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها و ما يمكرون إلا بأنفسهم و ما يشعرون" (الآية 123) ، عندما يحاول تطبيق ما تدلّ عليه على واقعنا اليوم يتأكد أن (أكابر المجرمين) في تلك القرى –و هم أمراؤها و أولياء الأمر فيها- هم أنفسهم الحكام الذين نصبهم الكفار المستعمرون على الدويلات القائمة في العالم الإسلامي بعد أن أجهزوا على دولة الخلافة في أواخر عهد العثمانيين و هي في نزعها الأخير.. و كان هؤلاء الحكام (و هم أكابر المجرمين) قد أخذوا على أنفسهم عهداً أن يجيدوا خدمة أسيادهم الكفار الحاقدين ، و ذلك بمواجهة كل حركة أو حزب أو جماعة تعمل لإعادة الخلافة و توحيد الأمة و تطبيق شرع الله الذي غاب بغياب الخلافة عن الأرض.. و تفنن هؤلاء الحكام (الأكابر المجرمين) في أساليب القمع حيث أوردوا الدعاة الزنازن و غياهب السجون ، و عذبوهم ، و قتلوا منهم من قتلوا ، و نفوا منهم من نفوا .
إن الآية الكريمة السالفة الذكر تنطبق تماماً على هؤلاء الحكام (أكابر المجرمين).

و قد يقول قائل: إن الحكام في الدول القائمة في العالم الإسلامي مسلمون.. و هم ليسوا كأولئك (الأكابر) في القرى المذكورة الذين كانوا كفاراً..فليس ثمة شبه بين أولئك و هؤلاء!!

و نحن نقول: إن هؤلاء الحكام ظالمون فاسقون ، و ذلك بدلالة قوله تعالى: "و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" و "و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" (المائدة-45،47) ، و الذين يرفضون شرع الله منهم و يصرون على الحكم بغيره ، فإنهم (كافرون).

و مهما يكن من أمر فإن هؤلاء الحكام –إضافة إلى عدم تطبيقهم لشرع الله- اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، و ينطبق عليهم قوله تعالى: "بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا" (النساء-138،139). فهم فضلا عن فسقهم و ظلمهم منافقون ، يظهرون للناس أنهم مسلمون و يخفون ما في صدورهم من الفسق و الفجور و العداوة للمؤمنين و الحقد عليهم. و هم أقرب إلى اليهود و النصارى من المسلمين "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض و من يتولهم منكم فإنه منهم" (المائدة-51). فهم (أكابر المجرمين) اليوم لأنهم يناصبون حملة الدعوة الإسلامية العداء ، يعذبونهم و يقتلون من يقتلون منهم ، و يشردون من يشردون ، و يخرجونهم من ديارهم ، و يلاحقونهم في كل مكان ، فهم أشد إجراماً من (أكابر مجرمي القرى) السابقين ، و إلا فلماذا يقف هؤلاء الحكام يصدون عن سبيل الله ؟ و لماذا يقمعون هؤلاء الدعاة و المصلحين ؟ لأن عروشهم التي نُصّبوا عليها مرهونة بولائهم لأولئك الكفار المستعمرين الذين يحسبون ألف حساب لعودة الإسلام إلى الحياة عندما يُطاح بهذه العروش و تُعاد على أنقاضها دولة الخلافة الراشدة التي ستكون لها الريادة في مواجهة الدول الباغية التي نشرت في الأرض الفساد و الظلم و الهوان.. و هي الخلافة التي ستملأ الأرض عدلاً بعد أن ملأها الظالمون المجرمون جوراً و فساداً و طغياناً..



إنها الخلافة التي يسعى لإعادتها المخلصون من أبناء هذه الأمة.. فكونوا معهم ، و نالوا شرف العمل لإعادتها.. ففي العمل لإعادتها مع المخلصين الفوز في الدنيا و النعيم في الآخرة.. و لا يخيفنكم بطش (أكابر المجرمين) الذين يحرصون على عروشهم.. فهم لا يشعرون بما سيكون عليه مصيرهم لأنهم يحبّون الحياة و يحرصون عليها ، و لو كانت حياتهم المحدودة و كراسي حكمهم الزائل قائمة على جماجم الشهداء منكم.. إنهم يمكرون ، و لكنهم لا يشعرون بعواقب مكرهم الذي سيكون وبالا عليهم.. "و كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها و ما يمكرون إلا بأنفسهم و ما يشعرون".. و تذكروا أيها الناس أن هؤلاء الحكام (أكابر المجرمين) زائلون كما كان حال أكابر مجرمي القرى الذين قصّ الله علينا قصصهم في كتابه العزيز..

أما أنتم فليكن منكم (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه).. و تأكدوا أن للجنة ثمناً "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء و الضراء و زلزلوا حتى يقول الرسول و الذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" (البقرة-214)

نعم.. اعملوا مع المخلصين و ثقوا أن نصر الله قريب.