عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 02-09-2006, 05:46 AM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي البردة وعلاجها في مؤلفات الطب العربي والاسلامي للدكتورين عبد القادركعدان ومحمد حرك .

البَرَدَة وعلاجها في مؤلفات الطب العربي والإسلامي
Chalazion and its Treatment in Arabic and Islamic Medicine

د. عبد الناصر كعدان *
د. محمد الحرك **




ملخص البحث
بلغ الطب العربي الإسلامي في القرون الوسطى درجة كبيرة من المعرفة بالتشخيص والعلاج للعديد من الأمراض. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على كفاءة ومهارة الأطباء العرب المسلمين ونبوغهم بالرغم من وسائل التشخيص والعلاج البدائية والتي كانت في زمانهم. من هذه الأمراض المرض العيني المعروف بالبَرَدَة Chalazion. وهذا المرض يعرف اليوم على أنه ورم حبيبي مزمن في غدد ميبوميان (1) Meibomian glands في الأجفان، وهو قد يكون مفردأ وقد يكون أكثر من واحد في العدد. أما من ناحية السلامة فهو غالباً ورم سليم وقد لا يكون كذلك، وذلك عندما ينكس أكثر من مرة وهنا يجب أخذ خزعة وإجراء الفحص النسيجي لها. ولازالت بعض مبادئ تشخيص وعلاج هذا المرض وفق ما ورد في المؤلفات الطبية العربية القديمة تتفق والطب الحديث.
هدف هذا البحث هو التعرض لمختلف جوانب هذا المرض العيني من أسباب وتشخيص وعلاج، وذلك كما ورد في أهم مؤلفات الطب العربي، ومقارنة ذلك مع آخر ما توصل إليه الطب الحديث في هذا المجال.

-------------------------

مقدمة:

تصيب الأجفان أمراض كثيرة ومتعددة كالتهاب حواف الأجفان (2) Blepharitis بمختلف أنواعه (توسفي - تقرحي - مختلط) والشعيرة (3) Hordelum والتحصّي (4) Concretions والتصاق الأجفان بالملتحمة (5) Symblepharon والشتر الداخلي (6) Intropion والشتر الخارجي (7) Ectropion والشعرة (8) Trichiasis ووذمة الملتحمة الجفنية (9) Chemosis والسّلاق (10) Thrush ومرض التراخوما (11) Trachoma والإطراق (12) Ptosis وأخيرا مرض البَرَدَة (13) Chalazion.

ولقد عرف الطب العربي كل هذه الأمراض تشخيصاً وعلاجاً دوائياً (محافظاً) وجراحياً.

وسنتناول في بحثنا هذا مرض البَرَدَة تعريفاً ووصفاً وعلاجاً من خلال ما ذكره رواد الطب العربي الإسلامي، مقارنين بين ما كان يتم من علاج وقتئذٍ وما يعملُ به الآن في وقتنا الحاضر من خلال وجهة نظر الطب الحديث في ذلك.

أصل تسمية البردة
لقد ورد في معجم لسان العرب(14) تحت مادة بَرَدَ ما يلي

البَرَدَةُ: التخمة، وفي حديث ابن مسعود: كل داء أصله البَرَدَةُ وكله من البَرْد. وقيل: سميت التخمةُ بَرَدَةً لأنَّ التخمة تُبْرِدُ المعدة فلا تستمرئ الطعام ولا تنضِجُه.

والبَرَدُ: سحاب كالجَمَد، سمي بذلك لشدة برده .

والبَرْد: النوم لأنه يُبَرِّد العين بأن يُقِرَّها وفي التنـزيل العزيز: (لا يذوقون فيها بَرْداً ولا شراباً).

والبَرْد: تبريد العين. والبَرْوَد: كُحل يُبَرِّد العين. ومن المجاز في حديث عُمر (رضي الله عنه) فهَبَّرَهُ بالسيف حتى بَرَدَ (أي: مات). يقول ابن منظور: وهو صحيح في الاشتقاق، لأنه عَدِمَ حرارة الروح.

ولقد وردت في المعجم الطبي الموحد(15) مضبوطة بالشكل التالي: بَرَدَة Chalazion.

ونستنتج مما سبق أنَّ: (البَرَد ، البَرَدَةَ ، البَرَدَةِ) كلها تعابير صحيحة مشتقة من البرودة.

تعريف مرض البَرَدَة:

ذُكر هذا المرض العيني الذي يصيب الأجفان تحت عدة أسماء منها البَرَد والبَرَدَة والبَرَدَةِ .

فلقد عرفه الشيخ الرئيس ابن سينا في كتابه "القانون في الطب" تحت عنوان فصل في البَرَدةِ بقوله: "هي رطوبة تغلظ وتتحجر في باطن الجفن، وتكون إلى البياض تشبه البَرَد(16). أي أنها مادة صلبة كالحجر قاسية تتوضع ضمن سماكة الجفن لونها ضاربٌ للبياض وهي بشكل حبة كروية الشكل أو ما يشبهها بحيث تشبه حبة البرد التي تسقط من السماء شتاءً.

أما خليفة بن أبي المحاسن الحلبي(17) فلقد عرَّفها في كتابه الكافي في الكحل تحت عنوان البَرَد بقوله: "إنه ورمٌ صغيرٌ صلبٌ مائلٌ للبياض، يشبه البردة في شكله، وهو نوع واحد آلي في العدد وأكثر وجوده خريفاً وشتاءً، وفي الكهول والشيوخ وهو من الأمراض الخاصة بالجفن، وهو مرضاً سليماً"(18). أي أنه ورم صغير الحجم قاسٍ لونه مائل للبياض ويشبه حبة البرد، وأكثر ما يشاهد في فصلي الخريف والشتاء، يصيب كبار السن، وهو من الأمراض المحصور توضّعها في الأجفان في العين وهو ورم سليم.

بينما يعرفه ابن النفيس الدمشقي(19) في كتابه "المهذب في الكحل المجرب" تحت عنوان البردة قائلاً: "هو ورم صغير صلب مستدير كالبردة في شكله"(20). أي هو ورم صغير الحجم قاس القوام والملمس شكله مستدير مكوّر كحبة البرد.

يعرفها الغافقي(21) في كتابه المرشد في الكحل قائلاً: "أما البرد فنوع واحد"(22). أي أنَّ البردة هي من نوعٍ واحدٍ لا أكثر .

لكن الرازي يقول: "وأما البردة فرطوبة غليظة تجمد في باطن الجفن شبيهاً بالبردة"(22). أي أنها تجمع لمواد غليظة تتجمد في الأجفان وتشبه بشكلها حبة البرد.

وكذلك الزهراوي فيعرّف البردة قائلاً: "كثيراً ما يعرض في الأجفان شيء يشبه البرد في شدته وصلابته ولذلك سمي بالبرد"(23). أي أنها كتلة ورمية صلبة تتوضع في الأجفان بشكل عارض وتشبه بشكلها حبة البرد.

نستنتج من التعاريف السابقة الذكر بعباراتها وصيغها المختلفة بأنَّ البَرَدة هي ورم مفرد بالعدد، صلب وقاس في القوام، مستدير ومكوّر يشبه حبة البرد في الشكل، لونه قريبٌ للبياض، وهو مرض سليم من حيث الإنذار.

أما وجهة نظر الطب الحديث في هذا المرض فتكمِّل ما ذكر في التعاريف السابقة الذكر وتضيف عليه ما يلي: يقول الدكتور جاك كانسكي(24) J - Kanski في كتابه الطب العيني السريري Clinical Ophthalmology بأنَّ البردة هي ورم مفرد أو متعدد وهو ورم حبيبي مزمن في غدد ميبوميان(25) Meibomian glands في الأجفان، أي أنَّ الورم قد يكون مفردأ وقد يكون أكثر من واحد في العدد. أما من ناحية السلامة فهو غالباً ورم سليم وقد لا يكون كذلك، وذلك عندما ينكس أكثر من مرة وهنا يجب أخذ خزعة وإجراء الفحص النسيجي لها.

أسباب البَرَدَة:

لم يذكر ابن سينا السبب واكتفى بالقول بأنها مادة متحجرة قاسية(26).

أما خليفة بن أبي المحاسن الحلبي - في كتابه الكافي في الكحل - فيقول : "السبب هو اجتماع رطوبةٍ مائلةٍ إلى السوداء، وتتجمد وتتحجّر في الجفن لسخافية وتخلخل جُرمِه، وقد يكون سببه عدم الحمَّام وقلة التحليل(27). أي أنَّ السبب ناجم عن تجمع مواد لزجة ولزوجتها سميكة قريبة للسوداء تتجمع هذه المواد وتتحجر فتصبح قاسية متماسكة ضمن الجفن وذلك بسبب ضعفٍ في الجفن في العين في الأنسجة المكوِّنة له، وقد يكون السبب من قلة النظافة وقلة الاغتسال.

في حين أن ابن النفيس يقول في كتابه المهذّب في الكحل المجرب: "سببه مادة غليظة تجتمع في موضع من الجفن فيتخلل لطيفها وتزداد غلظاً"(28). أي هي تجمع لمادة سميكة ولزجة القوام في مكان ما في الجفن حيث تفقد شيئا من سائلها وتصبح أكثر سماكة ولزوجة.

وكذلك الغافقي فيقول في كتابه المرشد في الكحل: "وأما سببه فاجتماع رطوبات غليظة تجمد في الجسم وأكثر ما تتولد في ظاهر الجفن(29).

يقول أبو بكر الرازي: "وأما البرد فنوعٌ واحدٌ وهو رطوبة غليظة في ظاهر الجفن وفي باطن الجفن(30) أي أن سببه هو تجمع هذه الرطوبة السميكة في الجفن. وأنَّ هذه المواد اللزجة الغليظة القوام تكسب قساوتها في جسم الإنسان لكن أكثر ما تظهر في الأجفان ويركز بالقول بأنها تكون في ظاهر الجفن أي السطح الخارجي للجفن.

لكن الزهراوي يتحدث عن السبب فيقول: "... وهو اجتماع رطوبة غليظة في الجفن الأعلى والجفن الأسفل(31) أي أنَّ السبب هو تجمع لهذه الرطوبات الغليظة في الجفن العلوي والسفلي.

لكن لم يذكر أي ممن سلف ذكرهم ما هي أسباب تجمع هذه الرطوبات الغليظة ولا العوامل المؤهبة لذلك.

أما الطب الحديث فله وجهة نظر وإثباتات تتفق في بعضها مع ما سلف ذكره من أسباب وتختلف معها في جوانب أخرى ويضيف عليها أسباباً وأموراً أُخر.

فما يتفق مع الأسباب الآنفة الذكر هو أنَّ السبب غير معروف تماماً لكنه ينجم على الأغلب عن انسداد قنوات الغدد "غدد ميبوميان" بأورام حبيبية دهنية إلتهابية فتنحبس مفرزات الغدة. وتسبب المفرزات المتراكمة تخريشاً في الغدة تحرّض على تشكيل الورم الحبيبي الذي يحوي العديد من الخلايا الإلتهابية كالخلايا العرطلة والخلايا البطانية واللمفاوية ثم يحاط هذا الورم بغلاف ليفي.

وفيما يختلف عما ورد في كتاب الكافي في الكحل حينما يقول: "قد يكون سببه عدم الحمّام" فالحمّام لا دخل له في تشكل أو عدم تشكل البردة لأنه إضطراب استقلابي للمواد الدهنية مع خمج ثانوي في الغدد الدهنية. وقد لا يحدث أي خمج ثانوي ويكون السبب فقط اضطراب إستقلابيأي إنتان أي.

لكن ما يضاف على ما ذكر من أسباب فهو أنَّ هذا الاضطراب الإستقلابي قد يكون معمماً في كامل الغدد الدهنية في الجسم فقد يترافق ظهور البَرَدة مع ظهور حب الشباب أو ما يسمى "العد" الذي يظهر في الوجه أو القسم العلوي من الجسم.

الأعراض والعلامات :
كما لاحظنا فإن البَرَدَة - حسب ما ذكرته مؤلفات الطب العربي الإسلامي- هي ورم صغير مستدير الشكل صلب الملمس غير مؤلم يتوضع في ظاهر الجفن العلوي غالباً وقد يوجد في باطنه، وبشكل أقل في الجفن السفلي، وهي ذات لون قريب للبياض.

وقد وصف علامة هذا الورم ابن سينا في كتاب القانون بأنه قاسي الملمس ولونه ضارب للبياض حيث قال: "تتحجر في باطن الجفن وتكون إلى البياض تشبه البَرَد(32).

بينما خليفة بن أبي المحاسن الحلبي في كتاب الكافي في الكحل فيقول: "ورمٌ صغيرٌ مستديرٌ يتبعه صلابةٌ من غير ألم، وأكثر ما يكون في ظاهر الجفن الأعلى وقد يكون في باطنه، وربما يولد في الجفن الأسفل أيضاً، وقد يكون في الجفنين جميعاً(33).

يقول الغافقي في كتاب المرشد في الكحل: "وأما علامته فإنه ورم صُلب شبيه بالبَرَد(34).

أبو بكر الرازي يقول أن شكله بشكل حبة البرد.

بينما الزهراوي فيتحدث عن العلامات قائلاً: "...فإن كانت البردة بارزة في ظاهر الجفن تتحرك إلى كل ناحية فأمرها سهل…(35) . أي أنها يمكن أن تكون ظاهرة للعيان بشكلها وعندما تجسها تجدها متحركة غير ملتصقة أي حرة. ثم يقول "... فإن كانت البردة مائلة إلى داخل الجفن نحو السطح الداخل ...(36). أي أنها يمكن أن تكون ضمن الجفن غير ظاهرة للعيان، ويمكن تحرّيها بقلب الجفن للخارج لأنها أقرب إلى الداخل.


__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس