عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 02-09-2006, 05:49 AM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي

يحدد الطب الحديث أعراض وعلامات البردة وذلك من خلال جاك كانسكي في كتابه طب العيون السريري، ونويل(37) Franke - W - Newell في كتابه العينية Ophthalmology، وهنري كليمان(38) Henry M - clayman في كتاب الأطلس الحديث في الجراحة العينية Atlas of Contemporary Ophthalmic Surgery بأنه انتفاخ تدريجي عديم الألم في الصفيحة الغضروفية غير ملتصق بالجلد وهو قد يكون قريباً من الجلد (ظاهر الجفن) وقد يكون عميقاً أقرب إلى الملتحمة الجفنية. ففي الحالة الأولى عند قَلبِ الجفن نجد احمراراً في الملتحمة فوق منطقة الانتفاخ. أما في الحالة الثانية فنجد اصفراراً أو شحوباً محاطاً بتوعية دموية غزيرة. وهذا الورم يوجد في الجفن العلوي والسفلي بنفس النسبة وليس أكثر ما يكون في ظاهر الجفن الأعلى كما ذكر آنفاً. كما أنَّ الشفاء العفوي للبردة نادر، وقد تصاب بخمج يحولها إلى شعيرة داخلية وهي مؤلمة، أي أنه يمكن أن تصبح البردة مؤلمة.

إضافةً لذلك ذكر الطب الحديث نوعاً آخر للبردة وهي البردة الهامشية حيث يتشكل الورم في الأقنية فقط وتظهر على شكل عقد حمراء في حافة الجفن ويمكن أن تنثقب الملتحمة لكن انتشار الورم تحت الجلد هو نادر الحدوث.

ومن العلامات التي لم تذكر أيضاً في مؤلفات الطب العربي هي أنَّ البردة إذا بلغت حجماً كبيراً قد تضغط على كرة العين مما يؤدي لحدوث حرج بصر(39) Astigmatism.

العلاج
لقد كان الغرض من العلاج هو أن يتم تليين المادة المنحبسة وتحليلها، لذلك استخدمت أدوية متعددة وضمادات وكمادات. ويلجأ للجراحة إن لم تنفع الطرق السابقة.

ففي العلاج يقول ابن سينا: "يستعمل عليها لطوخ من وسخ الكوائر وغيرها، وربما زيد عليه دهن الورد(40) وصمغ البطم(41)وأنزورت (42) أو يطلى بأشق(43) مسحوق بخلّ، وبارزد(44)، أو حلتيت(45)، أو طلاء أوربياسيوس(46). من ذلك نجد أن ابن سينا قد ركزعلى العلاج الدوائي فقط ولم يتطرق لشيء من العلاج الجراحي، وقد يكون السبب في ذلك هو أنه لا توجد معلومات وافية عن الجراحة في ذاك الوقت أو عدم درايته بذلك.

أما ابن النفيس فيقول: "الغرض هاهنا هو تحليل المادة لكن التحليل الصرف يزيد المادة تحجراً فلابد من تليين، وقد يحتاج أيضاً إلى التقطيع وذلك بمثل الخلّ لتصغر الأجزاء فتتهيأ للتحليل، ومن الأدوية الجيدة سكبينخ(47) أو أشق أو قنة(48)، أيها كان بالخلّ وكذلك الحلتيت ، وصمغ البطم بدهن الورد أو دهن البطم(49) مع الشمع(50) والصمغ أو كندر(51) ومر (52) من كل واحد درهم، لادن (53) ربع درهم، شمع نصف درهم، شب (54) ربع درهم، تورق إضافةً إلى جمعها بزيت عتيق(55) أو عكر السوسن، وقد تحتاج إلى الاستفراغ إذا قارن ذلك امتلاء(56). وعن العلاج الجراحي يقول: " … وقد يعمل بالحديد بأن يجلس العليل متربعاً، والمعالج على كرسي بحذائه معتمداً بقدميه على الأرض، ثم يقلب الجفن ويشق من داخل عرضاً فإذا ظهرت البردة أخذت بملعقة الميل مع غمزها من خارج الجفن بطرفي الإبهام والسبابة، وقد يسترخي موضع الشق فتجمع الشفتان بالخياطة في وسطه ثم يذر عليه الذرو الأصغر(57).
تحدث أيضاً أبي المحاسن الحلبي عن العلاجين الدوائي والجراحي كما تحدث ابن النفيس.

بينما الغافقي فقد تحدث فقط عن العلاج الدوائي ولم يتطرق إلى العلاج الجراحي. لكن الزهراوي تحدث عن العلاج بشكل مسهب وجيد وتفصيلي، وركَّز على العلاج الجراحي ولم يتطرق بشيء للعلاج الدوائي. وفي ذلك يقول: "والعمل فيها أن تنظر فإن كانت البردة بارزة في ظاهر الجفن تتحرك إلى كلّ ناحية فأمرها سهل فشق عليها شقاً بالعرض ثم اسلخها من كل جهة برفق حتى تتخلص، ثم علقها بالصنارة واقطعها، فإن لم يتهيأ لك قطعها إلا بعد أن تنفذ الجفن بالقطع فلا يضر العليل ذلك شيئاً، فإن كان الشقّ كبيراً فاجمعه بالخياطة عالجه حتى يبرأ، وإن كان صغيراً فلا بأس عليك منه فإنَّ المرهم يجبره ويلحمه(58). وهذا وصف بغاية الدقة للتدبير الأمثل للبردة الخارجية التي تظهر بوضوح للعيان ويمكن جسها بالإصبع.

أما عن البردة التي تكون مائلة للداخل فيقول الزهراوي: "فإن كانت البردة مائلة إلى داخل الجفن نحو السطح الداخل فاقلب الجفن وعلّق البردة بصنارة من غير أن تحتاج إلى شق واجتزّها من كل جهة فإن أنفذت الجفن بالقطع لم يضر ذلك شيئاً، ثم اغسل العين بعد قطع البردة بالماء المالح وعالج الموضع بما يلحم حتى يبرأ العليل(59).

ففي هذا الشرح عن البردة الأقرب للسطح الداخلي للجفن نجد فيه دقة في وصف المكان ودقة في تحديد عقابيل النفاذ بالقطع للجفن ووصف دقيق لطريقة الاستئصال لكنه لم يحدد نوعية معينة للشق لا بشكل عرضي ولا طولي بل قال بالاجتزاز الكامل للبردة.

يتفق العلاج في الطب الحديث كما ذكره جاك كانسكي J-kanski ونويل Newell في المبدأ والآلية مع ما ذكر في مؤلفات الطب العربي الإسلامي من ناحية العلاج الدوائي للبردة الصغيرة فقط، حيث أن البردة الصغيرة قد تزول بالعلاج الموضعي. أما البردة الكبيرة فلا تزول بالعلاج الدوائي الموضعي.

فالبردة الكبيرة علاجها جراحي فقط، حيث يتم شقها جراحياً بالمشرط، والجراحة هنا حسب توضّع البردة. فالبردة القريبة من الملتحمة الجفنية أي الأقرب إلى داخل الجفن، يُقلب الجفن ويُجرى شق عمودي على حافة الجفن في الملتحمة الجفنية وعبر الغضروف بعد التخدير الموضعي، ونثبت ملقط البردة ونفرغ محتويات البردة ونستأصل المحفظة ونطبق الصادات ودون أن نجري أية خياطة. وهذا يختلف عن العلاج الجراحي الذي ذكره الغافقي حيث قال بإجراء الشق الجراحي العرضي والخياطة لأنَّ ذلك قد يؤدي لحدوث انقلاب داخلي للجفن "شتر جفن داخلي Intropion".

إنَّ ما ذكره الزهراوي أيضا عن الاجتزاز الكامل للبردة بدون الشق فهو قد يؤدي لحدوث شتر داخلي للجفن وهذا لم ينتبه له الزهراوي لأنه ركّز على الاجتزاز الكامل للبردة، أما الأصح فهو إجراء الشق العمودي على حافة الجفن دون الوصول لها وتفريغ البردة من محتوياتها.

أما إذا كانت البردة أقرب إلى ظاهر الجفن فيجرى شق عرضي للجلد موازٍ لحافة الجفن وتفرغ محتويات البردة ثم يخاط الجلد الجفني وتضمد العين.

وهناك أيضاً علاج حديث آخر وهو الحقن الموضعي لمادة تريامسينولون (60)Triamcinolone ضمن البردة وهذا يسبب انحلالها دون الحاجة للجراحة.

الخاتمة
نستنتج مما سبق بأنَّ الطب العربي الإسلامي في أوج ذروته كان قد بلغ شأوا كبيرا من المعرفة بالتشخيص والعلاج وفق معايير ذلك العصر. وما هذا المرض العيني "البَرَدَة" إلا أحد الأمثلة على ذلك. وقد لاحظنا من خلال الوصف الدقيق لعلامات وعلاج هذا المرض أن الأطباء العرب المسلمين لم يكونوا فقط مجرد نقلة لعلوم الأقدمين، بل إنهم درسوا تلك العلوم واستوعبوها وأثروها من خلال ممارستهم للطب في ذلك الوقت، وعلى نحو استطاعت أوربا أن تستفيد من هذا التراث الطبي لتبني عليه نهضتها التي نلمس آثارها اليوم.


الحواشي والتعليقات والمراجع
(1)غدد ميبوميان Meibomian glands : هي غدد موجودة في الصفيحة الغضروفية للأجفان وهي تفرز مادة دهنية تساهم في تشكيل الطبقة الخارجية من الفيلم الدمعي .

(2)التهاب يصيب الأجفان في العين Blepharitis وهو على أنواع (توسفي - تقرحي - مختلط) وقد يؤدي لحدوث تشوهات بالجفن وأهداب حاكة .

(3)الشعيرة Hordelum: التهاب بغدد زايس في الجفن، وهو التهاب جرثومي. وهي نوعين شعيرة داخلية وشعيرة خارجية .

(4)التحصي Concertions: هو وجود حبيبات كالرمل تحت الملتحمة الجفنية وذلك نتيجةً لالتهابات مزمنة في الملتحمة .

(5)التصاق الأجفان بالملتحمة Symblepharon حيث تلتصق الأجفان بكرة العين وذلك نتيجة الرضوض والجروح ونتيجة الحروق أو بشكل خلقي .

__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس