عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 03-09-2002, 02:13 AM
راضية راضية غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2002
المشاركات: 48
إفتراضي

الجلسة الثــانية


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومرحبا بكم من جديد في خير الجلسات في هذه الدنيا ، التي ننعم بهم ونتنسم منها عبير الجنة ، و نرتقي بإيماننا ، وتحفنا الملائكة ، ويذكرنا الله فيمن عنده .

أخوتي أخواتي ..
اعلموا سلمك الله أن هذا القرآن الحبيب العجيب المعجز ، عجيب في صفاته وسماته ، غني في معانيه ودلالاته ، ثمين في كنوزه وحقائقه ، حيٌ في نصوصه وتوجيهاته ، قوي في أهدافه وأغراضه ، واقعي في مهمته ورسالته ، فاعل في أثره ودوره.. معجز في أسلوبه وهـديه .. مستمر في عطائه .. إنه ذو عطاء دائم متجدد ، أقبل عليه المسلمون في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي ، فوجدوا عنده ما يريدون وزيادة ، قرأوه وتدبروه ، وعاشوا به ونظروا إلى نصوصه ، وفسروا آياته ، وبينوا شرائعه ، وتحدثوا عن توجيهاته ، واستخرجوا من كنوزه ، وجنوا من ثماره .. وبقي القرآن بحول الله قادراً على العطاء كنوزه ثمينة مذخورة لا تنفد ، ولو كثر المغترفون ، ومعينه ثَرّ كريم عزيز لا ينضب ، ولو كثر الشاربون ، وظلاله ممتدة واسعة لا تزول ، ولو توافد عليها المتفيئون .. وأنواره مشعة لا تخبو ، ولو طال عليها الزمان وامتدت بها السنون .. ورسالته ومهمته متجددة حتى يدركها القرن الحادي والعشرون ، وما بعده إلى أن يهلك العالمون أجمعون ! .

أيها الأحبة :
يقول الأستاذ سيد رحمه الله تعالى { إن هذا القرآن ينبغي أن يقرأ، وأن يتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعي . وينبغي أن يتدبر على أنه توجيهات حية ، تتنزل اليوم ، لتعالج مسائل اليوم ، ولتنير الطريق إلى المستقبل . لا على أنه مجرد كلام جميل يرتل، أو على أنه سجل لحقيقة مضت ولن تعود . ولن ننتفع بهذا القرآن حتى نقرأه لنتلمس عنده توجيهات حياتنا الواقعة في يوما وفي غدنا ، كما كانت الجماعة الإسلامية الأولى تتلقاه لتلتمس عنده التوجيه الحاضر من شئون حياتها الواقعية .. وحين نقرأ القرآن بهذا الوعي سنجد عنده ما نريد . وسنجد فيه عجائب لا تخطر على البال الساهي ! سنجد كلماته وعبارته وتوجيهاته حية ، تنبض وتتحرك وتشير إلى معالم الطريق ..}

لماذا سورة الكهف تحديداً ؟

تعالوا نتعرف أولاً على ما ورد في فضل هذه السورة ليسهل علينا فهم عرضنا لها تحديداً وفي هذا الوقت بالذات .

1\ روى مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده عن أبي الدرداء رضي الله عنه: " ‏أَنَّ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ ‏‏ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ ‏‏الْكَهْف ‏ ‏‏عُصِمَ مِنْ ‏ ‏الدَّجَّالِ ‏" وفي رواية أخرى " آخِرِ ‏ ‏الْكَهْفِ " . هذه رواية مسلم . وعند الإمام أحمد "‏ مَنْ ‏ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ ‏‏ مِنْ ‏ آخِرِ ‏ ‏الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ‏" ‏قَالَ ‏ ‏حَجَّاجٌ ـ أحد رواة الحديث " مَنْ ‏ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ ‏ مِنْ سُورَةِ ‏ ‏الْكَهْفِ ‏"

2\ روى الترمذي و أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏ مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ ‏‏ مِنْ ‏ أَوَّلِ ‏‏الْكَهْفِ ‏ ‏ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ ‏ ‏‏‏ الدَّجَّالِ " قال أبو عيسى حسن صحيح . وفي رواية أبي داود " مَنْ ‏ حَفِظَ ‏ مِنْ خَوَاتِيمِ سُورَةِ ‏ ‏الْكَهْفِ " وفي رواية ثالثة " مِنْ ‏ آخِرِ ‏ ‏الْكَهْفِ " .


3\ روى الحاكم في مستدركه عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الكهف ، كما أنزلت ، ثم خرج إلى الدجال ، لم يسلط عليه ، ولم يكن له عليه سبيل " قال الذهبي في التلخيص صحيح .

4\ روى الحاكم في المستدرك و البيهقي في السنن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة ، أضاء له من النور ما بين الجمعتين ". وصححه الألباني في صحيح الجامع .

5\ وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والدارمي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
‏مَنْ قَرَأَ ‏‏ سُورَةَ ‏ ‏الْكَهْفِ ‏ ‏لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ‏ ‏الْبَيْتِ الْعَتِيقِ " صحيح الجامع 6471 .

ومن خلال التأمل في هذه الأحاديث نجد أن هذه السورة تعصم من الفتن ، و تضيء طريق المسلم بنور الله تعالى ، فقد صرحت الأحاديث بأن بداية السورة أو نهايتها تعصم من فتنة الدجال ، وأنه لا يسلط على صاحبها ، وأنها تضيء له ما بين فترتي قراءته للسورة .

يمكننا أن نقول أن سورة الكهف هي سورة ( العواصم من الفتن ) فهي التي تعطي للمسلم المتدبر لكلام الرب الكريم العديد من القيم والموازين التي تساعده على إدراك العديد من حالات الدجل والتزييف التي تمر عليه في هذه الحياة ، وهذه السورة هي التي تنشر في جنبات قلبه التعلق بالله سبحانه وتعالى مهما طغت الفتن وعظم أوراها .

وعصرنا هذا هو عصر الفتن المادية الجارفة ، الذي انتفشت فيه المادية الجاهلية وتبرجت ، ونشرت على المسلمين دجلها وزيفها وفتنتها وإغراءاتها ، وشهواتها ومجونها وانحرافها. وغزت المسلمين غزوا شاملاً طاغياً. وسقط مسلمون أسرى هذا الغزو ، ووقعوا فريسة لها ، واستسلموا لشهواتها ومجونها وصدقوا زيفها وتضليلها ودجلها ! .
وعصم الله مسلمين صادقين أما هذا الغزو والصراع ، عصمهم الله بالقرآن ، عندما أقبلوا يحفظونه ويتلونه حق تلاوته، ويفهمونه حق فهمه ، ويجاهدون المادية الجاهلية به ، ويتحدونها من خلال حقائقه ومفاهيمه ومقرراته .

وسورة الكهف هي ( سورة الصراع بين الإيمان والمادية ) فهي ذات أهمية بالغة في المواجهة والمجاهدة والثبات .
يقول السيد أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى عن سر اختصاص هذه السورة بالعصمة من فتنة الدجال ، وما شابهها من فتن الدجاجلة الكذابين .. وما أكثرهم في زماننا .. يقول رحمه الله :
{ إن هذه السورة هي السورة القرآنية الفريدة التي تحتوي على أكبر مادة وأغزرها ، فيما يتصل بفتن العهد الأخير التي يتزعمها الدجال ، ويتولى كِبرها ، ويحمل رايتها ، وتحتوي على أكبر مقدار من الترياق الذي يدفع سموم الدجال ، ويبرئ منها ، وإن من يتشرب معاني هذه السورة ويمتلئ بها ـ وهو نتيجة الحفظ والإكثار القراءة في عامة الأحوال ـ يعتصم من الفتنة المقعدة للعالم ، ويفلت من الوقوع في شباكها .
وإن في هذه السورة من التوجيهات والإرشادات ، والأمثال والحكايات ، ما يبين الدجال ، وُيشخصه في كل زمان ومكان ، ويوضح الأساس الذي تقوم عليه فتنته ودعوته ، و تهيئُ العقول والنفوس لمحاربة هذه الفتنة ومقاومتها ، والتمرد عليها . وإن فيها روحا تعارض التدجيل وزعماءه ، ومنهج تفكيرهم ، وخطة حياتهم ، في وضوح وقوة } تأملات في سورة الكهف ص9 ـ 10

والكهف هو الفتحة الكبيرة في الجبل " الصلب " ، بخلاف الغار الذي يكون بابه وحجمه صغيرا ، وكما كان الكهف ملاذاً آمناً للفتية المؤمنين ، تكون هذه السورة ملاذاً لصاحبها من صلابة الحياة المادية وما يراد لها من تعميم على العالم بأسره !! فهذه السورة هي التي تجعل لنا من القيم والأسس ما يمكننا من صدع تلك المادية الجارفة المتغطرسة المتعالية ، نخرقها بقيمنا ومبادئنا ، ونسلك سبيل الثبات والنجاة بالقرآن الحبيب .. فلا عصمة ... و لا نجاة ... ولا ثبات ... إلا بالقرآن . ولا رفعة ولا عزة ولا سعادة لنا إلا بالقرآن .. ولا ننال الجنة ـ برحمة الله ـ إلا بالقرآن .
الرد مع إقتباس