عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 16-02-2005, 08:21 PM
قلم المنتدي قلم المنتدي غير متصل
فـــوق هام السحــب
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
الإقامة: ksa
المشاركات: 1,478
إفتراضي

لم يكن رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق والذي اغتيل ظهر الاثنين 14 فبراير في تفجير مأساوي لموكبه في المنطقة الراقية من وسط بيروت.. شخصية عادية في تاريخ لبنان.. إنه باختصار الرجل الذي قاد لبنان سريعا من حالة دمار وكساد اقتصادي وفوضى بسبب الحرب الاهلية الطويلة، إلى بلد جاذب للاستثمار، أعاد بنيته في وقت قصير جدا..
وبالطريقة نفسها التي بنى بها هذا العصامي امبراطوريته المالية والاعلامية من لا شئ، أخذ يبني بلده لبنان، والتي كان يفضل أن ينادونه باسمها فيقول لاصدقائه مازحا: فلتنادوني بالسيد لبنان.. وقال هذه العبارة أكثر من مرة في أحاديثه ومقابلاته الصحفية.
يتمتع رفيق الحريري بعلاقات جيدة مع جميع زعماء العالم، لم تنقطع بعد أن ترك رئاسة الحكومة التي تولاها لمدة أربع سنوات متتالية.. إنه الرجل المبتسم دائما والمتفائل، والذي كان ينسى دوما أنه واحد من أكثر عشرة أغنياء ثراء على مستوى العالم، فيجلس مع أشخاص عاديين، يتبادل معهم الاحاديث الودية والقفشات المضحكة، وكان لا يزال حتى الرمق الأخير يهوى أن يجلس في المقهى يتكلم مع كل الناس.. وقد قيل إنه جرى تفجير موكبه بينما كان في طريقه إلى أحد المقاهي في وسط بيروت قادما من مجلس النواب حيث حضر اجتماعا صباح اليوم وارتشف القهوة مع بعض الاعضاء.
إن خصوم الحريري يعترفون قبل أنصاره ومحبيه بفضله على استقرار لبنان وازدهارها الاقتصادي السريع خلال سنوات قليلة، فقد شهدت بلاده بفضله شخصيا حركة بناء مستمرة وسريعة لما هدمته الحرب الاهلية. استطاع جذب الاستثمار الخارجي ولا سيما الخليجي بقوة داعما ذلك بشبكة علاقاته السياسية والاقتصادية الممتدة. ورغم أن بعض خصومه يتهمونه أحيانا بأنه أغرق لبنان في الديون بسبب طموحاته المتزايدة، لكن لا أحد يستطيع أن يتقول عليه بأنه تكسب من ذلك، بل وجه امبراطوريته المالية الضخمة بالاضافة الى امبراطوريته الاعلامية التي تقودها محطة تليفزيون المستقبل وصحيفة المستقبل، لخدمة لبنان ومجتمعها.
والمعروف أن لبنان تتميز طوال تاريخها منذ الاستقلال بمجتمع النخبة السياسية الذي يفرز رؤساء الترويكا اللبنانية المتمثلة في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان.. وحده رفيق الحريري كان خارج هذه النخبة، فقد ولد عام 1944 ميلادية من عائلة سنية بسيطة في مدينة صيدا اللبنانية، جاء إلى الحياة فقيرا معدما لدرجة أن بعض المصادر تتذكر أن عائلته لم تكن في هذا الزمن في مرحلة الاربعينيات ثم الخمسينيات تملك قوت يومها.
ومثل كل جيله من أبناء العرب تفتح شبابه على النقلة الخليجية لعالم الثراء بعد اكتشافات النفط الكثيرة في دول الخليج العربي لا سيما المملكة العربية السعودية. كان الحريري قد اعتاد الجلوس على أحد المقاهي في صيدا يفتش عن الوظائف الخالية، لأنه كان يأخذ مكانه في ذلك الوقت في طابور البطالة الممتد بلا نهاية.. إن التزاماته الاسرية كانت تتزايد يوما بعد يوم.. بينما هو لا يجد عملا ينفق منها على تلك الالتزامات. وأخيرا وجد إعلانا يطلب معلمين للتدريس في مدارس المملكة العربية السعودية.. وسعى سريعا ليتقدم لهذا الاعلان، وأراد الله أن يفوز في المقابلة الشخصية التي جرت معه بعد أن قبلت أوراقه.. وسافر الى السعودية ليبدأ مرحلة الانتقال من الفقر الى الستر الى البزوغ السريع في عالم المال والثراء.
وكان أول ظهور للحريري على سطح الحياة السياسية عام 1982عندما قام بالمساهمة الفعالة في اعادة بناء بيروت عقب الدمار الذي الحقه الاجتياح الاسرائيلي في ذلك الوقت، ثم كانت له اسهاماته البارزة والفعالة في وقف الحرب الاهلية التي اندلعت بلبنان عام 1975 مساهما في الاعداد لمؤتمر الطائف عام 1989 الذي وضع حدا لهذه الحرب وتحمل جزءا اساسيا من فاتورة اعادة الاستقرار والحياة الطبيعية والضخ الاقتصادي للبنان.
من أعماله الخيرية البارزة مؤسسة الحريري التي انشأها عام 1979 حيث تنفق ماليا على تعليم أكثر من 30 ألف طالب يدرسون في الجامعات اللبنانية والعربية والاوروبية والاميركية.. وهي منظمة خيرية غير ربحية.
عمل رفيق الحريري في بداية حياته في التجارة ومنها كان ينفق بالكاد على دراسته الجامعية حيث تخرج منها محاسبا. وعندما عاد من السعودية التي عمل بها مدرسا، انشأ شركة صغيرة أطلق عليها اسم " سيكونيست" وفي عام 1977 بدأ انطلاقته الكبرى باشتراكه في بناء فندق في الطائف مع شركة اوجيه الفرنسية، ثم اسس شركة " سعودي اوجيه" التي دمجها مع شركته "سيكونيست".. لتكون طريقه الى عالم المال والاعمال. وفي عام 1989 أنعم عليه خادم الحرمين الشريفين بالجنسية السعودية والتي كان يعتبرها دائما أسطع نقطة ضوء في حياته... رحم الله رفيق الحريري رحمة واسعة وحمى لبنان من مستنقع أراده أعداؤه له بهذا الاغتيال المفجع.


(الوفاق)