الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 11-02-2006, 06:50 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

(3)

كان قد تنقل في سنين حياته الست والعشرين ، بين عشرات المهن غير الماهرة ، فيوما تجده مساعدا لمعلم بناء طوب ، ويوم يقوم بعمل مساعد لمعلم قصارة (لبخ أو تببيض) وهي تعني بإخفاء معالم الجدران من خلال إضافة طبقة اسمنتية عليها تسبق الصبغ والدهان ,,

ويوم تجده يبسط بعض السلع ليبيعها على أرصفة الشوارع .. ويوم ينقل ماء بواسطة سيارة أعدت لذلك .. ولكن لم يحس بأمان أي مهنة من تلك المهن ، وقد يكون نفوره من تلك المهن عدم ثبات ديمومة دخلها ، أو أن هناك من يأمره باستمرار ، فينتقل الى أخرى عسى أن يلقى ما ينشده ..

ولما كانت تربط والده ، علاقة طيبة مع صاحب مصنع أعلاف ، فقد تم تعيينه كعامل في المصنع ، يتم ربطه بنظام الضمان الاجتماعي ، ويتلقى راتبا يعادل ضعفي ما كان يحصله في أي مهنة من التي امتهنها سابقا ..

حضر الى المصنع في الصباح الباكر ، وكان هناك في المصنع ثلاثة عمال غيره ، أعمارهم تزيد عن الخمسين عاما وتقل عن الستين ، وكانت حالة الفتوة تبدو على ملامح جسمه ، فكان وزنه يزيد عن تسعين كيلوغرام ، وعضلاته مفتولة ، وعيناه الخضراوان ، تشع حيوية ..

ضمر له العمال الأقدم ، نوايا مخلوطة بين توكيد ذاتهم ، واستغلال خصائص بنية جسمه ، عسى ان يستفيدوا منها بعض الوقت .. خصوصا تلك التي تتعلق بقوامه ..

أعطوه مهمة إحضار أكياس الصويا و خلط المواد ، فأخذ يشدها و يحملها بعنفوان واضح ، ويرميها في المكان الذي أشاروا اليه به ، كان يحس إحساسا بالزهو ، والتفوق الجسماني على غيره .. وهم يراهنون على نفاذ صبره ، وفقدان لياقته مبكرا ..

لقد كان أكبرهم عمرا في الثماني و الخمسين من عمره ، قضى معظمها في أعمال الحصاد اليدوي ، و أعمال البناء الكونكريتي ، والثاني بعمر خمس وخمسين عاما ، قضاها في تنزيل السيارات و تحميلها ، والثالث في بداية الخمسينات لم يترك عملا يعتمد على الكتف الا وعمل به ..

لقد كون العمال الثلاثة الذين سبقوه ، مهاراتهم مجبولة بالصبر ، والتحمل ، وتقنين لياقتهم لتكفيهم طوال النهار .. فكانوا أساتذة بكل معنى الكلمة ، محترفين في أداء عملهم ، دون تذمر ، أو شكوى ..

تطلع الى رؤوس أصابعه ، فرآها قد احمرت و تورمت ، والعضلات التي تحيط بها قد أنهكت بوقت مبكر .. ونظر الى زملاءه الكبار ، فخجل من نفسه ، وتدهور لياقته بسرعة ، واكتشف ابتساماتهم المنتشية بإثبات جدارتهم ، وتفوق الصبر والجلد على الفتوة والرعونة ..

لم يمر بتجربة أسوأ من تلك التجربة ، فحمل أغراضه متذرعا بحجج صاغها بكلام وتمتمة لم يفهمها أحد ، حتى هو .. وغادر ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس